أصدر الدكتور عبدالله محمد الغذامي كتابا عنوانه «العقل المؤمن / العقل الملحد» كيف لعقول البشر أن تؤمن أو تلحد» الطبعة الأولى 2020/1441، العبيكان للنشر. الكاتب يتطرق إلى العقل المؤمن والعقل الملحد ومواضيع متعلقة بالأسئلة عن نشأة الكون وهل له خالق أم خلق نفسه والسبب وراء وجود الخلق ومصيرهم بعد الموت، وجاء أيضا على عناوين لنظريات عن الكون كنظرية الجاذبية ونظرية الانفجار العظيم ونظرية التطور، وذكر أن بين هذه الأسئلة والنظريات «يقع الإيمان والإلحاد معا» (ص 5)، اختار المؤلف عدد سبعة «نماذج» لموضوع كتابه. وجاء في (ص 33)، على نموذج نيوتن ونموذج هوكينج. العالم الفيزيائي المقعد البريطاني الشهير ستيفن هوكينج «2018-1942 Steven Hawking» ، والذي توصل إلى منجزات علمية دقيقة متعلقة بنشأة الكون والانفجار العظيم والقوى الأربعة التي تحكم الكون والثقوب السوداء والإشعاع الذي يحمل اسمه Hawking) radiation). ذكر المؤلف في (ص9) أن «سؤال الإيمان والإلحاد سيظهر بأوضح ما يكون مع شخصية ستيفن هوكينج...»، مستشهدا ببعض ما جاء في كتابي هوكينج «موجز تاريخ الزمن والتصميم العظيم» واستند الغذامي في نقد فكر هوكينج على مقال نشر في الديلي ميل بتاريخ 2010/9/3 وكتاب «هل يستطيع العلم أن يفسر كل شيء» صدر في 2019 لعالم الرياضيات وفلسفة العلوم جون لينوكس John Lennox والتي قدم نقدا لهوكينج ولدوكينز كأبرز ملحدين معاصرين (ص 33-39)، وكما جاء على الاستشهاد واستعراض مواقف وأقوال بعض العلماء مثل عالم الأحياء فرانسيس كولينز والفلاسفة (برتراند راسل - ص 85-104) والفيلسوف جان جاك روسو (ص 120-123) وغيرهم في قضية الإيمان والإلحاد. يجد القارئ أن الدكتور الغذامي أستاذ النقد في مجال الأدب قد دلف إلى منطقة العلوم الطبيعية ودراسات الكون والحوارات الفلسفية الوجودية عن أسئلة ما قبل وما بعد نشأة الكون ليس لعرض النظريات والمفاهيم وطرح آرائه النقدية العلمية المستقلة حولها، وأخال أن ذلك ليس بالسهل على غير أصحاب التخصص، وإنما أتى بعناوين النظريات دون تعريف لها ولا كيف تم التوصل إلى كل منها وماذا نتج عنها ولو في أسطر قليلة مختصرة. وهنا نصاحب الكتاب في وقفات. مفهوم الإيمان عند الكثير من العلماء والفلاسفة: من المعلوم أن العلم الطبيعي يتعامل مع المشاهدة والتجربة والقياس والتحليلات الرياضية وليس مع المسائل الغيبية والتي هي غير قابلة للمشاهدة والقياس ولا طريق لإثباتها. من هنا لا يعتقد نفر من علماء الطبيعة بصحة (ما وراء الطبيعة = الميتافيزيقيا) ولا يعتقدون إلا بالمعادلات الرياضية والقوانين الفيزيائية والكيميائية.. إلخ والمستنتجة من ظواهر الطبيعة. لعل هذا يجيب على سؤال؛ لماذا هناك من علماء الطبيعة، الماديون، لا يؤمنون بالإله؟. إن كتاب «العقل المؤمن/ العقل الملحد» لا يتطرق إلى تعريف الإيمان بشكل دقيق وجلي عند العلماء والفلاسفة، وما هي المعايير التي يقاس بها الإيمان عندهم؟، فمن المعلوم أن تعريف الإيمان عندنا كمسلمين: هو التصديق والاطمئنان وفي الاصطلاح الشرعي هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره (أركان الإيمان الستة). فهل على العقل المؤمن عند العلماء والفلاسفة أن يعتقد بهذه الأركان كلها لكي يكون مؤمنا؟ وإلا يصبح ملحدا؟ أم أن مفهوم «الإله» كما يعالجه لينوكس ويورده المؤلف في (ص 34) «هو المفهوم الذي يقوله كل مؤمن بالله بوصفه الخالق الذي خلق الكون والبشر عن إرادة وقصد ولأسباب هو مدبرها ودبر مخلوقاته، وهو عظيم وحكيم» هنا يبرز سؤال هام: وماذا عن الإيمان بالملائكة، وبكتبه وبرسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره؟. دعونا نرى مفهوم الإله والإيمان عند بعض العلماء والفلاسفة وذلك لإيضاح الرؤية فمثلا، العالم نيوتن عند د. الغذامي نموذج للمؤمن (ص 36 و37) في حين أن المؤرخ ستيفن سنوبلن قال «إن إسحاق نيوتن كان هرطقيا (متمرد على المألوف) لكنه لم يعلن أبدا عن معتقداته. فقد أخفى دينه بشكل جيد و ما زال العلماء يستكشفون معتقداته الشخصية ... وبالتأكيد كان لا ثالوثيا» (Snobelen, Stephen D., 1999, «Isaac Newton, heretic: the strategies of a Nicodemite». British Journal for the History of Science, 32: pp, 381-419.). وجاء «أن نيوتن رأى الله بأنه الخالق الأعلى الذي لا يمكن إدانة وجوده بسبب عظمة كل الخلق. ومن نتائج أفكاره أن الإله منعزل عما يجري في العالم، لأن تدخله يعني وجود نقص في العالم، وهذا مستحيل للخالق الكامل القدير» (المراجع:{9,10,11,12} في الموقع: إسحاق نيوتن( ar.m.wikipedia.org. أما عند العالم العبقري البيرت اينشتاين (14 مارس 1879 – 18 أبريل 1955) وهو عالم فيزيائي ألماني الأصل أمريكي الجنسية من أبوين يهوديين واضع النظرية النسبية الخاصة والنسبية العامة والتي ساهمت في تأسيس الفيزياء النظرية الحديثة والحائز على جائزة نوبل عن التأثير الكهروضوئي. أوضح موقفه من الإيمان بالخالق في رسالة كتبها عام 1954 «أنا لا أؤمن بشخص الإله ولم أنكر ذلك أبدا ولكنني عبرت عنه بوضوح، فإذا كان هناك شيء ما فيّ يدعى دينا فهو إعجاب لا حدود له ببنية هذا العالم البعيد عما يستطيع العلم كشفه. أما الفيلسوف أفلاطون (427-347 ق.م.) «الإله عنده سرمدي لا يحتاج إلى سبب أو صانع وبما أن العالم الزمني يحتاج إلى مصنّع، يمكن تسمية هذا المصنّع «بالآلة». (المصدر: كتاب «مسألة الإله» لأستاذ الفلسفة في جامعة كونيكت، آندرو بيسن (Andrew Pessin) والذي نقله إلى العربية محمد الفشتكي، دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، عام 2018م. أما الفيلسوف والعالم المسلم ابن سينا (980-1037م) «يعتقد أن خالق العالم هو الله وأنه لا بد أن يكون هناك كينونة تبدأ السلسلة. إن طبيعة هذه الكينونة هي وجوب وجودها، ولتفسير وجود الأشياء يجب أن يكون هناك كينونة هي «الله»، نفس المصدر المشار إليه أعلاه. الفيلسوف المسيحي توما ألاكوني (1225- 1274م) «سعى لإثبات البساطة الإلهية من خلال استعراض الطرق التي تتركب فيها الأشياء والمحاجة بأن الرب ليس مركبا. ولا يمكن أن يكون هناك تمييز بين جوهر الرب ووجوده. إن ماهيته هي عين ذاته. نفس المصدر أعلاه. الفيلسوف توماس هوبز (1588-1679م) «يقول إن إله الفلاسفة لن يقودك إلى إله الوحي». الفيلسوف باروخ سبينوزا (1632-1677م) أوضح في كتابه «رسالة في اللاهوت والسياسة» أن الإيمان والفلسفة منفصلان، وأن العقل ليس خادما للاهوت، ولكل مجال خاص يختلف عن مجال الآخر. المرجع (رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة حسن حنفي، مراجعة د. فؤاد زكريا، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1981م. صفحة 363). أما العالم تشارلز داروين صاحب نظرية التطور (1818-1883م) الذي «يعتقد أنك إذا أردت الحصول على حقيقة المادة عليك التحول نحو العلم عن طريق مراقبة الطبيعة حيث إنك عندما تفكر بالمسبب الأول «الإله» لا بد أن تشعر بأنك موحد، لكن عندما تنظر إلى العالم بشكل أوسع تدرك مدى المعاناة في كل مكان. ويذهب داروين إلى أن يقول ألا نكون موحدين ولا ملحدين ولكن ببساطة «لا أدريين» أي لا ندري. (المصدر الأول أعلاه). وكون القائمة كبيرة اختتم بريتشارد داوكينز (1941م) حيث يقول «إنه ليس هناك أي إله أو مصمم ذكي بل إن كل الأشياء الموجودة في هذا العالم تتولد من خلال الفيزياء فقط» المصدر نفسه.
مشاركة :