خارطة طريق للمنطقة عقب الاتفاق النووي الإيراني

  • 7/16/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يشكل الاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران، أخيراً، في فيينا انتصاراً للدبلوماسية المتأنية، وذلك بعد أن هددت التحفظات التي استمرت لثلاثة عشر عاماً بين إيران والولايات المتحدة مدعومةً بحلفائها بوقوع حرب. وقد ضم الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، في خطاب حالة الاتحاد عام 2002، إيران إلى كوريا الشمالية والعراق كجزء مما سماه محور الشر، لتتصاعد بعدها حدة التوترات بفعل توسيع نشر القوات البحرية في دول المنطقة. كما أمعنت إسرائيل لأكثر من عقد من الزمن، ومن خلال ترسانتها النووية غير المعلنة، في إطلاق تحذيرات منتظمة بأنها على استعداد لشن هجوم جوي وقائي على المواقع النووية الإيرانية. ووضعت الدول العربية الاتفاق الموقع مع إيران في خانتين، توزعتا بين تحقيق النصر ونذير الهزيمة. وتفاوتت ردود الفعل في الأوساط الإعلامية واللاعبين الرئيسيين في المنطقة حيال التطور الأخير. لم تقتصر العلاقات المتوترة بين واشنطن وطهران على الثورة الإيرانية التي حدثت عام 1979، بل استمرت لعقود طويلة لاحقة. وارتفعت حدة تلك التوترات مجدداً عام 2002، لتشكل نواة الأزمة الراهنة، وذلك إثر الاكتشاف بأن إيران تخفي معلومات بشأن برنامجها النووي، وخلق مخاوف من حيازتها لسلاح نووي ما. إعادة الربط ويمنح الاتفاق إيران فرصة الخروج من مرحلة العلاقات الباردة إلى إعادة الربط مع الغرب، بما يعود بالفائدة على الشعبين الإيراني والغربي أيضاً، ويفسح المجال لعلاقات أكبر، سواء عبر التجارة والاستثمار والسياحة، أو عبر المفاوضات حول المشكلات الإقليمية. ومن شأن الاتفاقية أيضاً أن تمد روحاني بالقوة للتعامل مع بقايا المتشددين، وتدفعه للمضي قدماً في عملية الإصلاح الداخلي. تبرز اليوم إمكانية تأدية إيران لدور مختلف وبناء أكثر في شؤون الشرق الأوسط والدول المجاورة شرقاً كأفغانستان. ولطالما مارست إيران، وفقاً للغرب، تأثيراً سلبياً في المنطقة، بدءاً بدعمها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وصولاً إلى تسليح بعض الميليشيات اللبنانية. وقد ساهم ظهور تنظيم داعش في تعقيد الصورة أكثر، لاسيما في ظل انتقاد أميركا لتدخل إيران في العراق ودعمها الشيعة، إلا أن العمل جار حالياً بين الدولتين، إن لم يكن بالمعية، فبالتنسيق للتخلص من داعش. تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل توقيع الاتفاق، فوصفه بالخطأ التاريخي، معتبراً أنه يترك لإيران خيار الاحتفاظ بأسلحة نووية. إلا أن الاتفاقية الموقعة في فيينا تشير إلى صعوبة ذلك، وكان سيكون أكثر صعوبةً في ظل عدم التوصل لاتفاقية. فمن ضمن التنازلات الأخرى، وافقت إيران على تخفيض قدرتها على التخصيب النووي بمعدل الثلثين، وكذلك على وقف العمل بمصنع فوردو الموجود تحت الأرض لتخصيب اليورانيوم. وستخضع المواقع النووية في إيران لمراقبة هي الأشد في العالم، تتولاها العين الحارسة للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ضرورة التحرك يتعين على الولايات المتحدة التقاط تلك الفرصة والتحرك، بأسرع قدر مستطاع تفرضه العقلانية، لتخفيف العقوبات ومنح الشعب الإيراني الذي عانى طويلاً من العقوبات فوائد ملموسة. ويبقى هناك خطر أن يسعى الكونغرس الأميركي ذو الأغلبية الجمهورية غير المتساهلة مع إيران، والمتعاطفة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى تعطيل مفاعيل الاتفاق. ومع أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أعلن أنه سيلجأ إلى حق النقض، إلا أن الكونغرس قد يبطل ذلك عبر التصويت بغالبية الثلثين، في خطوة تنم عن قصر نظر ربما. لا شك في أن أوباما كان بحاجةٍ إلى تحقيق نجاح أساسي على صعيد السياسة الخارجية يضفي على إرثه الوطني، وما التوصل إلى ذلك الاتفاق سوى مكافأة لجهود عهده. إلا أن ارتدادات اتفاقية فيينا، التي طال التوصل إليها، تتخطى حكم التاريخ على رئيس أميركي، حيث تعطي أملاً بإمكانية عودة إحدى أهم حضارات العالم إلى بوتقة المجتمع الدولي، في خطوة تعود بفوائد جمة ليس على الإيرانيين وحسب، بل على الدول المجاورة الغارقة في الحروب. إنها فرصة لا بد من الاستفادة منها. جهود يسطر التاريخ الحديث مقياساً لما حدث في فيينا، فبدلاً من لجوء السياسيين إلى حلول عسكرية، انتصر الدبلوماسيون بالعمل ساعات طويلة على وضع تفاصيل اتفاق يضمن التوصل إلى تسوية سلمية، في خطوة تشكل نجاحاً في مساعي الحد من انتشار الأسلحة النووية. ويعود الفضل في ذلك إلى الجهود الحثيثة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري ولحلفاء أميركا من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، كما لروسيا و الصين. كما يعود الفضل كذلك إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي اضطر لمواجهة المتشددين المرتابين محلياً.

مشاركة :