على الرغم من النوايا المُريبة التي رمى المستعمر إليها من وراء جهوده، المُفرزةِ عبر كم كبير من دراسات أنثربولوجية إثنوغرافية، في حقب استعمارية توالت، قطع فيها باحثون مسافات طويلة وظروفًا شاقة في تنقلهم عبر القارات، من تبعوا مؤسسات ومراكز خصصت لتلك المهمة، ليتغلغلوا إلى أعماق وجذور ثقافة مستعمراتهم، ملاحظة وتوثيقا مباشرين، ولفهم كل ما يتصل بالحياة الشعبية (عن مُستعمريهم) من أجل تحقيق أهدافهم، إلا أنها تظل شاهدًا ماثلًا على ما تركته من كنز ومخزون معلوماتي، وطرق منهجية في البحث والاستقصاء، نموذج ذلك ما فعله نابليون بونابرت في مصر، وقد أحضر معه كبار العلماء والباحثين، وتمخض عن تلك الغزوة كتاب موسوعي بمجلدات ضخمة في وصف مصر، ظلت مرجعًا مهمًا إلى يومنا هذا. وفيما يجب أن يحيط به أي دارس لخلفيات تاريخية تخص منطقة ومحيط دراسته، وأثناء بحثي في أنثربولوجيا واحة جنوبية بليبيا (براك /الشاطي)، ماتمخض عنه تكشفي لمن وثق لجنوب ليبيا، ونقلا عن أهالي تلك الرقعة الواسعة، وكان والدي وبعض من رفاقه من مراجع الأنثربولوجي الفرنسي " فيليب مارسيه"، الذي لم نلقِ الضوء بعد على مفاعيله البحثية وقتها، وفي جهده الذي توخى التسجيل الدقيق لتفاصيل حياتية، ما ترتبط بالتعبيرات الشفاهية، والمقتنيات المادية وغيرها من المكونات الثقافية لعديد من واحات جنوبنا.وقد اعتزمت البحث عن هذا المستشرق، الذي حكى لي عنه والدي، ولاحقا عمي، وكانت معلوماتهما دليلا مرشدا في مبتدأ التقصي، إذ بدأت بالاطلاع على الكتب التاريخية حول المرحلة الاستعمارية لفزان أثناء الحرب العالمية الثانية، ومنها كتب الرحالة والمستكشفين، وذهبت إلى كشف بالأطروحات الجامعية، طمعا بمرجع مترجم، متتبعة دراسات بحثية سوسيولوجية وتاريخية ولغوية، عنت بواحات جنوبية، عدا عن ترددي على مركز المحفوظات والدراسات التاريخية الذي أنجز مئات من الكتب، وفك المخطوطات، كما الروايات الشفوية إحاطة بتاريخ ليبيا من مسارب عدة، لكنني لم أحصل على ما يشفي غليل شغفي عن هذا المستشرق، وهاجس سؤالي: أين ذهب بالمواد التي وثقها من أفواه شواهده؟وكان أن جاءني يسعى، إثر مقالٍ نشرته بالخصوص على موقع بشبكة الإنترنت، ووجد صدى عند بعض المهتمين، ومنهم أستاذ ليبي بعلوم المكتبات والمعلومات، صديق بن سليمان، الذي علق على إعادة نشر مقالي بصفحة فيس بوك، مُرفقًا بأربعة روابط: أولها لتعريف بالمستشرق فيليب مارسيه في صفحة بالويكبيديا الفرنسية، وثانيها: لمكتبة جوجول تعرض دراسة عن كتاب له صدر عام 1977 بعنوان نصوص لسانية مغاربية، ثالثها: رابط لأطروحة ماجستير عن جامعة منتوري (كلية الآداب واللغات)– قسنطينة،الجزائر عنوانها: ترجمة التعابير المجازية في النصوص العامية، فيليب مارسيه نموذجًا (Textes Arabes de Djidjelli ) نوقشت في العام الدراسي( 2008 - 2009) لباحثة جزائرية هي ريمة لعريبي بإشراف د. سعيدة كحيل، من أحاول التواصل معهما في يومنا هذا، والتي كتبت في أطروحتها،عن دراسة فيليب مارسيه، للهجة وتعابير مدينة جيجل وأنه " يُعد كتابه واحدا من أهم الكتب التي أفردت لجيجل مكانًا خاصًا بين مختلف مناطق القطر الجزائري، ولهذا الكتاب مكانة خاصة بين مثقفي وأهل جيجل، إذ يرون فيه كتابًا جامعًا للكثير من تراثهم الشفاهي القديم، الذي لم يحور من الأصل شيئا، ولم يحاول نقله إلى الفصحى بل احتفظ به بكل وفاء". ورابع الروابط: صفحتان بمجلة "اللغة والأدب" الفرنسية، تعرض قراءة في جهد فيليب مارسيه حول "لسانيات فزان" مأخوذة من نصوص شفاهية،هي حوارات يومية، وأغان منها أغاني العمل، وشعر، وهذا الإصدار يحمل عام 2001، آخر أعمال فيليب مارسيه. فمن هو فيليب مارسيه ؟ وما قصتهُ؟
مشاركة :