لقد قاربتُ ضالتي، ذاك المستشرق الفرنسي من شغف بواحة براك أربعينيات القرن المنصرم فيليب مارسيه، والذي ولد بالجزائر عام 1910، حين جاءت عائلته واستقرت بها، وقد أتقنت اللغة العربية واللهجات الجزائرية، والده "ويليام مارسيه" أسس لواحد من أهم المشاريع اللسانية (دراسة اللسان العامي)، وهو صاحب مفهوم "الثنائية اللغوية"، وعمه "جورج مارسيه" اهتم بعلم الآثار الإسلامي، كما أعتبر مؤرخا للفن الإسلامي بالجزائر، ورث فيليب عن والده ذلك الانشغال وأصبح من أبرز اللسانين الفرنسيين الذين ارتبطت مسيرتهم العلمية بمسيرة موازية في الحقل السياسي، فمارسيه درس لهجات الجنوب الجزائري، وهو أحد مؤسسي جامعة الجزائر التي عمل بها أستاذا للحضارة الأفريقية الشمالية، وذلك منذ العام 1953، وبعد استقلال الجزائر انتقل للتدريس بالجامعات الفرنسية، ثم بجامعة لياج ببلجيكا، وقد شغل بها مقعد اللغة العربية، ثم تقاعد عام 1980، وتوفي بباريس عام 1984، وفيليب مارسيه كما أنه عالم لساني مُعتبر، فهو رجل سياسة وله توجه سياسي، مناديا بدعم مشروع الجزائر الفرنسية، كما انضم إلى حزب اليمين الفرنسي الذي رشحه لرئاسته عام 1965. إلى هنا ينتهي الاقتباس بتصرف ملخص من أطروحة الباحثة ريمة لعريبي (ص 107: 108)، هذه المعلومات غابت عن والدي ورفاقه، وخاصة توجهه السياسي. وسأضيف هنا تعليقا للعالم الفرنسي الفيلسوف الشهير "بيير بورديو"عن العائلة "مارسيه" التي اضطلعت بدور سياسي وثقافي وأكاديمي تنقلهُ لنا الباحثة الجزائرية لعريبي: لقد كانت عائلة مارسيه في الجزائر مثالا عن الباحثين المعربين الذين لم يكن لهم تكوين محدد، وقد كان لهم نفوذ واسع في جامعة الجزائر، حيث كانوا يوزعون مواضيع البحوث، كما كانوا يمثلون ما يمكن أن نطلق عليه الأثنولوجيا الاستعمارية.عند الرجوع لصفحة فيليب مارسيه بالويكبيديا الفرنسية، نجد في خانة أعماله إصدارهُ لأربعة كُتب في السنوات التالية:1954 وهو ما تعلق بنصوص الجيجيل الجزائرية، 1977 صدر فيها كتابان بعنوان: نصوص مغاربية، 2001 وهي السنة التي خرج فيها كتابه عن "نصوص فزان" وباعتبار أنه توفي عام 1984، فذلك ما يعني أن مدونته الأخيرة، أصدرها آخرون، ففي دراسة المجلة الفرنسية يظهر المقال مرفقا بمُحققين للمدونة الفزانية، التي تاريخيا كانت أول ما جمعه حسب والدي ورفاقه بين منتصف وأواخر أربعينيات القرن الماضي، وفي أطروحة الجيجل ما يُقارب وصفا توثيقه لواحة براك وربما غيرها أيضا، وأقصد هنا مُعاينته لحياة الناس وأشكال التعبير في المناسبات المختلفة، فعملهُ الميداني والاندماج بالمجتمع المحلي منهج اعتمده أينما حل، وحتى وهو يتقن التحدث بلهجات المناطق التي زارها إلا أنه اعتمد شبابا من المنطقة التي يبحث فيها لجمع النصوص، وكتابتها لضمان مصداقية ومسئولية النقل، وبالتالي قام بترجمتها ترجمة أمينة، وعلينا إثبات ذلك فيما وثقه لواحات الجنوب الليبي، التي شق أول رحلته البحثية اللسانية بها رغم أنها صدرت كتابا مُحققا عقب وفاته، وفي صدور مدوناته عن الجزائر سبقا عن الجنوب الليبي ما تعليلهُ أن رؤيته للجزائر كمُستعمرة فرنسية لقرن ويزيد مع نداءاته السياسية التي تبنى فيها فرنسة الجزائر ما يُجيب عن تلك الأسبقية، الغريب أن الباحثة الجزائرية "ريمه لعريبي" أهملت الإشارة إلى كتابه الأخير 2001، الذي أسس عليه بقية أبحاثه التي بدأها في الجنوب الليبي.إن ما حصلت عليه ووصلني من روابط مرجعية تتطلب ترجمة دقيقة، كونها تمثل مخزونا وربما كشفا يجدر العناية به، وأجدني أعيد الانتباه لمؤسسة تمثل مرجعا لكل باحث " المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية " (مركز الجهاد الليبي سابقًا)، بتوسيع دائرة من يبحثون ويُستشارون بمعية باحثي التاريخ والآثار، لتشمل علم المكتبات والمعلومات، واللغات وعلم الاجتماع، كما تخصصيّ الصحافة والآداب، فهما معنيان أيضا بما يقع بحثه وترجمته، بمن عنى بجغرافيتنا الليبية رغم أغراض تلك العناية والاهتمام، إلا أنها وثائق ومراجع مهمة حين تغيبُ مراجعنا وتوثيقنا!.
مشاركة :