«رصاصة الرحمة» في وداع «خواطر» الشقيري

  • 7/16/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

النهاية التي اختارها أحمد الشقيري لبرنامجه الجماهيري "خواطر" ليست إلا رصاصة الرحمة التي تأخرت كثيراً. لم يكن يستحق "خواطر" أن يمتد أحد عشر موسماً رمضانياً ولكن حسناً فعل "بطل" البرنامج أن وضع حداً لبرنامج لفظ أنفاسه مبكراً قبل هذا العام الذي تضمن تكراراً في الشكل والمحتوى. هل التفت الشقيري الى أنه بحاجة للخروج من هذا القالب الرحلاتي على مستوى الإنتاج والماضوي على مستوى الأفكار وأن دعوة التغيير التي رفعها شعاراً لبرنامجه لا أمل أن تحقق في هذا المسار الموصد. هل فكر في دخول تجربة مغامرة برامجية أشد مصارحة مع الواقع للوصول لأسباب تعطل النهضة في البلاد العربية وهو يرى مجتمعاتها في تردٍ وانهيار عام يشهد عليه العقد الذي تم خلاله عرض البرنامج. لا شيء يفضي لهذه الاتجاه خصوصاً والشقيري ينعم اليوم بنجومية شعبية لا يمكن أن يفرط فيها عبر مواجهة متهورة مع قناعات الجمهور الكبير، فضلاً عنه أنه ومن خلال مواسم البرنامج لم يواجه أي مسألة حساسة ومصيرية تهم المسلمين اليوم كأن يسأل: لماذا يهرب الشباب اليافعون إلى التنظيمات الإرهابية؟ أليس خواطر برنامجا موجها للشباب؟ فأين الشقيري إذن من شبان مجتمعنا الذين تحولوا إلى قذائف انتحارية خدمة لهذا التنظيم الإرهابي أو ذاك تحت وهم نصرة الإسلام والمسلمين. يبدو أن حلقة الرفق بالقطط وتدوير النفايات والجماعات التطوعية أهدأ من صداع مواجهة أسئلة المصير الشائكة والمنفرة للوعي الجمعي المستقر والمرتاح. للأسف ما قدمه الشقيري ليس أكثر من تدوير أفكار تدور حول حقيقة مستقرة: "بأننا كنا أفضل الأمم ويجب أن نعود كما كنا" وذلك من خلال تحديث شكل وأسلوب عرض الأفكار، في حين أن ما نحتاجه حقاً بعد زلازل الربيع العربي التي عصفت مجتمعاتنا هو أن نقف وقفة مواجهة كبرى مع الذات والضمير ونحاكم فكرياً جميع الأسس والمنطلقات التي أوصلت العالم العربي إلى هذا التخلف. ولكي لا نحمل الشقيري أكبر من طاقته، لا بد أن نذكر بأن ادعاء صاحب البرنامج بأن خواطر مشروع للتغير وليس ثرثرة.. بأن هذا محض وهم حتى لو استعرض لنا تجارب ناجحة قليلة هنا أو هناك. التغيير الحقيقي لن يأتي عبر شحنات النصائح المتواصلة التي يلقيها على مسامعنا الشقيري منذ 11 عاماً وهي بالمناسبة دأبُ مجتمعاتنا الشفهية التي لا تقرأ في الأغلب وإذا قرأت فهي تقرأ كل ما يشعرها بالطمأنينة وبأنها هي الصحيحة والآخرون على خطأ! مجتمعات تتلذذ إدمان النصائح وتلقي المعلومة الجاهزة والمغلفة؛ مجتمعات صاغ وعيها التعليم التلقيني والثقافة التقليدية السائدة على تسليم العقل لشخص ما ليفكر عوضاً عنها ويستنتج ويقدم في نهاية المطاف النصح بكل الوسائل الاستهلاكية ومنها ال"SMS! قبل عامين وتحديداً حتى خواطر "9"، العام الذي علقنا عليه بمقال حول البرنامج، كانت فكرة الشقيري هي المقارنة بين حال العرب والمجتمعات الحديثة، كان البرنامج يظن أن أفضل الحلول هي بأن نقلد الآخرين، فهم إذا وقفوا في طوابير منظمة - كما يفعل أطفال اليابان - فليس علينا سوى أن "نسوي زيهم" على حد تعبير الشقيري. هكذا كانت رؤية الشقيري التبسيطية! كان ذلك الجزء منبهراً جداً بتجربة الغرب على مستوى الشكل "طبعاً" في المقابل، كان لا بد من تمسيخ صورة العرب وتصويرها على شكل متخلف وكأن المقارنة ستفضي لشيء جديد غير تعميق الشعور بالدونية تجاه الآخر وديمومة الدوران حول الذات دون التطرق لطرق الأسئلة العميقة حول المعطلات والمعرقلات الأساسية في تعطل نهوض العرب، بل وتحميل الفرد والمجتمع وزراً لا يتحمله بالتأكيد. حريٌ بالشقيري وهو في نقاهة التقاعد من خواطر أن يسأل نفسه: "هل تحديث شكل الخطاب سيغير المضمون؟ وهل استبدال زي الواعظ التقليدي بزي شبابي ولغة عصرية سيجدي نفعاً أم هي مجرد حيلة للوصول للشباب وبلغتهم كما فعل جيل الدعاة الجدد. ومن ثم سرعان ما ستنكشف أن الشكل لا يمكن أن يخفي هزالة وبؤس وتكرارية المحتوى "النيو/دعوي"! وكما رأينا في فيلم مقدمة خواطر "10"، فبدل أن يخيفنا الشقيري من القبر بالأسلوب التقليدي عبر الصور والصراخ والتهديد والوعيد، أنتج خواطر فيلماً يبدأ المشهد فيه برجل يحفر قبراً وينتهي بدفن الرجل السيىء في القبر!إذن هي ذاتها الذهنية الترهيبية وإن تم تلطيفها بعض الشيء عوض الصراخ والعويل الهستيري الذي يتبع عادة في هذه المواضع. إن ما يحتاجه الشقيري في مشروعاته القادمة أن يصارح نفسه، فالجهد الذي قام به ليس بقليل أبداً ومع ذلك الوضع الإسلامي العام في تدهور والمصارحة ليست له وحده بل لنا جميعاً. لماذا دخلت مجتمعاتنا العربية النفق المعتم والمسدود ولم تعرف الخروج؟هذا هو السؤال الذي لم يجب عليه خواطر ويكفي أن يتوقف لذلك!

مشاركة :