"علامة قف" رسالة الكاظمي إلى خامنئي لإعادة هيبة العراق | | صحيفة العرب

  • 7/28/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أربعة أشهر بعد تقلده منصب رئيس للوزراء في العراق، كانت كافية ليثبت مصطفى الكاظمي الذي منح ثقة البرلمان العراقي في شهر أبريل 2020، قدرته على أن يكون حاكما وطنيا، يدفع لأن تكون سيادة العراق فوق كل اعتبار وبعيدة عن كل تحالفات أدخلت البلد في أزمات متعددة الأبعاد منذ عام 2003 تاريخ سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين. شخصية جديدة بدأت ترسم خطا سياسيا واضحا يخرج بالعراق من دوائر الولاء لإيران وقد ترجم كل ذلك مؤخرا خلال زيارة الكاظمي لطهران وما رافقها من خطوط حمر وضعها الرجل بصفة صريحة ومباشرة أمام المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي. بغداد- أثبت رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بعد مضي أربعة أشهر على ترؤسه حكومة بغداد، أنه يسير في خط سياسي مغاير، لكل ما عرفه العراق منذ عام 2003 وذلك عبر دفعه إلى جعل القرار السياسي في البلد عراقيا خالصا لا مرتهنا لرغبة أو إملاءات قادة طهران. دخل الكاظمي في قلب المعارك السياسية بالعراق، بعد فراغ خمسة أشهر كاملة عاش فيها البلد بلا حكومة، كانت له مواقف واضحة في الكثير من المرات لأنشطة الميليشيات المدعومة من إيران وثبت ذلك خاصة عندما اندلعت احتجاجات متفرقة اتهمت فيها ميليشيات الحشد الشعبي بقتل واعتقال متظاهرين ضد نظام طائفي مرتهن لقرارات طهران. تحوّل جذري رسم الكاظمي هذا الخط بصفة واضحة خلال زيارته لطهران، بعدما أكدت كل حيثيات جولته، رفضه علنا لمطالب محورية كان يراهن عليها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي بهدف التنفيس على إيران التي باتت محاصرة أكثر من أي وقت، أولا بعقوبات واشنطن وثانيا بضغط التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لردع أنشطتها المزعزعة لأمن المنطقة. وتقول الكثير من المصادر السياسية إن الكاظمي، نجح في إشهار علامة “قف” أمام خامنئي حين رفض مطلبين، تعلق الأول بتسديد مستحقات شراء العراق للكهرباء والغاز من إيران بالدولار الأميركي الذي تحتاج إليه طهران بشدة من خلال بنوك صينية، إذ أصر الكاظمي على الدفع بالعملتين العراقية أو الإيرانية، لتجنب الصدام مع العقوبات الأميركية. أما الطلب الثاني، فتمثل في رفض رئيس الوزراء العراقي بشكل صريح وقطعي لقاء الجنرال إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. وكُلِّف الكاظمي بتشكيل حكومة بغداد في أبريل الماضي، وكان يتولى رئاسة المخابرات وحل في مكان عدنان الزرفي الذي اعتذر عن التكليف، ومن قبله أيضا محمد توفيق علاوي أيضا، إثر فشلهما في الحصول على تأييد الكتل الأساسية في البرلمان وفي خضم أشهر من الاحتجاجات. وعلى عكس ما يعتقد الكثير من المحللين في العراق، فإن وضع الكاظمي من الناحية السياسية بات مريحا جدا، حيث تشير كل تحركاته إلى أنه كلما زاد في النطق بلغة عداء أو رفض إيران وميليشياتها، كلما حقق نجاحا جديدا ونسبا هامة من الرضا الشعبي تجعله يحتمي بإرادة الشعب العراقي الدافعة للخروج من عباءة حكم المرشد الإيراني. وتقول مصادر سياسية كثيرة في العراق، إن الكاظمي عدل بوصلته السياسية على ما يريده العراقيون الذين عبروا في أكثر من احتجاج عن أن مشكلة بلدهم الغارق في أزمات اقتصادية وسياسية، تكمن أساسا في إيران وفي أن كل رؤساء الحكومات السابقين كانوا يقدمون فروض الولاء والطاعة إلى إيران، لذلك الآن يجد الكاظمي دعما شعبيا بمجرد أن يقف بوجه التدخل الإيراني. ويشير المراقبون إلى أن الكاظمي اختار المواجهة المكشوفة مع إيران، بعدما فضل في آخر اللحظات زيارة طهران قبل الرياض، بهدف إصدار موقف واضح مما كان يعلم أنه سيطلب منه من قبل خامنئي خاصة في علاقة بميليشيا الحشد الشعبي أو مستقبل التواجد الإيراني الذي تلقى في مطلع العام الجاري ضربة قوية تمثلت في فقدانه الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذي كان يمسك بكافة تفاصيل أنشطة إيران في المنطقة، في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن. ووضعت زيارة الكاظمي إلى طهران، خطا فاصلا في علاقة العراق بإيران. وتطرقت كبرى الصحف والمواقع الدولية إلى ما حققه من تحول نوعي في علاقة بنظام خامنئي، حيث ذكر تقرير صادر عن “ميدل إيست آي” البرطاني أن الكاظمي تمكن في أول زيارة خارجية له من إبراق رسائل سياسية هامة تفيد بأن الوقت قد حان لطهران لمعاملة العراق كدولة، وليس تابعا لإيران. وأكد الموقع البريطاني أن الانطباع الأوليّ من لقاء الكاظمي بالرئيس الإيراني حسن روحاني، أثبت في البداية إقراره بدور إيران في مساعدة بلاده على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، لكنه قال أيضا إن العراق وقف مع إيران للتغلب على أزمتها الاقتصادية وتحول إلى سوق للمنتجات الإيرانية، ودعا إلى تعاون شامل بين البلدين لضمان استمرار تبادل الخدمات. اعتبر بعض المراقبين أن القضايا التي أثارها خامنئي في اجتماعه مع الكاظمي بمثابة تدخل في الشؤون الداخلية للعراق أو تجاهل للمرحلة الجديدة في إدارة بغداد وقالت الكاتبة الصحافية سعاد الصالحي في المقال المذكور إن الربط بين المساعدة الاقتصادية العراقية لإيران بمساعدة إيران في محاربة تنظيم الدولة، ورسم الخطوط بين بغداد وطهران، يشير إلى تحول جذري في الخطاب العراقي الرسمي تجاه إيران بشكل خاص والسياسة الخارجية العراقية بشكل عام. في المقابل، يعتبر الكاتب الصحافي فارق يوسف، أن ما يمكن أن يحصل عليه العراق ممثلا بحكومة الكاظمي من وعود أميركية يمكن أن يحبطه مجلس النواب الذي تسيطر عليه التنظيمات والميليشيات المسلحة التابعة لإيران. فهل ستكون العودة إلى النظام الإيراني ضرورية من أجل أن تأخذ مخرجات الحوار طريقها إلى الواقع؟ وتساءل فاروق يوسف، “هل ستتمكن إيران فعلا من إبطال القدرة على التعاون بين العراق والولايات المتحدة في ظل وضعها الاقتصادي المتردي؟ ثم إن ميليشياتها في العراق هي في حاجة إلى مَن يمولها بعد انخفاض سعر النفط الذي أدى إلى إفلاس الخزينة العراقية. ستتردد تلك الميليشيات كثيرا قبل أن تعود إلى لغتها القديمة. لن يؤثر في ذلك بقاء ميليشيا واحدة على إخلاصها لخط الإمام”. ولم تكن قضايا دعم الحشد الشعبي وإخراج القوات الأميركية من قبيل الصدفة أن يطرحها ويشدد عليها الزعيم الإيراني علي خامنئي، خلال لقائه في طهران قبل أيام الكاظمي. وكان هذا الطرح، وفق الكثير من المراقبين، انعكاسا للانطباع الإيراني عن الكاظمي، وخشية طهران من أن يكون الرجل “حجر عثرة” أمام سياساتها التي رسختها في العراق على مدار ما يقرب من عقدين، منذ الإطاحة بحزب البعث وزعيمه صدام حسين عام 2003. هذا الانطباع، استشفه المراقبون من الانتقادات التي لم تنقطع لسياسة الكاظمي خلال الأسابيع الأخيرة، وهي انتقادات لم تأت رسميا من القيادة الإيرانية، لكن من قبل خبراء ودبلوماسيين سابقين وسياسيين مقربين منها، وذلك رغم أن صعود الرجل لرأس الحكومة قبل أشهر، كان بموافقة ضمنية إيرانية.وكانت بعض تصريحات الكاظمي، سببا في هذه الانتقادات، وهو لم يكف عن الحديث عن تحييد العراق وعدم السماح بالتدخل في شؤونه، وهو أيضا الذي اتخذ قرارا بتوقيف عناصر من حزب الله العراقي التابع للحشد الشعبي، في سابقة من نوعها، أغضبت طهران كثيرا. ولم يشفع للكاظمي اختياره إيران، لتكون وجهته في أول زيارة خارجية له الأربعاء الماضي، والتقى خلالها خامنئي والرئيس حسن روحاني والنائب الأول للرئيس إسحاق جيهانغيري. وخلال لقائه مع الكاظمي طلب روحاني زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 20 مليار دولار سنويا. لكن مطالب خامنئي السياسية والمتعلقة بـ”الحشد” و”القوات الأميركية”، كانت هي المتصدرة لجدول أعمال الزيارة الرسمية أكثر من المطالب الاقتصادية للرئيس روحاني. وجه بعض خبراء العلاقات الدولية في إيران خلال الأسابيع الأخيرة انتقادات شديدة للكاظمي الذي اتهموه بقربه من الولايات المتحدة وقد استدعت هذه الانتقادات طرح سؤال، هل طموحات الزعيم الإيراني من العراق واقعية؟ وعلاوة على ذلك نشر أمير موسوي، مدير المركز الإيراني للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، في الأول من يوليو الجاري، مقالا على موقع rahbordemoaser الإخباري بعنوان “البيدق الأميركي في العراق: مصطفى الكاظمي” . وفي مقاله ذكر موسوي عبارات من قبيل “يمكن تلخيص التطورات الأخيرة في العراق بأن الكاظمي يتصرف في العراق بما يتماشى مع أهداف الولايات المتحدة، بدءا من اعتقال أعضاء الحشد الشعبي ومرورا بمحادثات الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، ووصولا إلى الأشخاص المعينين في المراكز الحساسة بالعراق”. ومضى موسوي إلى أكثر من ذلك بالقول “كان الكاظمي شخصا في قوات البعث، له علاقات مع الولايات المتحدة وهو أحد المشتبه بهم في الهجوم الإرهابي على قاسم سليماني”. وفي يناير 2020، اغتالت الولايات المتحدة عبر ضربة جوية في العراق، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، بالإضافة إلى نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس. وتحدث حسن لاسجيردي، الخبير الإقليمي وعضو هيئة تحرير موقع خبر أونلاين، مع صحيفة “الشرق” المعروفة بقربها من الإصلاحيين، في قضية اعتقال أعضاء بمنظمة “كتائب حزب الله” التي تعتبر إحدى أذرع الحشد الشعبي. وقال لاسجيردي “لقد كانت النقطة المهمة في هذا الحادث هي تعاون القوات الخاصة العراقية مع الولايات المتحدة”. وكانت قوات خاصة عراقية قد قامت بعملية أمنية جنوبي مدينة بغداد الشهر الماضي، اعتقلت خلالها نحو 50 من عناصر حزب الله العراقي، واستولت على منصة صواريخ كاتيوشا قالت السلطات إنه تم استخدامها لقصف مطار بغداد الدولي ومبان ومواقع حكومية. في حديثه لوكالة أنباء العمال الإيرانية بشأن الحشد الشعبي والوضع الأميركي في العراق، كان لقاسم موحيبالي المدير العام السابق لقسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإيرانية رأي مختلف، حيث قال “في فترة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبدالمهدي، تمت الموافقة على مسودة الانسحاب الأميركي من البلاد بعد مقتل قاسم سليماني وأبومهدي المهندس، لكن عبدالمهدي لم يستطع تنفيذها بوضوح”. وأضاف “كان من الضروري أن يكون رئيس الوزراء الجديد شخصية يتم التوافق عليها من قبل بغداد والقوى الأجنبية الفاعلة في العراق وفي النهاية أصبح هذا الشخص هو الكاظمي، وقد كان من الواجب عليه أن يرضي إيران والولايات المتحدة الأميركية بالإضافة إلى السعودية وحتى الأكراد والسنة وذلك حتى لا تسقط حكومته الجديدة”. ورأى أن “احتمال تطبيق القرار الخاص بإخراج الأميركان من العراق بعيد إلى حدّ كبير”. وفي مقابل الآراء السابقة، اعتبر بعض المراقبين أن القضايا التي أثارها خامنئي في اجتماعه مع الكاظمي بمثابة تدخل في الشؤون الداخلية للعراق أو تجاهل للمرحلة الجديدة في إدارة بغداد. وفي التدوينة التي نشرها علي أفشاري عضو حركة اتحاد الجمهوريين الإيرانيين على حسابه في تويتر قال “خامنئي يقول لرئيس الوزراء العراقي إيران لا تستهدف التدخل في الشؤون العراقية الداخلية وبعدها يقول لا بد من حماية الحشد الشعبي”. وفي تصريحات أدلى بها مراد ويسي الكاتب والمحلل العسكري عبر حساباته على مواقع التواصل، قال “يتحدث خامنئي عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق في الجملة الأولى، وفي الجملة الأخرى يتدخل في شؤون العراق”. وتابع “إن اختراق العراق مهم للغاية للحرس الثوري الإيراني ولخامنئي الذي يلعب دورا فعالا في منطقة الشرق الأوسط. والعراق هو مركز نفوذ إيران والحشد الشعبي في المنطقة”. سيادة العراق أكد بعض الخبراء في إيران أن إدارة طهران يجب أن تخفض مستوى التوقعات من بغداد، وأن تقلل من تدخلها العسكري، وأن يكون الطرفان راضيين عن العلاقات الاقتصادية. وفي سياق متصل نشرت صحيفة Ferihtegan الإيرانية في 20 يونيو الماضي، آراء سفير إيران السابق في عمان، نصرة الله طاجيق، في ما يتعلق بهذا الموضوع. وقال طاجيق “يجب أن نتبع نهجا مغايرا أو صيغة مختلفة بخصوص العراق، يجب أن نتعاون اقتصاديا مع الكاظمي بدلا من الوتيرة العسكرية وخاصة في ما بعد فترة داعش كما ينبغي علينا أن نوقع مشاريع كبيرة بشراكات استراتيجية ضخمة”. وفي الوقت ذاته قال كمال حرازي رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية، على حسابه بتويتر “إن توقع غالبيتنا من عملية التقارب الإقليمي في المستقبل؛ هو التقارب بين الحكومات في أقل مستوى ممكن، وفي هذه الحالة يشكل التعاون الاقتصادي المحدود أساس الاستقرار”. وأضاف “تعمل كل حكومة إقليمية وفقا لمصالحها الوطنية، وإذا ما تمكن الكاظمي من خلق نوع من التعاون المحدود في هذا المستوى وتحقيق شيء من الفائدة، فيجب الاستمرار في دعم دوره”.

مشاركة :