احتلت الدراما التلفزيونية الصدارة كوسيلة ترفيه أولى لدى الجمهور العربي، وبات التنافس فيها على قدم وساق لكسب الجمهور، عمرو الدالي واحد من الكتاب المصريين الذين قدموا بعضا من الأعمال الناجحة، بدءا من مسلسل “دوران شبرا” مرورا بفرح ليلى والرحلة وغيرها، وصولا إلى مسلسله الأخير “100 وش”. “العرب” التقته للحديث عن تجربته ككاتب سيناريو وعن عمله الأخير. يعتبر عمرو الدالي واحدا من كتّاب السيناريو الذين أثبتوا أنه ليس على كاتب السيناريو أن يكون أكاديميا ليكون ناجحا، فخريج الحقوق الذي لم يتجاوز 24 عاما كتب بشكل منفرد أولى أعماله التلفزيونية “دوران شبرا”، ما جعلنا نسأله كيف ومتى اكتسب مهارته ككاتب؟ عن ذلك يقول “اكتشفت موضوع الكتابة مبكرا تقريبا بعمر 14، والسبب في ذلك يعود إلى جدتي والدة أمي التي كنت مرتبطا بها، وكانت تحب متابعة الراديو والتلفزيون، تصحو منذ صلاة الفجر لتستمع للبرامج والمسلسلات الإذاعية، بينما في المساء تتابع التمثيليات التلفزيونية والأفلام، الأمر الذي جعلني طفلا مشدودا لذلك العالم، في تلك المرحلة بدأت بكتابة بعض القصص القصيرة لكنني لم أعرضها على أحد واحتفظت بها لنفسي، وكان يراودني سؤال دائم حول كيفية كتابة الأعمال التلفزيونية و السينمائية”. الكتابة الدرامية يقول الدالي “اكتشفت لاحقا وجود معهد للسينما، لكن الحظ لم يحالفني بدخوله بعد أن أنهيت الثانوية العامة، لأنني وكشاب في مجتمع شرقي، عليه أن يدخل كلية أخرى وينجح بها وبعد ذلك ممكن أن يتجه لدراسة السينما، فدخلت كلية الحقوق وبعد أن تخرجت منها تقدمت للدراسة بمعهد السينما، ولكن للأسف وبعد أن اجتزت امتحانين لم أنجح في امتحان الهيئة (المقابلة النهائية)، فقررت حينها أن أتعلم بنفسي، وبدأت أقرأ حول السيناريو وأتعرف على خبايا تلك المهنة، وتيقنت أنه ليس بالضرورة أن أكون خريجا لمعهد أو كلية لأصبح مؤلفا أو كاتب سيناريو”. ويتابع “لاحقا قررت أن أصبح صعلوكا من صعاليك وسط البلد، فصادقت أعضاء من فرق مسرحية وعملت معهم أفلاما قصيرة بميزانيات صغيرة جدا، ثم التحقت بورش للكتابة وتركتها، إلى أن أتتني فرصة الالتحاق بورشة للكتابة ضمن برنامج عالم سمسم، التي كانت تضم حوالي عشرين كاتبا كنت أنا أصغرهم، وكتبت تقريبا حلقة أو حلقتين لكن العمل كان صعبا ومجهدا فغادرته”. في السينما هناك حرية للكاتب في اختيار قصة تشغله ويريد الخوض فيها والكتابة عنها على عكس التلفزيون ويقر عمرو الدالي أن الفرصة الذهبية التي حصل عليها لاحقا كانت مع الكاتب تامر حبيب في العام 2006، حين آمن بموهبته ودعاه للكتابة ضمن ورشة مسلسل “خاص جدا” الذي عرض في العام 2008 وكان من بطولة يسرا، ويلفت إلى أن تامر حبيب كان قد وضع الخطوط الدرامية العريضة للعمل، وكان علينا في الورشة أن نكتب الشخصيات المريضة نفسيا التي تذهب للمعالجة عند يسرا في العيادة. حقق عمله الأول “دوران شبرا” نجاحا كبيرا، فهل كان حي شبرا الذي تربى فيه سببا في نجاحه، وهل تأثر بشخصيات واقعية عاصرها هناك. عن ذلك يقول الدالي “أحب هذا العمل جدا لأنه قدمني ككاتب درامي بشكل منفرد بعد سنوات من التعب، وكان من إنتاج شركة أفلام مصرية العالمية أفلام يوسف شاهين، التي طرحت عليها فكرتي ووافقت عليها، تحدثت في العمل عن المكان الذي تربيت وكبرت فيه وكان صاحب الفضل الكبير والمؤثر في شخصيتي، في شبرا زخم درامي وتعايش ما بين المسلمين والمسحيين بشكل كبير وواضح، ولم نسمع يوما عن فتنة طائفية قامت فيها، وطبعا ككاتب لديه من العمر فقط 24 عاما، ويُقدم على كتابة مشروع كهذا، جعلني أبذل كل جهدي لأصل إلى عمل درامي إلى حد ما يكون مقبولا وتحبه الناس”. مشيرا إلى أنه تأثر بشخصيات كثيرة كان يراها درامية، كشخصية (أم سامي) التي لعبتها الفنانة عفاف شعيب التي كانت أقرب لجدته رحمها الله، ولكن معظم شخصيات العمل لم تكن حقيقية وإنما كانت من نتاج بنات افكاره. رغم النجاح الذي حققه الدالي في السنوات الأخيرة إلا أنه لم يحقق حلمه في تحويل رواية بهاء طاهر “نقطة النور” سواء لعمل تلفزيوني أو سينمائي، وبقي كاتبا تحت الطلب عن ذلك يقول “بنظري كاتب السيناريو المحترف هو كاتب تحت الطلب، وعملية الكتابة بحد ذاتها لا يمكن أن تكون مكتملة إلا لو وجد من يتبناها، وبالنسبة إلى رواية بهاء طاهر ليست لدي الإمكانية لشراء حقوقها وتحويلها لعمل درامي والانتظار حتى أجد منتجا متحمسا لها”. ويؤكد على أن كاتب السيناريو لا يمكنه أن يكتب عملا ويركنه إلى أن يأتي نصيبه في التنفيذ من قبل منتج متحمّس أو مخرج لديه الرغبة في تقديمه، “فهذا واقع بات مفروضا علينا في التلفزيون ولكن في السينما بدرجة أقل، فعلى سبيل المثال كنت قد كتبت سيناريو لفيلم ‘دماغ شيطان‘ منذ أربع سنوات، لكنني في ذلك الوقت كنت مهموما بأمور أخرى لذلك أهملته، ولكن حين طلب مني سيناريو لفيلم سينمائي قدمته ولاقى قبولا وتم تنفيذه وعرضه بالفعل في يناير 2020”. مضيفا “في السينما هناك حرية للكاتب في اختيار قصة تشغله ويريد الخوض فيها والكتابة عنها وانتظار الوقت أو البطل المناسب لها، لكن في التلفزيون الأمر مختلف تماما، فليست لديه رفاهية كالتي حصلت مع الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة حين كتب ليالي الحلمية وعرضه على المخرج إسماعيل عبدالحافظ، فتحمس له قطاع الإنتاج، لما يتمتع به الكاتب من سمعة طيبة وموهبة تضمن جذب الجمهور وبالتالي نجاح العمل”. الكتابة المشتركة رغم نجاحه ككاتب سيناريو بشكل منفرد، إلا أنه لم يتوان عن خوض تجربة الكتابة بالشراكة في عملين ناجحين “الرحلة” و”100 وش”، نسأله كيف حصلت تلك الشراكة وما هو سبب نجاحها، فيجيبنا “مسلسل الرحلة كان مكتوبا كفكرة من قبل الكاتبة السورية نور شيشكلي، ولضيق الوقت كان هناك احتياج لكاتبين أو أكثر لكتابة العمل ليتمكن المخرج من تصويره ليكون جاهزا مع موسم رمضان، ورشحت أنا وأحمد لكتابته، وكان قد سبق لنا تجربة الكتابة في عمل لم يكتمل بسبب الظروف، ومسلسل الرحلة، كان خاصا جدا واحتاج منا لمراجعة من قبل أطباء نفسيين للتعرف على بعض الحالات المرضية، أما بالنسبة لمسلسل ‘100 وش’، فلقد كلفنا بكتابته المخرج أحمد مدحت منذ العام 2019”. ويستطرد “أما عن طريقة عملنا، فنحن نكتب سويا، بداية من المعالجات وتتابع الحلقات، ونضع تصوراتنا الخاصة حول الشخصيات والبعد النفسي والبناء الدرامي العام والخطوط العريضة والحبكة والذروة وكل الأشياء الاعتيادية المتعلقة بالكتابة، ثم نوزع الحلقات في ما بيننا ونراجعها سويا، ونسلمها بعد أن نكون قد وضعنا عليها كل خبراتنا ووافقنا عليها”. نجح مؤخرا مسلسل “100 وش” وحقق جماهيرية عربية عالية، على اعتباره عملا اجتماعيا بغلاف كوميدي، وكان لوجود المخرجة كاملة أبوزكري الأثر الكبير في نجاحه، عن تلك التجربة يقول عمرو “كنا قد كتبنا العمل أنا وأحمد وائل منذ العام 2019، بصيغة بوليسية تشويقية وكان من إخراج أحمد مدحت، ولكنه توقف لأسباب إنتاجية، وحين انتقل للمخرجة كاملة أبوزكري وبعد أن قرأت الحلقات الـ15 التي كنا قد كتبناها، أعجبت بالموضوع، لكنها طلبت وقتا إضافيا لإعادة التفكير والبحث في الشخصيات وطريقة بنائها”. ويضيف “كما أعطتنا الحرية لتقديمه بوجهة نظر مختلفة وأن نحرره من البوليسية ونجعله أقرب إلى أرض الواقع، فأعدنا الكتابة ليأخذ المشروع المنحى الجديد الذي فكرنا به نحن الثلاثة، مضيفا طبعا نجاح العمل لا يتوقف على كاتب السيناريو الذي تبدأ الفكرة والمعالجة منه، بل أيضا من تكامل العملية الفنية برمتها (ممثلين وديكور وموسيقى ومخرج مهم)، والمخرجة كاملة أبوزكري أضافت للمشروع بشكل كبير عبر تقديم وجهة نظرها الخاصة ليس فقط من خلال تحرير الشخصيات وجعلها أكثر واقعية، وإنما أيضا أثناء التصوير وخاصة في المشاهد الجماعية لتجمع العصابة فرغم أنها كانت مكتوبة في السيناريو إلا أنها نفذتها بحرفية شديدة”.
مشاركة :