“شارع شيكاغو” هو شارع عريق في قلب مدينة دمشق، عاش مرحلة حاسمة من تاريخ العاصمة السورية، وشهد فصولا من التغيرات السياسية والاجتماعية الهامة في البلد. حمل اسما غريبا، وشهد أحداثا أكثر غرابة. عن الشارع وأجوائه بادر المخرج السوري محمد عبدالعزيز بإنجاز مسلسل ضخم حمل الاسم ذاته. دمشق- تبدو فكرة إنجاز مسلسل باسم “شارع شيكاغو” متفرّدة وغنية بالأحداث والتفاصيل السياسية والاجتماعية كما في مكان الحدث أساسا. وهو الشارع الذي يقع في قلب مدينة دمشق بالقرب من ساحة المرجة وسط المدينة التي شهدت أحداثا جساما. عن هذا الشارع أنجزت شركة “قبنض” بالتشارك مع منصة “وياك” مسلسلا تلفزيونيا طويلا بالعنوان ذاته من إخراج محمد عبدالعزيز وبمشاركة نخبة من نجوم سوريا. انطلقت قناة “أو.أس.أن. يا هلا” الإماراتية المشفرة، الأحد، في عرضه. وشارع شيكاغو هو اسم شعبي لشارع لا يتجاوز طوله الكيلومتر الواحد، سمي أولا باسم الملك فؤاد الأول ملك مصر، لأنه ساعد السوريين في مصر أيام الاحتلال الفرنسي، ثم كانت أحداث حرب العام 1956 مشجعة لكي يسمى الشارع باسم مدينة بورسعيد المصرية، وهو ثاني اسم مصري يحمله الشارع، وكان يملك معظم محلاته لبنانيان هما رينيه وربيرت صباغ. شارع المغامرات في الشارع عاشت دمشق أجواء خاصة لم تكن موجودة في غيره، إذ كان غريبا عن محيطه المحافظ، حيث تكثر فيه الملاهي الليلية وأجواء الموسيقى والرقص وقصص الحب العاصفة التي تكون بين زوّاره. وكان يحدث يوميا أن يتخاصم عاشقان على محبوبة أو أن يقوم شخص بإطلاق النار على آخر نتيجة ثورة غضب. هو مكان بعيد إلى حد ما عن سيطرة المجتمع وحتى الدولة التي كانت تسمح بالقليل من الخصوصية لرواده لأسباب تعنيها. ومع بداية ثمانينات القرن العشرين بدأت حال الشارع بالتغيّر بعد أن تم بيع العديد من المحال وحلت بدل محلات الرقص والملاهي مكاتب الطيران أو التصوير الفوتوغرافي. فغابت خصوصية الشارع الذي أطلقت عليه التسمية بسبب تشابه أحداثه اليومية مع أجواء مدينة شيكاغو وما يحدث فيها من جرائم وعنف. في بادرة مميزة، أراد المخرج السينمائي والتلفزيوني السوري محمد عبدالعزيز، وهو أيضا أحد المساهمين في كتابة العمل، أن يقدّم أجواء هذا الشارع مجددا من خلال مسلسل تلفزيوني ضخم، كان استثنائيا في فكرته وكذلك في حضور عدد من نجوم الفن السوري فيه، وما تبع ذلك سواء في مرحلة التنفيذ وصولا إلى العرض. نص المسلسل تم إعداده من خلال ورشة عمل جماعية بإشراف المخرج محمد عبدالعزيز وبمشاركة يزن الداهوك، علي ياغي ورزان السيد. وهو يتحدّث بصيغته الأساسية عن فتاة دمشقية اسمها ميرامار التي جسّدت دورها الفنانة سلاف فواخرجي، تعيش قصة حب جارفة وسط مصاعب وتحديات اجتماعية. لكنها تقرّر مواجهتها فتهرب مع الشاب الذي أحبته بعيدا عن سطوة المجتمع وتعمل في تياترو في هذا الشارع، لتبدأ رحى الأحداث بطحنها بعنف. وعلى التوازي تدور أحداث أشد قسوة فتقع جريمة قتل في نهايات عام 1961، وهو يوم انتهاء الوحدة بين سوريا ومصر، لكن أحدا لا يعبأ بهذا الحدث الصغير أمام حدث سياسي أهم، إلى أن يأتي شخص بعد ما يقارب الستين عاما ليكشف الجريمة، وتبدأ الأحداث البوليسية بالتكشّف شيئا فشيئا ليرصد العمل من خلال تكوينات درامية متوازية ومتقاطعة العديد من الأحداث الاجتماعية الهامة وتداعياتها على حياة الناس. كان لافتا إصرار المخرج محمد عبدالعزيز على مشاركة فنانين مخضرمين في العمل، إذ ظهر الفنان دريد لحام بدور حاسم فيه، وبوجوده شكّل ثقلا فنيا لصالح المسلسل ككل. كذلك كان من المفروض أن تقوم بأحد الأدوار الهامة في العمل النجمة السينمائية الشهيرة إغراء، التي اشتهرت سابقا بمشاركاتها السينمائية العديدة، وهي الغائبة عن الأجواء الدرامية والسينمائية منذ ما يزيد عن العشرين عاما، واستطاع محمد عبدالعزيز أن يقنعها بالعمل مجددا، لكن خلافها مع الجهة الإنتاجية في بعض التفاصيل منع وجودها فيه. ويتقاسم بطولة العمل عدد من نجوم الفن السوري على غرار عباس النوري وأمل عرفة وسلاف فواخرجي ومهيار خضور ونظلي الرواس وشكران مرتجى وآخرون. ومن خلال هذه الشخصيات، تعود بنا كاميرا محمد عبدالعزيز إلى حقبة الرومانسية السينمائية في تمازج فريد مع الزمن الحالي، وفق تقاطعات درامية تستعرض كلا المرحلتين في انسجام وتناسق دون إسقاطات اعتباطية. لم تكن مسيرة تنفيذ المسلسل سهلة، فبعد العقبات الإنتاجية التي رافقت إقلاع العمل جاء تفشي وباء كورونا الذي عطل متابعة التصوير فيه، وأخرجه من السياق الرمضاني. ولكنه عاد إلى العمل مجددا وأنهت الشركة المنتجة تصويره بالكامل لتتولى قناة “أو.أس.أن. يا هلا” المشفرة عرضه أخيرا. وخلال مرحلة الترويج الإعلامي له، ثارت عاصفة كبرى على ملصق المسلسل الذي يصوّر كل من البطلين سلاف فواخرجي ومهيار خضور وهما يتبادلان قبلة، الأمر الذي أثار موجة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض. وطرحت الصفحة الرسمية للعمل أول المقاطع الترويجية للمسلسل في 12 يوليو الجاري. المسلسل السوري تدور أحداثه بين حقبتين زمنيتين مختلفتين، مستعرضا قصة بوليسية مشوقة لا تخلو من رومانسية وهاجمت الممثلة سلاف فواخرجي، بطلة العمل عبر إنستغرام التعليقات التي هاجمت الصورة ووصفتها بـ”المسيئة والوقحة”، عبر إعادة منشور للكاتب علي وجيه، الذي اعتبر أن الصورة من زمن الستينات الرومانسي. وعادت الممثلة لنشر صورة أخرى للملصق الإعلاني الخاص بفيلم “أبي فوق الشجرة” للمطرب الراحل عبدالحليم حافظ، والذي يحمل صورة مشابهة. وبدوره دافع الممثل السوري عباس النوري عن ملصق المسلسل، والذي يشارك فيه بدور شخصية “مراد عكاش”. وقال النوري إنه “يجب ألاّ نساهم في تعميق وحضور التابوهات والممنوعات في المجتمع، لدرجة انعدام التفكير والإبداع”. ورأى الممثل السوري أن العمل الجديد سيحظى بالنجاح وذلك “لأنه يحمل مشروعا مختلفا على مستوى الحكاية والصورة، بعيدا عن طريق الدراما السورية المبهم”. ولم يقتصر دفاع الفنانين عن الملصق الدعائي على أبطال العمل أنفسهم، وقال كاتب السيناريو رامي كوسا عبر صفحته في فيسبوك، إن من يهاجم الصورة والقبلة في المشهد عليه أن يعي أن المجتمع ليس مكوّنا منهم فقط. وأضاف كوسا “على هؤلاء أن يتقبلوا الجميع كما يقبلهم الآخرون”. ويعد المسلسل بأحداث مشوّقة وسط أجواء بوليسية تتقاطع فيها الأزمنة بين الماضي والحاضر، لتتكشّف خيوط الجريمة الغامضة في الزمن الراهن على يد محقّق يعثر بالمصادفة على ملف القضية.
مشاركة :