سرعت الأزمة الصحية في تحويل العمل عن بعد من بديل ظرفي إلى إجراء قار بعد أن أظهرت دراسات أن نسبة كبيرة من الشركات ستبقي على عمل موظفيها داخل منازلها بعد طي صفحة الوباء وهو ما يرجح كفة تحول رقمي كبير ستشهده الإنسانية قوامه التكنولوجيا الحديثة كركيزة أساسية تشكل مستقبل العمل والاقتصاد. واشنطن - كشفت جائحة كورونا أبعادا جديدة عن العمل المنزلي في الولايات المتحدة في خضم نسق تطوره المتسارع ما أفضى إلى إقرار عديد الشركات المحافظة على العمل عن بعد ما من شأنه تقليل الإنفاق وتحسين مردودية الوظائف وفق مهارات تكنولوجية جديدة. وفي هذا السياق أظهرت دراسة أجرتها منظمة اقتصادية نشرت الاثنين أن غالبية كبرى من الشركات في الولايات المتحدة تعتزم الإبقاء على نظام العمل عن بعد عند انتهاء الأزمة الصحية المرتبطة بفايروس كورونا المستجد في البلاد. وأكدت الجمعية الوطنية لاقتصاد الشركات في تقريرها الفصلي أن “اثنين من أصل ثلاثة استطلعت آراؤهم موافقون تماما أو موافقون إيجابا بأن تجربة شركتهم مع وباء كوفيد – 19 ستقود في المستقبل إلى طرق توظيف وعمل أكثر مرونة في شركاتهم”. وقال أكثر من 80 في المئة من المستطلعين أن شركاتهم ستبقي على درجة معينة من العمل عن بعد، حتى بعد انتهاء الأزمة. والدراسة التي أجريت من 2 إلى 14 يوليو تناولت أجواء الأعمال في شركاتهم أو صناعاتهم. وهي تعكس النتائج في الفصل الثاني والآفاق على المدى القصير. وقالت رئيسة الجمعية كونستانس هانتر إن “نتائج الدراسة التي أجرتها الجمعية الوطنية لاقتصاد الشركات تظهر تغييرات مستمرة في جو الأعمال لكن مع تحسينات لافتة لغالبية المؤشرات مقارنة مع الدراسة التي أجريت في أبريل”. وبالنسبة للنشاط، فإن شركة من أصل ثلاث استأنفت أنشطتها المعتادة، لكن عددا مماثلا من الشركات قال إنه لا يتوقع أن تتواصل أنشطته المعتادة أكثر من ستة أشهر. وغالبية الشركات التي استأنفت أنشطتها المعتادة كانت في قطاعات المال والتأمين والعقارات بنحو 42 في المئة ويليها قطاع الخدمات بنحو 35 في المئة. لكن 29 في المئة من الشركات اعتبرت أن العودة إلى الوضع الطبيعي لن تتجاوز الستة أشهر مقابل 16 في المئة في أبريل. وتبعا لذلك تطرح تساؤلات عديدة حول هل ستقلّص المؤسسات مساحة مكاتبها أم هل ستغلقها بالكامل وهل ستعتمد على المكاتب الافتراضية؟ الوقت وحده جدير بحل هذا اللغز. 80 في المئة من الشركات في الولايات المتحدة ستبقي على العمل عن بعد عند انتهاء الأزمة الصحية وأجريت الدراسة في أوج انتشار كوفيد – 19 في الولايات المتحدة. وفي جنوب وغرب البلاد اضطرت مدن وولايات إلى اتخاذ إجراءات لوقف انتشار الفايروس ما أبطأ النشاط الاقتصادي. وعلى صعيد التوظيف، منذ مارس اعتمدت الشركات بشكل خاص ثلاثة إجراءات خاصة لمواجهة الأثر المالي للأزمة الصحية، مثل تجميد التوظيف لنحو 49 في المئة من الشركات التي شملتها الدراسة والإقالات لحوالي 34 في المئة والعطل غير المدفوعة بنسبة 34 في المئة. من جانب آخر، أعلنت حوالي 20 في المئة من الشركات أنها خفضت رواتب الموظفين في الفصل الثاني من عام 2020 مقابل عدم تغييرها في الفصل الأخير من السنة الماضية. وبالنسبة للمستقبل فإن 82 في المئة من الأشخاص الذين استطلعت آراؤهم قالوا إنهم يتوقعون أن تبقى الرواتب دون تغيير. أما هامش أرباح الشركات فظل في تحسن في الفصل الثاني لكنه يبقى على مستوى متدن. ويعود ذلك بالأساس إلى عرقلة جائحة كوفيد – 19 الاقتصاد العالمي حتى وصل أثرها إلى حياتنا اليومية، حيث ومن المتوقع أن تستمر هذه الجائحة في ذلك لمزيد من الوقت. كما أثّر تراجع النشاط الاقتصادي على نشاط الشركات العاملة في جميع القطاعات. وأصبحت العديد من المؤسسات تواجه تحديات حقيقية في تحقيق الإيرادات أو تنويعها وفي خفض التكاليف. أو حتى القدرة على الصمود بشكل عام في ظل هذه الظروف الاستثنائية، ما أدى كذلك إلى ارتفاع حاد في مستويات البطالة. وانخفض عدد ساعات العمل على مستوى العالم إحصائيا بنسبة 4.5 في المئة خلال الربع الأول من عام 2020، ما يعني تلاشي نحو 130 مليون وظيفة بدوام كامل. وتبعا لذلك يمكن القول إن جائحة كورونا اختزلت عشر سنوات على الأقل في عمر التحول الرقمي حيث إن ما نلحظه من مسابقة الدول للزمن لوضع أسس هذا الانتقال رهيبة جاءت في دقائق ضائعة وأرغمت الجميع على تكريسها على الأقل لتسيير بعض الأعمال والمعاملات اليومية داخل الإدارات والمؤسسات. كما أتاح اعتماد أسلوب العمل عن بعد عالما من الإمكانيات غير المحدودة؛ فالتقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والواقع المعزز تدفع إلى حدود جديدة في الابتكار، ولاسيما في مجالات العمل والتعلم. كما أن أولوية رفع مهارات الموظفين وسد الفجوات الفنية من خلال منصات التعلم الافتراضية والرقمية، ستصبح واقعا لا بد منه، ويعني ذلك أن المؤسسات لن تحتاج إلى الاستثمار في البنية التحتية والخدمات اللوجستية اللازمة للتدريب المباشر. علاوة على ذلك، فإن هذه التقنيات الحديثة قد دفعت المؤسسات إلى إعادة النظر في الحاجة إلى مقر فعلي للعمل.
مشاركة :