فيما أطلقت القوات حملة لاستعادة الفلوجة، يجد عشرات آلاف المدنيين أنفسهم محاصرين بين مقاتلي «داعش» المستعدين لاستخدامهم دروعاً بشرية، وحكومة ترتاب في ولائهم. وقالت ليز غراند، منسقة العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في العراق: «في ظل إجبار داعش لهم (للمدنيين) على البقاء وحصار القوات الحكومية وإغلاق طرق الهروب بسبب القصف وانقطاع الإمدادات التموينية أصبح الخناق يضيق على السكان». الإثنين الماضي أعلنت الحكومة بدء عمليات عسكرية «لتحرير الأنبار» المحافظة الواقعة، غرب بغداد، وأصبحت مدنها الواقعة على الفرات منذ العام الماضي معاقل لـ «داعش». وقال مدرس: «منذ بدء العمليات العسكرية أصبح من المستحيل الرحيل». وأضاف أن التنظيم «زرع قنابل عند مداخل المدينة ومخارجها وعلى الطريق الرئيسي لمنع قوات الأمن من الدخول والمواطنين من الخروج». وتتزايد صعوبة الاصال مع الموجودين داخل الفلوجة. وأبدى المدرس خوفه من استخدام اسمه. وجاء التقدم العسكري السابق لاستعادة تكريت في نيسان (إبريل) الماضي بعد أن فرّ معظم المدنيين منها. ويقول قادة فصائل «الحشد الشعبي» التي تقاتل في صفوف الجيش إنه سيتم إجلاء المدنيين من الفلوجة قبل الهجوم النهائي لكن السكان غير واثقين من ذلك وسط جو من الخوف يسود الجميع. وقال المدرس إن مئات المقاتلين الذين قالوا إنهم جاؤوا من سورية والموصل نظموا هذا الأسبوع استعراضاً في شوارع الفلوجة. وأيدت مصادر أخرى ما قاله عن سيطرة التنظيم على الوضع سيطرة كاملة. وحذر أئمة المساجد الناس من التعاون مع قوات الأمن، كما ألقى إسلاميون محاضرات جهادية عقب الصلاة. وقال المحلل الأمني العراقي هشام الهاشمي إن «داعش» صادر هذا الأسبوع هويات 50 ألف شخص ومنعهم من المغادرة. كما أنه سيكون في غاية الصعوبة الهرب. وأكد المدرس أن الإسلاميين كانوا يحتجزون سكان المدينة في واقع الأمر رهائن «لاجتذاب تعاطف جهاديين من مختلف أنحاء العالم» عندما وقع الهجوم الحكومي. وقال سائق سيارة أجرة (49 سنة) يعمل داخل المدينة إن صعوبة الحصول على الفاكهة واللحوم والخضروات تتزايد منذ إغلاق الطرق المؤدية إلى المدينة. وترشد ربة بيت تدعى أم اسماء توزيع الغذاء على أسرتها خشية أن يطول الحصار. لكن ما زال بعض الناس يتمكنون من الهرب وسط ظروف خطرة من الفلوجة. وهناك أربع أسر خرجت من المدينة هذا الأسبوع. وقال السائق أحمد عبد الرحمن (48 سنة) إنه خاطر وسط القصف العنيف عندما عثر على مخرج شمال المدينة لإحضار زوجته وطفليه قبل ثلاثة أيام. وأضاف «مازلنا لا نصدق حتى الآن أننا خرجنا من الفلوجة. تركنا كل شيء خلفنا، السيارة والبيت والأثاث». ونجت مشارف الفلوجة، على الأقل من الضربات الجوية التي يشنها تحالف تقوده الولايات المتحدة لأن القوات الحكومية المتقدمة صوب المدينة تتكون في غالبيتها من مقاتلي فصائل «الحشد الشعبي». غير أن هناك دعماً جوياً لقوات الجيش المتقدمة صوب الرمادي، عاصمة المحافظة، والتي تقع في منتصف الطريق بين الفلوجة وبغداد وهرب منها الآلاف، بعد سيطرة «داعش» عليها. وليس هناك أرقام مؤكدة عن السكان الباقين في المدينة. وقال هاشمي إن في الفلوجة نحو نصف سكانها قبل الأزمة الذين كان عددهم 370 ألف نسمة. وتشير تقديرات أخرى إلى أن عدد الباقين أقل. لكن حتى من يتمكن من الخروج بسلام من المنطقة يشكو من أنه يقابل بارتياب في العاصمة. وقال سعد جابر (41 سنة) «كل الطرق أغلقت. كأننا أعداء الحكومة.» وأضاف أنه أرغم على البقاء مع شقيقه في مدينة جنوب الفلوجة لأنه لم يستطع الوصول إلى بغداد. وقال «كان من المفترض أن تكافئنا الحكومة وتساعدنا لأننا تمكنا من الهرب من داعش. ليس خطأنا أن الحكومة ضعيفة وعاجزة عن الدفاع عنا». وتخشى السلطات التي عانت من موجات متكررة من تفجيرات السيارات من إدخال طوفان النازحين المدنيين خشية أن يتسلل متشددون بينهم. وأدى هذا إلى منع آلاف مؤلفة من الناس من عبور جسر على نهر الفرات وسط حرارة الصيف القائظة. وقالت غراند: «على رغم أن قدراً كبيراً من التركيز انصب على المدينتين الرئيسيتين الأقرب من العاصمة في الأنبار فإن مدناً أخرى في وادي نهر الفرات أقرب إلى سورية معزولة وتجد صعوبة في الحصول على الغذاء». وأضافت إن مدينة «حديثة وهي من المدن القليلة في الأنبار التي تخضع لسيطرة الحكومة تعاني من عزلة متزايدة على أيدي مقاتلي داعش». وتابعت «لدينا تقارير أن أسعار الغذاء تتزايد إلى درجة أن الأسر لم تعد تقدر على شراء السلع الأساسية وفي الوقت الذي تستعد الأمم المتحدة لما يرجح أن يكون صيفاً في غاية الصعوبة للأزمة الإنسانية في مختلف أنحاء الأنبار فإن الأموال المتاحة لها تتناقص». وأضافت إن «77 عيادة صحية على الخط الأمامي ستغلق أو تخفض نشاطها بدرجة كبيرة». وحتى إذا حققت قوات الأمن نجاحاً في الرمادي والفلوجة فستواجه معارك أخرى وتقابل ملايين آخرين من المدنيين في طريقها لاستعادة هدفها النهائي في شمال البلاد أي مدينة الموصل. وأكدت غراند أن «الوضع بالفعل يائس ويزداد سوءاً».
مشاركة :