يتميَّز عصرنا الحالي بسهولة إيصال التهاني وتعدُّد طرقها ووسائلها وقلَّة تكلفتها، وذلك من خلال وسائل التقنية الحديثة، إلى جانب توفُّر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وكذلك تطبيقات الأجهزة الذكية، إضافةً إلى الرسائل النصيَّة ورسائل الوسائط المتعددة، ويرى البعض أنَّ تلك الوسائل أثرت بشكلٍ سلبي على مشاعر البشر وأفقدتهم الشعور بحلاوة روح العلاقة الحميمة، على اعتبار أنَّ هذه المشاعر تحوَّلت إلى مشاعر تقنيَّة باردة، فبدلاً من أن يسمع أحدنا صوت الطرف الآخر أو يراه، فإنَّه يرى رسالة مكتوبة له بأحرف باردة خالية من المشاعر والأحاسيس، على الرُّغم ممَّا فيها من دفء العبارات وشجن المعاني، وبالتالي فإنَّها لا تسد مكان الكلمات الحارة التي ينطقها اللسان ولا تفي بالغرض المنشود منها. ويلجأ بعض أفراد المجتمع إلى تهنئة بعضهم البعض بالعيد من خلال تلك الوسائل، بدلاً من الاتصال والتواصل وزيارة بعضهم البعض، وقد لا يتردَّد هؤلاء في قص ولصق التهاني التي تصله على جواله، ومن ثمَّ إعادة إرسالها للغير، حتى أنَّ البعض رُبَّما أرسل الرسالة إلى الطرف الآخر دون أن يُدرك أنَّها ما تزال مُذيَّلةً باسم مرسلها الأصلي، وهناك من يرى أنَّ مثل هذه الرسائل تتناسب مع الأصدقاء والزملاء ومن تربطنا بهم علاقات عابرة، إلى جانب أنَّ هذه الرسائل تتماشى مع طبيعة الحياة المعاصرة وتفي بالغرض الذي استخدمت من أجله، شريطة أن تُصاغ بأسلوب يوحي أنَّ المرسل هو من كتبها، أمَّا بالنسبة للأقارب فليس هناك أقل من الاتصال، خصوصاً أنَّ الرسالة أحياناً قد لا تصل إلى المُرسلة إليه أو قد لا يطَّلع عليها في حينها، أو ربَّما لا يطَّلع عليها نهائياً بسبب زحمة "القروبات" والرسائل الواردة على ال "واتس أب"، وربَّما يكون رقم الشخص المُرسلة إليه قد تغيَّر أو أنَّ المُرسل لم يكن اسمه مسجلاً لدى الطرف الآخر، وبالتالي فإنَّه لابُدَّ أن نُعيد النظر في طريقة تواصلنا مع أقاربنا من جديد. تبادل الزيارات وأكَّد أحمد السعدي -مستشار تربوي- على أنَّ العيد فرصة للتواصل والمحبة وبناء العلاقات الاجتماعية والأسرية من خلال الزيارات المتبادلة وتبادل الهدايا والمشاركة في فرحة العيد بكل أشكالها، مُضيفاً أنَّ العيد في السابق له ميزة خاصة عن باقي المناسبات، إذ لابُدَّ من زيارة الاقارب ومشاركتهم الفرحة من خلال تناول طعام العيد مع بعضهم البعض، إلى جانب تناول حلوى العيد، لكن حينما تباعدت المسافات أصبح من الصعوبة بمكان أن يتم التواصل المكاني. وأشار إلى أنَّ التقنية الحديثة أصبحت هي البديل للتواصل الذي يقرب الأحباب، سواءاً بالاتصال المباشر أو إرسال الرسائل، مُضيفاً أنَّه يبقي للاتصال قيمته ووقعه الجميل في القلب أكثر من الرسائل الباردة، خاصةً حينما لا نعتني بتلك الرسائل وتكون مجرد قَص ولصق، موضحاً أنَّ ذلك ممَّا أفقد العيد قيمته الحقيقية، لافتاً إلى أنَّ الرسائل تصبح عديمة الفائدة حينما يكون الشخص قريب من الشخص الآخر الذي يتلقَّى هذه الرسالة أو تلك. عبارات أنيقة ورأى سعد الغريبي –شاعر، وروائي- أنَّ التهنئة بالعيد عبر وسائل التواصل الحديثة ليس لها تأثير في النفوس كتأثير التواصل عن طريق الزيارات أو الاتصال المباشر، مُضيفاً أنَّه مهما كانت العبارات أنيقة ومهما كانت باقات الزهور مزركشة ومهما كانت المكالمات رقيقة وكلماتها منتقاة، إلاَّ أنَّها لا تغني أبداً عن اللقاء الحميمي وجها لوجه، كما أنَّها لا تغني أيضاً عن المجالسة والمؤانسة عن قرب، إلى جانب تبادل النظرات وما يتخللها من سؤال مباشر عن الحال والاطمئنان على الصحة. وبيَّن أنَّ مرافقة الصغار لآبائهم وأمهاتهم في المناسبات، خصوصاً مناسبة العيد لها أهمية ووقع خاص في مستقبل الصغار، داعياً إلى الاعتناء بها ليتعرفوا على أقاربهم قبل أن يطويهم الموت، لأنَّه عندما يرحل الكبار ولم يتعرف الصغار عليهم فلن تستمر شجرة العائلة وارفة الظلال، مؤكداً على أنَّ وسائل التواصل الحديثة ستبقى عوناً لزيادة التواصل وليست بديلة عنه، مُشدِّداً على أهمية استخدام الاتصال الهاتفي المرئي أو المسموع للذين شط مزارهم وأجبرتنا ظروف الحياة على مفارقتهم. رسائل مُكرَّرة وأوضح الغريبي أنَّ الرسائل المُكرَّرة فقدت طعمها ونكهتها نتيجة كثرة تداولها، حيث لم يعد لها قيمة؛ لأنَّها غالباً لا تقرأ، مُضيفاً أنَّ كثيراً من الرسائل التي بعثناها لأصدقائنا وأقاربنا ما لبثت أن عادت إلينا بنصها كما هي، بل إنَّ بعض الرسائل تأتي مذيلة باسم مرسلها الأصلي -وربما كان امرأة-؛ لأنَّ كل الذين أعادوا إرسالها لم يقرؤوها ولم يتنبهوا لحذف اسم المرسل الأول ووضع أسمائهم بدلاً عنه، مُبيِّناً أنَّ مثل هذه الرسائل تتناسب مع الأصدقاء والزملاء ومن تربطنا بهم علاقات عابرة. ولفت إلى أنَّ ذلك بشرط أن تُصاغ بأسلوب يوحي أنَّ المرسل هو من كتبها، أمَّا بالنسبة للأقارب فليس هناك أقل من الاتصال، خصوصاً أنَّ الرسالة أحياناً قد لا تصل إلى المُرسلة إليه أو قد لا يطَّلع عليها في حينها، أو ربَّما لا يطَّلع عليها نهائياً بسبب زحمة "القروبات" والرسائل الواردة على ال "واتس أب"، وربَّما يكون رقم المرسلة إليه قد تغيَّر أو أنَّ المُرسل لم يكن اسمه مسجلاً لدى المُرسلة إليه، وكل هذه الأشياء تجعلنا نعيد النظر في طريقة تواصلنا مع أقاربنا. تهنئة باردة وقال د. عبدالعزيز قاسم -كاتب صحفي-: "إنَّ التهنئة بالعيد عبر الجوال ليست وليدة اليوم، إنَّما عُرفت منذ أن اقتنينا هذه الأجهزة منذ ما يقارب عقدين من الزمن، وكنَّا نتلقف تلك الرسائل ونفرح بها، وكان الواحد منَّا يقرأها وهو مبتسماً، رغم أنَّها تأتي أحيانا متقطعة، وغالباً ما تحمل عبارة (جزء من النص مفقود)، لكن مع تطور الأجهزة الحديثة ووجود خاصية القص واللصق بدأت تقل أهمية تلك الرسائل ويعتبرها البعض تهنئة باردة، مهما كانت تحمل من العبارات اللطيفة والرسومات الجذابة". وأشار إلى أنَّ البعض ينزعج من هذه الرسائل، خصوصاً الأشخاص القريبين من المُرسل؛ لأنَّهم عادة ما يتحسسون من بعض المواقف التي تبعدهم عن بعضهم البعض، كما أنَّهم يهتمون في الغالب بالتواصل المباشر أو على الأقل الاتصال الهاتفي، مُضيفاً أنَّه إذا كان لابُدَّ من إرسال تهنئة العيد عبر الجوال، فإنَّه من الأجدى أن يكتبها المرسل نفسه، حتى إن كان ذلك بأسلوب عفوي وغير مرتب؛ لأنَّه ربَّما يكون ألطف من عملية القص واللصق، كما أنَّها تمنح مستقبل الرسالة شعوراً بالاهتمام. قص ولصق! وأكدت فاطمة عبدالله -طالبة جامعية- على أنَّها تحرص دائماً في مناسبات الأعياد على زيارة أقاربها أو الاتصال بهم، بيد أنَّ ظروف الحياة ومتغيرات العصر الحديث تحول أحيانا دون رغبتها، مُضيفةً أنَّ زيارة أقاربها في العيد هي من أولوياتها، خصوصاً من يسكنون في مدينة الرياض، أمَّا من كانوا خارجها، فإنَّها تتصل بهم في ليلة العيد، مُشيرةً إلى أنَّ ظروفها في السنوات الأخيرة أصبحت غير مواتية بالنسبة للزيارات أو حتى الاتصال بهم هاتفياً. وأضافت أنَّ ذلك ناتج عن أنَّ الزيارة تحتاج لترتيب واستعداد مُسبق من الطرفين، خصوصاً أنَّ أجواء الزيارات في السنوات الأخيرة لم تكن مهيأة كما كانت في السابق، وذلك حينما كان الشخص يُفاجئ من يحب بزيارته له دون إشعار مُسبق، موضحةً أنَّ الأمر نفسه ينطبق أيضاً على عملية الاتصال الهاتفي بالأقارب، مُرجعةً ذلك إلى أنَّ الظروف تختلف من شخص لآخر، مُبيِّنةً أنَّها تتصل بأحدهم أحياناً ولا يرد عليها، وبالتالي فإنَّها تنزعج حينما يجد اتصالها ولا يتصل عليها لاحقاً. ولفتت إلى أنَّ التهنئة بالعيد أو في أيّ مناسبة عبر الجوال هي أفضل طريقة للتواصل، كما أنَّها مناسبة جداً، حتى إن كانت قصا ولصقا؛ لأنَّها تؤدي الهدف المنشود بغض النظر عن طريقتها ومحتواها. بطاقات تهنئة وخالفتها الرأي بدرية الحربي –طالبة جامعية-، مُضيفةً أنَّها تعايد أقاربها من خلال بطاقات تهنئة ترسلها إليهم عن طريق الهاتف المحمول أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، موضحةً أنَّها تُصمِّم هذه الرسائل بنفسها كل عام وتكتب عليها اسم كل واحد من أقاربها عليها قبل إرسالها إليه، مُشيرةً إلى رسائل قص ولصق انتهى وقتها، وبالتالي فإنَّها لم تعد مقبولة في الوقت الحالي، في ظل وجود البدائل الأخرى المتاحة على وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة المتقدمة.
مشاركة :