كلها محاصصة في محاصصة

  • 7/31/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يوسف أبو لوز لكل مرحلة سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية مصطلحاتها ومفرداتها المتداولة التي تصبح مع التكرار لغة يومية في الإعلام بشكل خاص، وتتوغل هذه اللغة بالتدرج إلى الإنسان العادي. إنسان الشارع الشعبي الذي يحوّل هذه المصطلحات أحياناً إلى سخرية، وأحياناً يبني عليها لغة أخرى من عنده، هي لغة النكتة وبخاصة في الشارع المصري. شارع سرعة البديهة الشعبية والفكاهة التلقائية.كل مرحلة، إذاً، توجد نوعاً من سوق لغوية، إن جازت العبارة، أو سوق مصطلحات يتولّى إنتاجها سياسيون أو محلّلون أو إعلاميون وبخاصة كتّاب ما يُسمّى «الرأي»، وما أكثرهم في الصحف العربية.من سوق المصطلحات السياسية يمكنك التوقف عند كلمة «المحاصصة»، والترجمة الفورية أو الترجمة الثانية للمحاصصة هي توزيع الغنائم أو توزيع ما تُسمّى «الكعكة» في القاموس السياسي.لكل جماعة سياسية أو لكل تكتل سياسي حصة من الغنيمة، وعلى رغم المعنى الآخر الّلاأخلاقي الذي ينطوي عليه مصطلح أو مفهوم «المحاصصة» فإنه متداول بكثرة يومية في وسائل الإعلام وعند الكثير من الكتاب، وهؤلاء لا ينتبه أغلبهم إلى أن البلد الذي يتحوّل إلى «كعكة» هو وطن أو هو شعب.ظهر في السياسة أو في سوقها مصطلح آخر هو «مخرجات». ما هذه ال«مخرجات»؟ لا أحد يعرف المعنى الذي في بطن السياسي سوى السياسي. إنها «شيفرة» أخرى تعمل على تضخيم الغموض.ظهر أيضاً مفهوم أو عبارة «النأي بالنفس»، التي تنطوي على معنى سياسي قديم صنعه كبار السياسيين في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وهو «عدم الانحياز»، ولكننا نهين تلك السياسة الدولية الكبرى القديمة عندما نربطها بمفهوم طارئ مثل «النأي بالنفس».سوق حرّة للمصطلحات والمفاهيم وحتى للأفكار. فقط أطلق المصطلح مهما كان يحمل من تناقضات وخيبات؛ حتى يتلقّفه الإعلام، ليحوّله إلى لغة يجب أن نتداولها ونستعملها في الكتابة أحياناً من دون قراءتها جيداً، ونقدها من داخلها التاريخي والثقافي والمعرفي.لكل كلمة تاريخ، تماماً كالإنسان أو الدول أو الحضارات، والكلمة الواحدة قابلة للتحول في معناها من زمن إلى زمن، ومن مكان إلى مكان.الجذر الأول لمصطلح «النقد الأدبي» أو نقد الشعر بشكل خاص جاء، في رأيي وهو اجتهاد شخصي قابل للنقض والنقد، من الفرزدق في قوله:تنفي يداها الحصى في كل هاجرةٍنفي الدراهيم تنقاد الصياريفِتلك المرأة التي رآها الفرزدق وهي تدفع الحصى بيديها عند اشتداد الحرّ، مثلما يُدقّق الصيرفي في الدراهم وينقدها؛ ليعرف إن كانت حقيقية أم مزيّفة.مثل سوق السياسة المصطلحية، كثرت أيضاً المصطلحات الأدبية والثقافية والفكرية والفلسفية: السوريالية، الواقعية، التكعيبية، الفوضوية، الوجودية، العدمية، الحداثية، الرأسمالية، الاشتراكية، اللسانية، التأويلية.. وإلى آخره، وإلى آخره، وكلّها في النهاية مُحاصصة في مُحاصصة. yabolouz@gmail.com

مشاركة :