أدى المصلون صباح اليوم صلاة عيد الأضحى المبارك في المسجد الحرام، وفي المسجد النبوي، وفي مختلف أنحاء المملكة، وسط أجواء آمنة مطمئنة مفعمة بالخشوع لله سبحانه وتعالى في هذا اليوم الفضيل، وفق منظومة من الإجراءات والتدابير الاحترازية لمنع انتشار وباء كورونا تنفيذاً لتوجيهات ولاة الأمر - وفقهم الله -، وملتزمين بالتباعد المكاني، داعين الله - تعالى - أن يزيح هذه الغمة عن بلادنا وبلاد المسلمين والعالم أجمع. ففي المسجد الحرام فقد أدى المصلون صلاة عيد الأضحى المبارك يؤمهم فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني الذي أوصى حجاج بيت الله بتقوى الله عز وجل في السر والنجوى . وقال " هذا يوم عيد الأضحى المبارك، يوم الحج الأكبر، يوم اكتمال الوحي وتمام نعمة الإسلام " ، فيه نزل قول الله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) في سورة المائدة ، وهذه السورة تتخللها أحكام الحلال والحرام إشارة إلى ترابط قواعد هذا الدين، وأنه وحدة متكاملة وكتلة مجتمعة لا يقبل التجزئة ولا التفرقة ، فلا يصلح أن يؤخذ بعضه ويترك البعض، فالحمد لله على نعمة الإسلام ". وأضاف فضيلته " إن من أفضل الطاعات ومن أعظم القربات عند الله القيام بفريضة الحج الذي هو خامس أركان الإسلام ، وهو فرض على كل مسلم ومسلمة مع القدرة والاستطاعة، وهو يجمع بين العبادة البدنية والمادية ، لذا كان فضله كبير وأجره عظيم قال صلى الله عليه وآله وسلم ( والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) " . وأشاد الشيخ الجهني بما ارتأت حكومة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - من إقامة فريضة الحج بأعداد محدودة حفاظًا على أمن وسلامة حجاج بيت الله الحرام ، وذلك نظراً لم يمر به العالم من ظروف استثنائية هذا العام بانتشار جائحة كورونا وخطورة أعراضها، مبينًا أن هذا من مقاصد الشريعة الإسلامية بوجوب المحافظة على النفوس، مستشهدًا بقوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) وقوله تعالى ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة إن الله كان بكم رحيما) ، مؤكدًا أن قواعد الشريعة الإسلامية تدل على دفع الضرر قبل وقوعه، ورفعه بعد وقوعه أو التخفيف منه عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار ) . وقال فضيلته " من جمال هذا الدين أن المسلم إذا نوى العمل الصالح ولكنه لم يستطع القيام به لعذر فإنه يكتب له أجر ما نوی، ويبلغ المسلم بنيته مالا يبلغه بعمله إن كانت نيته صادقة، قال الصحابي الجليل جابر بن عبدالله رضي الله عنهما إنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة وهي تبوك، فقال عليه الصلاة والسلام لهم، إن بالمدينة لرجالًا ماسرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم، أي معكم بالأجر، ولهم مثل مالكم من الثواب، كما في الرواية الأخرى شركوكم في الأجر، لأنهم لم يمتنعوا عن الخروج معنا إلا بسبب العذر، حبسهم المرض " . وأفاد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالله الجهني أن هذه الجائحة أيقظت الهمم ونبهت العقول، وحركة النفوس للرجوع إلى الله تعالى والالتجاء إليه، والانكسار بين يديه، وأداء شرائعه وإخلاص العبادة له وملازمة طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. وحث فضيلته المسلمين بالإكثار من ذكر الله ومن دعائه والتضرع إليه عملا بقول الله تعالى : ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين) وبقوله تعالى : ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) ، لافتا الانتباه إلى أن الدعاء مخ العبادة، وليس شيء أكرم على الله من الدعاء، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، فهو ينفع مما نزل ومما لم ينزل، ومن فتح له باب الدعاء فتح له باب الرحمة، وأفضل العبادة ملازمة الدعاء، وانتظار الفرج من الله عز وجل . ودعا المسلمين إلى أن يسألوا ربهم حوائجهم كبيرها وصغيرها عاجلها وآجلها وقال " نسألك يالله باسمك الحافظ أن تحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه وأن تكتب من وراء ما أصابنا خيرًا ". وأضاف فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني قائلًا: اعلم أن لك ولدينك خصومًا وأعداءً ، ولك ولإخوانك حسادًا يحسدونكم على نعمة الإسلام وتحكيم شرع الله، وحسادًا على هذا الأمن والرخاء والهدوء والاستقرار، يحاولون سلب النعمة فتكونون أنتم وهم سواء، يحاولون بكل وسيلة تفریق الجماعة وتشتيت الشمل، وتمزيق الأخوة، وقطع حبل الترابط بين المسلمين وقياداتهم، فكن أخي المسلم كیسًا فطنًا، ولا تترك مجالًا للإرجافات والدعاية، واحذر كلمة (يقولون) فبئس مطية الكذب (زعموا) وعليك بطاعة ولي الأمر بالمعروف، واعلم أنها واجبة على كل مسلم، والنصح له والتعاون معه على البر والتقوى، واعلم أن الاختلاف علیه ومنازعته حرام، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني )، وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أهان السلطان فقد أهان الله ". واستطرد الشيخ الجهني قائلا " إن الإمام حماية ودرع وجنة لرعيته، يتحمل عنهم الأعباء والمشقة والعناء، يتعب ليرتاحوا، ويسهر ليناموا، ويعمل ليسعدوا، ويكدح لتحصيل متطلباتهم ، ويجتهد في رفع الأذى والخطر عنهم، وولي الأمر أعلم بمصالح شعبه وبلاده، وخبير بتحقيق المصالح ودرء المفاسد، وأعرف بحال الشعوب الأخرى والحكومات، فيجب علينا أن نحبه لله وفي الله، وأن نقف وراءه وأن نشد عضده، وننصح له من صميم قلوبنا وبكل إمكانياتنا ، قال تعالى ( يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن کنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تأويلا ) " . وأشار فضيلته إلى أن لكل أمة من الأمم عيدا يعود عليهم والمسلمين عيدهم هو الأضحى والفطر ، وقال " لكل أمة من الأمم عيدٌ يعود عليهم في يوم معلوم، وعيدنا نحن المسلمين عيد الأضحى وعيد الفطر فعن أنس رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان ؟ قالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما؛ يوم الأضحى ویوم الفطر )، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام في يوم العيد إن وافق يوم الجمعة أنه يصلي العيد ويصلي الجمعة، ورخص صلى الله عليه وسلم لمن حضر صلاة العيد عدم الحضور لصلاة الجمعة ويصليها ظهرا في وقت الظهر، وخير الهدي وأكمله هدي النبي صلى الله عليه وآلة وسلم " . وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن هذا اليوم هو أفضل الأيام عند الله قال صلى الله عليه وسلم ( أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر)، ويوم القر هو اليوم الذي يلي النحر وهو اليوم الحادي العاشر، ويوم النحر: هو اليوم الأول من أيام العيد وهو يوم الحج الأكبر، وسمي كذلك لما يجتمع فيه من أعمال جليلة كالوقوف بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة، والنحر، والحلق، وطواف الإفاضة، وصلاة العيد ،لافتًا النظر إلى أنه يستحب التبكير لصلاة العيد وأن يُذهب من طريق ويرجع من طريق آخر، كما يستحب التهنئة بالعيد لما روي عن جبير بن نفير، قال : كنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض، تقبل الله منا ومنك ، ووقت التهنئة بعد أداء صلاة العيد كما كان يفعل الصحابة، ومن الأعمال الجليلة في هذا اليوم نحر الأضحية بعد الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم وهو يخطب: إن أول ما نبدأ من يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل فقد أصاب سنتنا. وأضاف فضيلته : يستحب إظهار البشر والسرور وصلة الأرحام ونبذ الشحناء والخلاف ومسامحة الخلق والعفو عنهم، والتوسعة على العيال وإدخال السرور عليهم، ولا بأس باللعب واللهو المباح لأن في ديننا فسحة، كما يستحب التكبير عقب الصلوات الخمس ؛ ويبدأ من فجر عرفة إلى اليوم الثالث من أيام التشريق وهو اليوم الرابع من أيام العيد، ومن صيغه : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
مشاركة :