الصفعة الجديدة التي تلقاها رجب طيب أردوغان، وجعلته ينفجر غضباً ويفقد توازنه، وهو يرد على شريكه ورئيسه السابق عبدالله غول، الذي انتقد بكل صراحة ووضوح سياساته الخارجية، يرجح أنها لن تكون الأخيرة، بعد خسارته الغالبية المطلقة في الانتخابات التشريعية التي أجريت أوائل يونيو/حزيران الماضي، وفي ظل حروبه المتواترة وإخفاقاته السياسية المتواصلة داخلياً وخارجياً. قساوة هذه الصفعة تكمن في أنها نقلت حرباً مستترة إلى العلن بين شريكين ساهما معا في تأسيس حزب الحرية والعدالة ووصوله إلى السلطة وانفراده بها على مدار نحو 13 عاماً، كانت كافية، في الواقع، لاختبار مواقف الرجلين. غير أن تمايز شخصيتيهما، وسعي أردوغان الحثيث لارتداء عباءة السلطان العثماني، وعودة غول من الرئاسة إلى الظل بعيداً عن الأضواء، لم يحل دون بقاء شعرة معاوية بينهما. ومع ذلك، يبدو أن حفل الإفطار الذي أقامته جمعية الصداقة في اسطنبول، جاء مختلفاً هذه المرة، حينما دفع الصدام بينهما إلى العلن، وذلك على خلفية سياسات أردوغان وغطرسته وطموحاته الشخصية التي لم تعد قابلة للاحتمال، من وجهة نظر غول، الذي لم يتردد في توجيه سهام النقد إلى سياسات شريكه ودعوته إلى تبني مواقف أكثر واقعية عبر مراجعة سياسته الخارجية، خصوصاً تجاه الشرق الأوسط والعالم العربي، بمن في ذلك من يعتبرهم أعداء، على نحو يعيد لتركيا مكانتها ودورها في المنطقة. ولم يتأخر رد أردوغان الذي جاء عنيفاً، ووصل إلى حد إهانة رئيسه السابق، حين وجه إليه كلاماً مباشراً، وقال: تركنا وراءنا الخونة والجبناء والمترددين والمتمسكين بمصالحهم الشخصية في عالم السياسة، وأكملنا طريقنا السياسي دون تغيير، أما هم فباتوا اليوم خارج السياسة. ما بين واقعية غول وطموحات أردوغان، لم يعد ثمة مساحة لعودة الإخوة الأعداء إلى لغة التفاهم وتبادل الأدوار، إذ يبدو أن شعرة معاوية قد انقطعت بالفعل، لكن ثمة مؤشرات كثيرة على شعور أردوغان بالإحباط والخوف من العزلة، بعد تراجع أداء حزبه في الانتخابات الأخيرة، وفشل مشروعه لإحياء الإمبراطورية العثمانية، والأسوأ من ذلك، فشل مشروعه العقائدي بعد سقوط الإخوان في مصر وتراجعهم في المنطقة برمتها، إلى جانب شعوره بالعجز والإحباط تجاه النظام السوري الذي راهن على إسقاطه بكل ما يملك بدءاً من دعم الجماعات الإرهابية وحتى التهديد بالتدخل العسكري المباشر. وهناك في الداخل يظهر التحدي الكردي مجدداً بعد انهيار ما يسمى عملية السلام، واتهامه الأكراد بالتطهير العرقي، وتصريحاته المتكررة عن رفضه السماح بإنشاء أي كيان كردي مستقل، ليضاف كل ذلك إلى فشله في تغيير الدستور والانتقال إلى النظام الرئاسي، وتحوله بدلاً من ذلك، إلى أسير لدى حكومة ائتلافية يملك خصومه السياسيون الأغلبية فيها، ويتوج كل ذلك بقرار قضائي ينقض حكم إغلاق المدارس التابعة لخصمه اللدود فتح الله غولن. من الواضح أن كل هذه المؤشرات تشي بقرب أفول نجم أردوغان أكثر مما تمنحه فرصة للبقاء في السلطة. وربما تكون هذه العوامل مجتمعة هي التي دفعت غول لتوجيه نصيحة لشريكه السابق، لكنه فوجئ بتغلب الأوهام على الواقعية، ولكن إلى حين. younis898@yahoo.com
مشاركة :