عيدكم مبارك. أو أرجو أن يكون مباركاً. كيف لنا أن نتخيل العيد؟. طعمه.. ولونه ورائحته وأفراحه. هل هو عيد؟.. كما يليق بالأعياد. يا لهذا العيد العربي المتوشح بالخوف. لست عيداً.. والله لست عيداً.. أنت كرة من لهب، أو قطعة من عذاب وجراح. العيد العربي الطبيعي المألوف دائما، بطعم الدم، والحرائق ودموع الموجوعات والنواح..! نطلق عليه عيداً ونحن نشيح وجوهنا عن الضوء، كي لا ينكشف العار بجباهنا. أحياناً نسرع في نطق كلمات الرضا، كي لا تعلق الكلمات الجافة في حناجرنا، إذا ما تريثنا في النطق، أو إذا ما كنا صادقين. هنا مسرح يوم العيد العربي. ونحن ممثلون و«الكومبارس» وأدوات العروض وجراحنا. كيف هي فرحة العيد وألف يتيم، بل آلاف اليتامى يتضورون جوعاً في الشام، زنبقة التاريخ، وتاج العرب، والغادرون يسلون خناجرهم، وبردى يصبح نهرا من دم..! وسماء العراق تثقل باللعنات، فيما باسقات النخيل تحترق رماداً كي تنتشي شياطين ليالي الجنون، وكرام العراق وماجداته يلقون نحبهم أوقافاً. والفرات المهيب، شاهد التاريخ الأبدي، يبوح بأحزانه، ويطوي كبرياءه، ويطوف بثرى المآتم. وصنعاء المهيبة، درة المدائن، صديقة الشعر، والصداحين بشدو الأفراح وعناق النجوم، تتحجب وترتمي في عتمة ليلها وتبوح بلوعتها إذ صفير الرياح الهوج يهاجم ذرى عيبان. كيف هو العيد، والليبيون يعدمون هانيبعل ويقطعون أوصال قرطاج.. ويشعلون النار والجنون في شواطئ المتوسط الفضية ويحرمون على الجبل الأخضر أن يكون ملاذا للحزانى. كيف يكون العيد..؟ والفلسطينية الموءودة الغريقة، سيدة الحفا، أسطورة عذابات التاريخ، إذ تتجاهلها مدن النيون وضجيج الحقوقيين، تعتصم بدموعها، وقوافل الجنائز، ثم تغرس راحتها في ثرى أرض الاقداس، وتضم غصن زيتون غض إلى صدرها لتجعل منه عطراً وخضاباً لجدايلها، وهوية تضيء ظلم الدهور ولوعات الأحزان. كيف هو العيد.. وأرض الكنانة تتخاطفها أشباح الظلام، وبقرب الطور يسفح الدم، ويتنافس الأوباش بقتل جند الله، رباط التاريخ والأرض والحياة وعبقرية الماء والتاريخ. وبيروت، صبية المتوسط المدللة، تهجر جدايلها وفتنتها، إذ تداهمها الشيخوخة مبكراً والخوف. وتدفق الأرزة الحزينة آنية العطر الأخير، وتستعد لتكون رماداً فحسب، لفحيح الأفاعي. كيف يكون عيداً، والسفاكون يهرقون الدماء، في كل جهة وزمان وثرى.. حتى يصبح الإنسان أرخص الكائنات، وأرعن الكائنات، وأكثرها جنوناً وشروراً. سلام لأرض السلام.. وسلام للمآتم، وسلام للمغدورين والحزانى ولثكالى يغرقن عيدنا بدموعهن، ولأيتام تتنكر لهم الأعياد.