قتل ستة أشخاص أمس في اشتباكات بين مجموعات تساند مرشحين متنافسين في الانتخابات البلدية بتركيا والتي تحولت إلى استفتاء على حكم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وقال مسؤولون أمنيون إن أربعة أشخاص قتلوا في معركة بالأسلحة، بين عائلتين في قرية يوفاجيك في إقليم شانلي أورفة الشرقي على الحدود مع سوريا. ووقعت مثل هذه الاشتباكات في انتخابات محلية من قبل. وأضافوا أن في إقليم هاتاي الواقع على الحدود أيضًا مع سوريا قتل شخصان في معركة بالأسلحة بين أقارب اثنين من المرشحين في قرية كول باشي. ولا ينتمي أي من المرشحين في هذه القرية لأي حزب. ولجأ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أمس إلى صناديق الاقتراع التي دعمته قبل عشر سنوات كي يتصدى لاتهامات ووقف سلسلة من التسريبات الأمنية المضرة التي ينحي باللائمة فيها على «خونة». وأصبحت الانتخابات البلدية استفتاءً طارئًا على حكم أردوغان وحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية. وقال أردوغان عن معارضيه خلال تجمع في إسطنبول العاصمة التجارية لتركيا السبت «كلهم خونة» فلندعهم يفعلون ما يريدون. إذهبوا إلى صناديق الاقتراع ولقنوهم جميعًا درسًا.. «فلنعطهم صفعة عثمانية». واستبعد أردوغان نحو سبعة آلاف شخص من السلطة القضائية والشرطة منذ مداهمات مكافحة الفساد في ديسمبر كانون الأول والتي استهدفت رجال أعمال قريبين من أردوغان وأبناء وزراء. وينحي أردوغان باللائمة في التحقيق على فتح الله كولن وهو رجل دين إسلامي كان حليفا له. ويقول أردوغان الآن إنه يستخدم أنصاره في الشرطة في محاولة لاسقاط الحكومة. ويصف حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيس لحزب العدالة والتنمية أردوغان بأنه «دكتاتور فاسد» مستعد للتشبث بالسلطة بأي وسيلة. وقد يسمح له الفوز بالعاصمة أنقرة أو إسطنبول بإعلان شكل ما من الانتصار. ومع استمرار التصويت في غرب تركيا الساعة الثامنة صباحًا (600 بتوقيت جرينتش)، اتفق بعض الناخبين مع اعتقاد أردوغان بأنه ضحية مؤامرة للإطاحة به وقال وهاب سلبوك وهو طالب يبلغ من العمر 20 عامًا ويستعد لامتحانات دخول الجامعة «يجب أن تنظر إلى السبب الذي يجعلهم يريدون الإطاحة بالحكومة الآن. تركيا دولة جديدة وتزداد قوة والدول الكبيرة لا تريد هذا». وفي مدرسة بمنطقة سيسلي التجارية في وسط إسطنبول رأى آخرون في الانتخابات فرصة للتعبير عن معارضتهم لحكومة أردوغان. وقال ألبر بالابيك وهو مستشار مالي يبلغ من العمر 30 عامًا نتوقع بارقة أمل في الانتخابات. وحتى إذا لم يتراجع التصويت لحزب العدالة والتنمية إلى هذا الحد فنتوقع أن يخسروا مدنًا كبرى على الأقل. وإذا لم يحدث هذا فنحن نفكر في العيش خارج البلا د. ووصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في 2002 بناءً على برنامج للقضاء على الفساد الذي تعاني منه الحياة في تركيا ويأمل فى الانتخابات الحالية نفس النسبة التي حققها في انتخابات 2009 أو يتجاوزها وهي 38.8 في المئة. وأي تصويت بأقل من 36 في المئة وهو «أمر يعد غير مرجح» سيكون صفعة قوية لأردوغان وسيثير صراعًا على السلطة في حزب العدالة والتنمية. والتصويت بأكثر من 45 في المئة قد يبشر بفترة من تصفية الحسابات مع المعارضين في السياسة وأجهزة الدولة. وقال سنان أولجين رئيس معهد آدم البحثي في إسطنبول إنه قد يثبت عدم صحة الآمال بأن تحقق هذه الانتخابات الاستقرار والوضوح. وأضاف «وصلنا إلى المرحلة التي تتحدى فيها المعارضة الآن شرعية أردوغان للحكم ليس على أساس الدعم الانتخابي ولفقده الدعم الشعبي ولكنها تجادل بأنه لم يعد مؤهلًا ومناسبًا للحكم إلا إذا أجاب بشكل كامل على الاتهامات الموجهة له بالفساد. أردوغان وغولن وجهًا لوجه: وتكتسب انتخابات المحليات أهمية تتجاوز ما كان يمكن أن يتخيّله أحد قبل تفجّر «فضيحة فساد حول أردوغان»، وقبل مداهمات نفذتها الشرطة في ديسمبر، بالإضافة إلى التسريبات التي تدين رئيس الوزراء التركي الذي ظهرت أحلامه في أن يعيد إحياء الدولة العثمانية، حيث تدين تلك التسجيلات أردوغان «حسب ما ورد فيها»، فيما يعتبر أن المواجهة الدائرة حاليًا بين أردوغان وجماعة غولن أهمّ ما يزيد من حمية المعركة الانتخابية، وتظهر من بين الكلمات القاسية التي تتناثر ضمن السجالات الدائرة حاليًا صورة لدولتين تركيتين يكاد يغيب عنهما التناغم. وستجري الانتخابات على مستوى الجمهورية لكن مصير أردوغان أشبه في جوهره بقصة مدينتين، هما أنقرة العاصمة وإسطنبول التي ينظر إليها على أنها صندوق خزانة السياسة التركية. ويدرك أردوغان الذي كان رئيسًا لبلدية إسطنبول هذا الأمر، وكثف حملته بتنظيم مؤتمرات مسائية وأصبح صوته أكثر غلظة بمرور الأيام، والأحد سيكون أول اختبار انتخابي منذ قمع محتجين مناهضين للحكومة الأردوغانية في الصيف وتفجر فضيحة كسب غير مشروع أذكاها نشر تسريبات على الإنترنت لمحادثات هاتفية أجراها أردوغان. ويتهم رئيس الوزراء رجل الدين فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة بالتلاعب في التسجيلات لإعطاء انطباع بالتورط في جرائم فساد. مخاوف من عودة الفوضى أنشأ أردوغان حزب العدالة والتنمية عام 2001 وهو من الناحية الفعلية «ائتلاف طوارئ» يضم مسلمين محافظين دينيًا وقوميين وعناصر إصلاحية تنتمي ليمين الوسط، وفي الانتخابات التي جرت في العام التالي وجه الحزب ضربة ساحقة للأحزاب العلمانية التقليدية التي كانت غارقة في قضايا كسب غير مشروع وإخفاقات اقتصادية لم تتعاف منها حتى الآن، ولا يزال أردوغان الشخصية التي تحافظ على تماسك الحزب، حتى خصومه الذين يتمنون ذهابه يخشون أن ينذر رحيله بتفكك حزب العدالة والتنمية بل والمشهد السياسي الحزبي الأوسع مع عودة التحالفات المضطربة والأزمات الاقتصادية التي شهدتها البلاد في التسعينات، وقد يضمن تحقيق حزب العدالة والتنمية نتيجة تزيد على 40% كتلك التي فاز بها في الانتخابات المحلية السابقة عام 2009 فوز الحزب بإسطنبول وأنقرة يشجع أردوغان على خوض أول انتخابات رئاسية مباشرة في أغسطس غير أن هذا له مخاطره. فقد حصل حزب العدالة والتنمية على نحو 50% في الانتخابات العامة التي جرت عام 2011، لكن هناك شكوكًا في إمكانية أن يحقق أردوغان ذلك ويفوز في الجولة الأولى في انتخابات الرئاسة، وإذا توحدت قوى المعارضة حينئذ وراء مرشح واحد فإن أردوغان قد يخسر الانتخابات، وعلى أردوغان أن يحسب أيضًا حساب الآثار التي يمكن أن تترتب على وضع المزيد من التسجيلات المسربة على الإنترنت. وما من دليل راسخ حتى الآن على أن التسجيلات تركت تأثيرًا كبيرًا على شعبيته، بل أن مؤيديه يرون أن بإمكانهم تأليب الناس على غولن وحشدهم وراء أردوغان، نظرًا لأن هذه التسجيلات مجهولة المصدر علاوة على تورط أمن الدولة في اختراق اتصالات حكومية سرية. وفي حالة تراجع التأييد لحزب العدالة والتنمية في انتخابات الغد قد يسلك أردوغان طريقًا أكثر حذرًا يتمثل في تغيير قواعد الحزب بما يسمح له بتولي رئاسة الوزراء لفترة رابعة في الانتخابات البرلمانية التي تجرى العام القادم. فيما يعتقد حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي مني بثلاث هزائم متعاقبة في الانتخابات أمام أردوغان، أن تركيا ستنقلب عليه بسبب فضيحة الفساد وتحركاته لتطهير جهاز الشرطة وتعزيز المخابرات الداخلية الموالية له وحظر موقعي تويتر واليوتيوب لإعاقة نشر المزيد من التسجيلات المسربة. عودة الديكتاتورية قال رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال قيليتش دار أوغلو في تصريحات إعلامية وتليفزيونية: إن «أردوغان يدفع تركيا إلى فترة أخرى من الدكتاتورية»، وأضاف المعارض العنيد أثناء أحد مؤتمراته الانتخابية «سيقول ويفعل أي شيء لأنه يقاتل من أجل حياته، لأنه يعرف جيدًا ماذا سيحدث إذا فقد السلطة، يعرف أنه سيسجن، والأرجح أنه سيضطر للهروب من البلاد». (حسب قوله) لقد قطع أردوغان تركيا طولاَ وعرضًا منتقدًا حليفه السابق غولن، بعبارات قاسية، معتبرًا إياه العقل المدبر لسيل التسجيلات الهاتفية المسربة والتي تشير إلى تورطه وعائلته في فضيحة كسب غير مشروع، ووصف أردوغان شبكة (خدمة) التي يديرها غولن والتي لعبت دورًا رئيسيًا في إصلاحات أردوغان المبكرة، وتحديدًا في إبعاد الجيش عن السياسة بأنها منظمة إرهابية متورطة في «تحالف شر» مع أحزاب المعارضة الرئيسية. وقد اعترف مسؤول مقرب من أردوغان في تصريحات نشرتها صحيفة زمان التركية (لكن الصحيفة لم تصفح عن الاسم واحتفظت به لنفسها) بالدور الذي لعبه غولن في كسر السلطة السياسية للجيش الذي أطاح بأربع حكومات تركية على مدى 40 عامًا، لكنه قال: إن أردوغان أدرك بنهاية عام 2011 «أن مشكلة ما ستظهر»، وقال المسؤول: «ما يحدث الآن هو صراع من أجل أردوغان ومستقبل تركيا، تريد شبكة (خدمة) القضاء على رئيس الوزراء». وفي ذلك الصراع أقال أردوغان أكثر من 6 آلاف موظف بالدولة في الأشهر القليلة الأولى. تضييق الفجوة ولم ينجح حزب المعارضة التركي الرئيس في إضعاف التأييد لأردوغان، على الرغم من الاحتجاجات المناهضة للحكومة على مدى أشهر، فيما ظهر كمال أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري خلال المؤتمرات الانتخابية في أكثر من 70 مدينة في أنحاء تركيا بوصفه أشرس منتقدي أردوغان بسبب فضيحة الفساد التي طالت رئيس الوزراء وعائلته وأقرب وزرائه. لكن حزب العدالة والتنمية الحاكم ذي الجذور الإسلامية، الذي يتزعمه أردوغان لايزال متقدمًا بفارق كبير على حزب الشعب الجمهوري العلماني المنتمي ليسار الوسط. وقال أوغلو: «أنا أتحدث عن جهود لإضفاء شرعية على الفساد عن طريق الانتخابات، هذا اختبار لديمقراطيتنا». لكن هذه الرسالة لا تلقى صدى في صفوف الأتراك المحافظين دينيًا الذين مازالوا راضين إلى حد كبير عن حكم حزب العدالة والتنمية، بعد 12 عاما من النمو الاقتصادي الثابت. بالنسبة لهم يبدو حزب الشعب كحصن يقتصر على النخبة العلمانية التركية القديمة. وقال بكير أجيردير المدير في مؤسسة كوندا للأبحاث السياسية: «فشل حزب الشعب الجمهوري في فهم أن السياسة تتعلق بالتعامل مع احتياجات الناس وليس مجرد مفاهيم الهوية مثل العلمانية»، وأضاف «بدلًا من السعي لفهم الناس بصورة أفضل يسلك نفس الطريق السهل الذي يسير عليه منذ سنوات».
مشاركة :