الأعرجي: انقراض الحضارات ليس بالأمر الغريب على التاريخ البشري | ثقافة

  • 7/19/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تلبية لدعوة مدير مركز الحوار في واشنطن/‏ العاصمة صبحي غندور، ألقى المفكر العربي علاء الدين صادق الأعرجي محاضرة حول كتابه الصادر أخيراً بهذا العنوان، حضرها نخبة من رواد المركز وعدد كبير من المثقفين وأساتذة الجامعات. وقدم المؤلف خلال المحاضرة خلاصة وافية لمشروعه النظري الذي عرضه في ثلاثة مؤلفات متلازمة، هي: «أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي بين العقل الفاعل والعقل المنفعل»، و«الأمة العربية بين الثورة والانقراض»، و«الأمة العربية الممزقة بين البداوة المتأصلة والحضارة الزائفة» وبصدد كتابه الثاني في هذا المشروع، قال الأعرجي انه انطلق من فرضية مفادها أن «تخلفَنا الحضاريّ»؛ خصوصاً الفكري والعلمي والتكنولوجي والاقتصادي، هو الذي أدى إلى جميع المآسي والنَكَبَات التي كانت ولا تزال تصيب الأمة العربية، منذ نكبة فلسطين 1947-1948، حتى ظهور حركة داعش مؤخراً. وتراكم هذه العوامل، التي ذكرتُ عشرة منها في كتابي أعلاه، قد يؤدي إلى انقراض هذه الأمة، ولو على المدى البعيد. لذلك يقرع المؤلف ناقوس الخطر حرصاً على مصير هذه الأمة العظيمة، ويدعو زعماءَها وحكماءها إلى معالجة أوصابها قبل فوات الأوان. وأكد أن انقراض الحضارات/‏ الأمم ليس بالأمر الغريب على التاريخ البشري، إذ انقرضت قبل ذلك أربع عشرة حضارة، كما يقول المؤرخ البريطاني المعروف آرنولد توينبي في كتابه المعروف «دراسة للتاريخ» Study of History(التي تضم 13 مجلداً). وقال الأعرجي: نعم، أن هناك دورا للآخر في تردي أوضاعنا، ولاسيما إسرائيل، ولكنَّ المسؤولية تقع علينا في المقام الأول. فلولا تفرقنا وتخلفنا، ما يؤدي إلى ضعفنا، لَما استطاع الآخر الاستيلاء على أرضنا والتدخل في شؤونا أو صبّ الزيت على النار المشتعلة في معظم أرجائنا. وهنا نعود إلى مسألة التخلف الحضاري، أصل الداء وعلّة جميع العلل. ولدى أمعان النظر، في الأسباب الجذرية لهذا التخلف الذي ظل سائداً على الرغم من جميع الجهود المبذولة لدحره؛ قال الأعرجي انه توصل أخيراً، إلى ثلاث فرضيات/‏ نظريات: أولا: نظرية العقل المجتمعي، وهي تفترض أن لكلِ مجتمعٍ، بصفته كياناً اعتبارياً مستقلاً، عقلاً«خاصاً به، أطلق عليه مصطلح»العقل المجتمعي«Societal Mind. وهو يمثِّل سلطةً خفيَّةً قاهرة تتحكَّم بسلوك أفراد المجتمع وتصرُّفاتهم، دون وعيهم بها. وتتكوَّن من منظومة واسعة من القِيَم والمبادئ والأعراف والعادات والمعتقدات والمسلَّمات... السائدةً لدى الجماعة، والتي تَخَلّقَتْ وتبلورتْ خلال مسيرة المجتمع التاريخية وصيرورته التطورية، أي من خلال تفاعلات الأحداث والمجريات الديالكتيكية وتراكماتها البنيوية، منذ أقدم العصور حتَّى يومنا هذا. ونحن كأفرادٍ نخضعُ لهذه السلطة القاهرة أو لهذا المارد الجبار(العقل الجتمعي)، لأننا نتغذى، من مبادئه وقيمه، وأوامره ونواهيه، منذ طفولتنا المبكرة، بل نكتسب معتقداتِنا منه تلقائيا وبلا شعور. فالمسلم مسلمٌ، شيعي أم سنيٌ، لأنه ينشأ عادة في أسرة تننتسب إلى هذا المذهب أو ذاك. والمسيحيُّ مسيحيٌ لأنه ينشأ في أسرة مسيحية ويصبح كاثوليكيا أو بروتستانتيا تبعا ً لذلك، كذلك الأيزيدي والبوذي...، وغالباً ما يدافع كل منهم عن معتقده بحماسة، إلا ما ندر. وقد يرتبط «العقل المجتمعي» بإيديولوجية خاصة تؤمن بها جماعة معينة، حيث ينتسب إليها الشخص العادي، فتتحول لديه إلى عقيدة متحكِمَة، ما يجعل ذلك الشخص متعصباً لها. أي تدخل في عقله المجتمعي الذي يتكيف بناء عليها. ومثالها الواضح اليوم العقيدة الداعشية، وقبلها العقيدة الشيوعية، أو الماسونية أو البهائية مثلاً... وغيرها. ونحن هنا نتعرض لحالات واضحة، ولكن يوجد إلى جانبها عشرات من معتقدات ومُسلَّمات تخرج عن الحصر، ترتبط بالعقل المجتمعي لفئة مجتمعية (عشيرة، فرقة، حزب، عصابة، مثل المافيا، لها أعراف وقيم معينة). ثانياً:»نظرية العقل الفاعل والعقل المنفعل «Passive Mind Active Mind and، وهي تختص بالفرد بدلاُ من المجتمع، وتترابط وتتكامل مع النظرية الأولى، مع أنها تتميز عنها تماماً. وكلاهما يسريان، على الأرجح، على جميع المجتمعات، في كل زمان ومكان، كما يرى المؤلف. فالعقل الفاعل هو تلك المَلَكة الطبيعية التي منحها الله للإنسان منذ ولادته، والتي تُميزه عن الحيوان. وأهم ما تتسم به هذه الملَكة هو الفضول أو حُبّ الاستطلاع، والميل نحو المعرفة. وهي استعدادات توجد لدى كل طفل. أي بمثابة قوالب فارغة لدى الطفل الوليد، كما يقول عالم النفس، جان بياجيه Jean Piaget. و»العقل المجتمعي» هو الذي سيقوم بدوره في ملء هذه الفراغات، عادة. لأن الطفل يأخذ ما يتوفر حوله من قيم وعادات وأعراف ومعتقدات/‏ مسلّمات جاهزة في العقل المجتمعي، كما أسلفنا. وتدريجياً يفقد العقل الفاعل قدراته على الاكتشاف والإبداع، لصالح«العقل المنفعل»، الذي يحل محل العقل الفاعل، لدى معظم الناس في أي مجتمع. ولكن قد تظل هذه الملكة حيّة (ملكة العقل الفاعل)، أو تستيقظ بعد نوم قصير أو طويل، لدى بعض الأشخاص، من الرواد النادرين، الذين يضطلعون بدور كبير في إنشاء الحضارات، ومنهم الأنبياء والفلاسفة من أمثال سقراط وإفلاطون وأرسطو، ورواد النهضة الأوروبية ابتداء من غاليلو إلى أينشتاين وبينهم العشرات. وغالباً ما كان يتعرض هؤلاء الرواد إلى الاضطهاد (الرسول محمد (ص) مثلا)، بل القتل أحياناً مثل سقراط وعيسى (ع) قديماً، وحديثاً من أمثال فرج فودة ومحمود محمد طه. فضلاً عن القتل المعنوي مثل الحكم الذي صدر بحق نصر حامد أبو زيد بالردة وتطليق الزوجة، وقبله الشيخ علي عبد الرازق، الذي طُرد من القضاء والعالمية. أي أننا نقتل كل من يحاول أن يجتهد، أو ينقدَ«العقل المجتمعي»بعقله الفاعل، علماً أن هؤلاء هم الذين يبنون دعائم أية حضارة (انظر«أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي»، الفصل السابع، فصل«العقل الفاعل ينشئ الحضارات»، ط 4، ص 189). ثالثا:«نظرية عدم مرور العرب بمرحلة الزراعة»، وتفترض هذه النظرية أن العرب لم يمروا بمرحلة الزراعة، التي تعتبر ثورة نقلت المجتمع البشري من مرحلة الاعتماد على الطبيعة في تقديم الغذاء جاهزاً تقريبا، إلى مرحلة الاعتماد على الذات (الجهد البشري) في إعداد الأرض وبذر الحب ورعاية النبتة وسقيها عند الاقتضاء، وجني المحصول وخزنه وإعداد بعضه للموسم التالي. كذلك هي مرحلة ضرورية للاستقرار في الأرض وإنشاء بيوت السكن فالقرى فالمدن فتقسيم العمل، ما أدى إلى إنشاء الحضارات. كذلك ضرورية لمحو الخصائص البدوية المتخلفة التي ظلت راسخة في العقل المجتمعي العربي حتى يومنا هذا. فقد انتقل العرب بعد الإسلام من حالة البداوة إلى حالة «التحضر»، أي سكنى المدن فقط، وليس«الحضارة»بمعنى التقدم في مجالات الإنتاج المادي والمعنوي أو الثقافي: العلمي والتكنولوجي والفكري. وعندما حقق العرب المسلمون فتوحاتهم الكبرى ولاسيما في منطقة الهلال الخصيب ومصر، رَحَلَ الكثير من سكان وسط الجزيرة العربية، (إذ كان معظمهم من البدو الرُحَّل الذين لم يعرفوا الزراعة- والذين كانوا يعيشون غالباً على حافة المجاعة، فيغزون بعضهم بعضاً)، أقول رَحَلَ معظمهم إلى تلك البلدان كفاتحين لأول مرة - حيث كان رَغَدُ العيش والثروة بانتظارهم. سأل الخليفة عُمر(ر) أحدِ عُمّاله في العراق:»كيف حال المسلمين؟‘ فقال: «انثالتْ عليهم الدنيا، فهم يهيلون الذهبَ والفضَّة». ومن جهة أخرى، فالعرب كانوا يكرهون الزراعة أصلاً. وهذا لا يتعارض مع كون العرب أنشأوا أعظم حضارة في القرون الوسطى، بسبب عاملين: الدين الإسلامي الجديد، الذي يعتبر ثورة كاسحة على العقل الجاهلي البدوي المتخلف، وثانياً الانفتاح على الحضارات الأخرى ومنها الفارسية والهندية واليونانية.

مشاركة :