قبل نهاية رمضان بأيام.. كانت الناس تبكي فراقه ومغادرته.. وكانت النساء الكبيرات يرددن.. رمضان شهر الخير والبركة.. وشهر التواصل بين الناس.. وشهر المحبة.. وشهر الونس.. بمعنى أنّ لياليه تتدثر بوناستها وانشراحها.. وقربها من الصائمين.. خاصة في ذلك الزمن القديم الذي كان الناس فيه لا يستمعون سوى للراديو.. ويعانون في الصيام جراء الحرّ الشديد والعمل في أيام رمضان.. لكنهم في الليل وبعد التراويح يتواصلون مع جيرانهم.. وعند العصر يتبادل الجيران الأطعمة.. ويتهادون بألذ مالديهم وماقاموا بطبخه على بساطته.. ولكن الرائع في هذا التبادل كان متعة تذوق طعام الجيران.. وكيف يحضرونه في تبسي وفي صحون متعددة قبل أن يعرف الناس الحافظات وطرق تغليف الطعام.. ولا تنتهي الهدية بقبولها فقط ولكن بردها بهدية أخرى في اليوم التالي أو الذي يليه وفي نفس الصحون والأواني التي حضرت فيها هديتهم.. وكانت تلك الهدايا البسيطة وغير المتكلفة ومن المنزل وحسب إمكانيات الشخص المهُدي والمهدى إليه.. تُشكل ذروة التواصل الإنساني والمحبة المتبادلة بين الجيران.. وفي المساء وكانوا يسمونه الليل.. تتبادل الزيارات.. على امتداد ليالي الشهر الفضيل فكل ليلة يجتمع الجيران والمعارف في منزل.. وتظل المجموعة تدور على المنازل حتى آخر ليلة في رمضان.. ولا يفترقون إلا وقت السحور عندما كان هناك سحور فعلي.. يجلس عليه أفراد الأسرة تهيؤاً للصيام.. وفي نهاية الشهر يشعر الجميع أنّ شهر الكرم والخير يستعد لفراقهم والمغادرة ولذلك تجدهم حزانى ومتأسفين على غيابه.. ويدعون الله أن يسامحهم ويغفر لهم إن قصروا أو تهاونوا في حقوقه..! وكانوا يقولون سبحان الله رمضان خفيف وشهر مبارك لا يحضر إلا بخيره.. هو عائد ولكن نحن لا نعرف هل نعود عليه أو هل نكون موجودين إن حضر في العام القادم أم لا؟ ولذلك وقبل دخوله كانوا يقولون: اللهم بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين.. وأعده علينا يارب العالمين ونحن بخير وعافية..! يعود رمضان شهر الخير وشهر المحبة والتعاطف والتكافل ولكنه يسرع الخطى كعادته ونحن نركض معه وداخل لياليه نحاول أن نتجمل منه بمعنى نعطيه قيمته ونقدره حق قدره بالعبادات ومع ذلك نشعر أننا مقصرون.. ولم نتفرغ له.. لأننا ننشغل بأمور الدنيا ومشاكلها.. يتسحب رمضان في هدوء كظل شفاف غمرنا بنوره وروحانية آيامه ولياليه.. يحزننا رحيله.. وتؤلمنا مغادرته.. ولا نملك إلا أن ندعو السميع العليم أن يتقبل صيامنا وقيامنا ويتجاوز عن تقصيرنا الذي لم يكن مقصوداً.. سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين بعباده..!! اللهم أعدْ رمضان علينا ونحن بخير وأمان وسلام.. مع أهلنا وأحبابنا.. وتسلمه منّا ونحن مشمولين برحمتك وفضلك وعفوك وكرمك.. ياعفو.. يامن تحب العفو فأعفُ عنّا..!!
مشاركة :