بيروت- قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن لبنان يواجه أزمة سياسية واقتصادية وسيظل يعاني ما لم ينفذ إصلاحات يضعها المجتمع الدولي شرطاً لحصول لبنان على دعم يخرجه من دوامة الانهيار اقتصادي، كما أعرب عن مساعيه لـ"تنظيم مساعدة دولية" لدعم العاصمة اللبنانية المنكوبة. وأعلن من بيروت أنه سيقترح على المسؤولين اللبنانيين "ميثاقا سياسيا جديدا" لـ"تغيير النظام"، وذلك بعد وقت قصير على وصوله الى لبنان في زيارة دعم بعد الانفجار الضخم الذي دمر أجزاء كبيرة من العاصمة وقتل وجرح الآلاف. وشدد أن حضوره ليس دعما للحكومة أو للنظام بل لمساعدة الشعب اللبناني، وأضاف "إن لم يستمع لي المسؤولون سيكون هناك مسؤولية أخرى من قبلي تجاه الشعب". وأدلى ماكرون بهذه التصريحات في شارع الجميزة في شرق بيروت المتضرر بشدة جراء الانفجار والذي تفقده سيرا على الأقدام، وقد احتشدت حوله مجموعة من اللبنانيين تهتف "الشعب يريد إسقاط النظام"، ثم "ثورة ثورة" ساعدونا". ورد الرئيس الفرنسي قائلا "أنا هنا لإطلاق مبادرة سياسية جديدة، هذا ما سأعبّر عنه بعد الظهر للمسؤولين والقوى السياسية اللبنانية"، مشيراً إلى ضرورة بدء "الإصلاحات وتغيير النظام ووقف الانقسام ومحاربة الفساد". ثم قال "سأعود في الأول من سبتمبر". وأبلغ الرئيس الفرنسي حشودا من اللبنانيين الغاضبين في وسط العاصمة بيروت بأن الدعم الذي ستقدمه باريس لبلادهم لن يذهب إلى "الأيدي الفاسدة" وإنه يريد اتفاقا جديدا مع السلطات السياسية. وقال للمحتجين في وسط بيروت بعد يومين من الانفجار "أضمن لكم هذا- المساعدات لن تذهب للأيدي الفاسدة". وصرح ماكرون فور وصوله الى مطار بيروت أن "الأولوية اليوم لمساعدة ودعم الشعب من دون شروط. لكن هناك مطلب ترفعه فرنسا منذ أشهر وسنوات حول إصلاحات ضرورية في قطاعات عدة". وأشار خصوصا إلى قطاع الكهرباء الذي يُعد الأسوأ بين مرافق البنى التحتية المهترئة أساساً، وكبّد خزينة الدولة أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990). وأضاف أنه يتمنى إجراء "حوار صادق" مع المسؤولين اللبنانيين، "لأنه بعيداً عن الانفجار، نعلم أن الأزمة خطيرة وتنطوي على مسؤولية تاريخية للمسؤولين"، متابعا "في حال لم تنفذ الإصلاحات، سيواصل لبنان الغرق". وماكرون أول رئيس دولة يزور لبنان بعد الكارثة التي وقعت ليعاين وضعا "كارثيا" مع مقتل ما لا يقل عن 135 شخصا وإصابة خمسة آلاف بجروح وفق حصيلة لا تزال مؤقتة، فيما لا يزال العشرات في عداد المفقودين وبات مئات الآلاف فجأة بدون مأوى ولا موارد جراء الانفجار. واستقبل الرئيس اللبناني ميشال عون نظيره الفرنسي في مطار رفيق الحريري الدولي. وبعد جولته الميدانية، عقد ماكرون ثلاث اجتماعات مع كل من عون ورئيس الحكومة حسان دياب ورئيس مجلس النواب نبيه بري، في القصر الجمهوري في بعبدا قرب بيروت. وهو يلتقي حاليا ممثلين عن الأحزاب السياسية والمجتمع المدني. وسيعقد مؤتمراً صحافياً قبل مغادرته. وعبّر لدى خروجه من قصر بعبدا عن أمله في "أن تجرى التحقيقات في أسرع وقت في إطار مستقل تماما وشفاف ليكون في الإمكان معرفة ما حصل وأسباب الانفجار". وقال إنه أحسّ "بوجود غضب في الشارع"، مشيرا الى أنه تحدث مع عون وبري ودياب بموضوع "الأزمة السياسية والأخلاقية والاقتصادية والمالية المتواصلة منذ سنوات بكثير من الصراحة". وقال محافظ بيروت مروان عبّود "إنّه وضع كارثي لم تشهده بيروت في تاريخها"، وأضاف "أعتقد أنّ هناك بين 250 و300 ألف شخص باتوا من دون منازل، لأنّ منازلهم أصبحت غير صالحة للسّكن"، مقدّراً كلفة الأضرار بما بين ثلاثة وخمسة مليارات دولار، في انتظار صدور التقارير النهائيّة عن المهندسين والخبراء. وأشار المحافظ إلى أنّ "نحو نصف بيروت تضرّر أو تدمّر". ولا يزال العشرات في عداد المفقودين بحسب الحكومة فيما تواصل فرق الإغاثة عمليات البحث على أمل العثور على ناجين. ونجم الانفجار عن حريق اندلع في مستودع تخزن فيه منذ ست سنوات حوالي 2750 طنا من نيترات الأمونيوم "من دون أيّ تدابير للوقاية"، بحسب السلطات. وطلبت الحكومة اللبنانيّة فرض إقامة جبريّة على كلّ المعنيّين بملفّ نيترات الأمونيوم، تزامناً مع فتح تحقيق في الواقعة. وكان ماكرون تفقد موقع الانفجار حيث قال له ضابط من فريق الإنقاذ الفرنسي الذي يساعد الفرق اللبنانية على البحث عن ناجين، إنه لا يزال هناك أمل بالعثور على ناجين. وقال الكولونيل فنسنان تيسييه "نعتقد أنه لا يزال هناك أمل بالعثور على ناجين"، مشيراً إلى أن البحث مستمر "عن سبعة أو ثمانية أفراد مفقودين يفترض أن يكونوا عالقين" في قاعة تهدمت جراء الانفجار. وأجريت الخميس مراسم دفن لعدد من ضحايا الانفجار. في الوقت ذاته، يواصل سكان بيروت وعدد كبير من الشبان والشابات المتطوعين تنظيف شوارع العاصمة في ظل غياب تام لأجهزة الدولة. وهم يجمعون قطع الزجاج المتناثر في كل مكان، ويقومون بإصلاحات لتعود بعض الشقق قابلة للسكن. وينشط كثيرون لتقديم مساعدات غذائية وأساسية. ويُعتبر هذا الانفجار الأضخم في تاريخ لبنان الذي شهد عقودا من الاضطرابات والحروب والتفجيرات والأزمات. وقال وزير الخارجية اللبناني شربل وهبه الخميس إنه تمّ إنشاء لجنة تحقيق "عليها أن تقدم تقريرا خلال أربعة أيام حول المسؤوليات"، مضيفا "ستكون هناك قرارات قضائية". نقمة شعبية وجاء الانفجار وسط أزمة اقتصاديّة خانقة لم يشهد لها لبنان مثيلاً في الحقبة الحديثة، تفاقمت مع انتشار فايروس كورونا المستجد الذي أدى إلى فرض الحجر لأكثر من ثلاثة أشهر على اللبنانيين. كما وقعت الكارثة في ظل نقمة شعبيّة على كلّ الطبقة السياسيّة التي يتّهمها المواطنون بالعجز والفساد، فأججت غضباً متصاعداً تجلّى خصوصاً عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وبدا واضحاً أنّ الإهمال هو السبب الأول للانفجار، ما أثار غضب اللبنانيين الذين يتداولون على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ "علقوا_المشانق"، مطالبين بمحاسبة جميع المسؤولين. وأرسلت عدة بلدان من ضمنها فرنسا فرق إغاثة ومعدات لمواجهة الحالة الطارئة بعد الانفجار الذي دمر المرفأ وقسما كبيرا من العاصمة وقالت السلطات اللبنانية إنه نتج عن حريق اندلع قرب مواد مخزنة شديدة الانفجار. من جانبه، أعلن البنك الدولي استعداده لحشد موارده لمساعدة لبنان، حسب بيان صادر عنه الأربعاء. وبعد ظهر الأربعاء، جمع رئيس الحكومة الفرنسي جان كاستيكس الوزراء الأساسيين في حكومته والمعنيّين بـ"تنسيق كلّ المساعدات ومواد الإغاثة" إلى بيروت. ووصلت إلى بيروت مساعدات من الكويت، كما عرضت ألمانيا أيضا تقديم المساعدة. من جهتها، بعثت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية رسالة تعزية إلى الرئيس اللبناني عبّرت فيها عن "حزنها الشديد" لما حصل في بيروت. وأمر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بتجهيز مستشفى عسكري ميداني لإرساله إلى لبنان. وستُرسل الجزائر إلى لبنان أربع طائرات وباخرة تحمل مساعدات إنسانيّة وفرقًا طبّية ورجال إطفاء وأغذية ومواد بناء، حسب ما أعلنت الرئاسة الجزائريّة في بيان مساء الأربعاء. بدوره، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي افتتاح مستشفى ميداني في العاصمة اللبنانية.
مشاركة :