كانت البيئة الدمشقية مصدر إلهام للفنان التشكيلي السوري فريد شنكان، فقد جسّد رؤيته الجمالية عن طريق التداخل بين الخط والتشكيل. ومن خلال أعماله احتضن روح الحارات الدمشقية العريقة، وجسّد حضاراتها بهدف توثيق التراث الدمشقي، فرسم بصمته الخاصة. ميس العاني دمشق - تأثر الفنان التشكيلي السوري فريد شنكان بالطابع الحضاري والمعماري لمدينته دمشق، فحضرت بقوة عبر إبداعاته الفنية المختلفة من خلال موروثاتها الزمانية والمكانية، والتي تمثل إرث المدينة السورية بكل تفاصيلها من حارات وشوارع وأزقة ضيقة وجدران. ويؤكّد شنكان أن دمشق القديمة جمعت كل الفنون، حيث يلتقي فنا الرخام والنحت بالحجر وبالأبلق والأملق وشكل أحجار برك الماء ونوافيرها وزخرفة ونقش سقوفها وجدرانها المتناوبة الألوان في بيوتها القديمة. ويرى الفنان أن كل هذه الفنون العريقة والموجودة في دمشق تعطي الإنسان الدمشقي والسوري وحتى الأجنبي الذي يقطن فيها بعدا روحيا وصوفيا لا يوصف، ككنز يملأ ذاكرته مدى الحياة ويمنحه الطمأنينة والسكون. وشنكان الذي تعلم الخط العربي والزخرفة قبل أن يدرس الفن التشكيلي أكاديميا، يجد أن دراسة الفن لا تصنع فنانا رغم أنها تسهم في إعطائه الخطوط الأولية من خلال نصائح وتوجيهات الأساتذة، مشيرا إلى أن على الطالب الدارس للفن التشكيلي بدوره أن يكمل الطريق بنفسه من خلال تجاربه الطويلة وممارسته اليومية للفن ومواصلة البحث عن مكامن الإبداع والتميز، وأن يعرف نقاط قوته ويرمّم نقاط ضعفه. وعن الأسماء التي تأثّر بها يورد فنانين راحلين مكرّسين من فاتح المدرس ونذير نبعة، فضلا عن عفيف بهنسي وحسن كمال اللذين كان لهما الفضل بتعرّفه على التراث الشامي والأندلسي. ويشير الفنان الدمشقي إلى أن الفن التشكيلي والفن التراثي يعتمدان على مهارة اليد والفكر، ولكن لكل فن وظيفته وتأثيره المختلف على الروح والعين، والفارق هو الصانع والفنان الموهوب والمبدع وحب الفنان وعشقه لما يرسم أو يصنع. وعن الفنان ومنجزه يقول الناقد التشكيلي أديب مخزوم “اللوحة تحقق عند شنكان أسلوبا خاصا، حتى في أقصى حالات الاختصار والإيجاز، ويصل إلى درجة الإحساس بروح التراث والتشكيل الزخرفي، والجمع في نهاية المطاف بين العناصر والرموز والدلالات الذاتية في إيقاعاتها الجمالية المتنوعة، وقد استطاع خلال تجربة طويلة، تنقّل خلالها بين إيطاليا والعديد من البلدان العربية، كشف غنى حركة الزخارف العربية، وقدرتها على التواصل مع تطلعات الحداثة التشكيلية، وبذلك فهو يتطلّع دائما إلى بناء لوحة تلامس جوهر التراث، كما أن الطابع الثقافي يعمّق مرتكزات بحثه التشكيلي والجمالي والتقني، فالتشكيل بالنسبة له مدخل لالتماس جوهر الإيقاع الزخرفي”. ولا ينكر فريد شنكان أن خبرته الطويلة وعشقه لفن الزخرفة الشامية والتراث ساهما بشكل أساسي ورئيسي في بناء وتشكيل لوحته التشكيلية لاحقا، وهذا ما يظهر جليا في أعماله التشكيلية التعبيرية، حيث استفاد من الموروث التراثي السوري بما يشكله من رسوم ورموز وألوان في بناء العمل التشكيلي”. ويؤكّد أن على الفنان التشكيلي أن يتميّز من خلال خصوصيته واستفادته من موروثه التراثي والثقافي المتنوع. ولكن يبقى النص البصري وطريقة نسجه وتوزيع مفرداته هو العامل الأساسي والإبداعي، لذلك عمل على توظيف تراث دمشق ودمجه في معالم وتكوين نسيج لوحته التشكيلية والتعبيرية لكي لا يكون صدى لفنانين عالميين آخرين ولكي يضع بصمته التي تميزه عمّن سواه ويكون مؤثرا لا متأثرا قدر ما استطاع. وعن الرسم والألوان يقول “الرسم عندي يشبه الفصول الأربعة بألوانها المتنوعة، فلكل لون حكاية ورمز وفرح وحزن، وصوت ورؤى، ولكل موضوع ألوانه التي تتناسب معه، فأحيانا أجد التعبير باللونين الأبيض والأسود يخدم موضوعي الحزين أكثر من الألوان الأخرى، وفي أعمالي الفنية استخدمت جميع تقنيات الرسم والألوان المختلفة، كالأكريليك والألوان الزيتية والفحم والألوان المائية، وأحيانا ورق الذهب والفضة، إضافة إلى أن اللوحة البيضاء تعدّ بالنسبة لي المساحة المقربة للانغماس في عالمي الخيالي، التي أزرع فيها كل خواطري وأحلامي، فلوحتي هي الأنثى التي أبوح لها بهواجسي ومكنوناتي من دون أن تشتكي أو تتذمّر مني؛ إنها ملاذي دوما”. والفنان فريد شنكان من مواليد دمشق عام 1963، حاصل على بكالوريوس فنون جميلة جامعة دمشق عام 1986، وهو عضو في اتحادي الفنانين التشكيليين السوريين والعرب، واختصاصي في الترميم الزخرفي الشامي وأعمال الأرابيسك الدمشقي والشرقي وخبير في أعمال التراث العربي وفنونه المختلفة وفي أعمال الفسيفساء الرخامي من كبرى الشركات الإيطالية، شارك في العديد من المعارض التشكيلية داخل سوريا وخارجها وأعماله مقتناة في العديد من دول العالم.
مشاركة :