"غري1" فنان غرافيتي فرنسي يستلهم جماليات اليومي بقلم: أبو بكر العيادي

  • 6/12/2017
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

غري1 فنان غرافيتي فرنسي يستلهم جماليات اليومي“غري1″ (واسمه الحقيقي ليونيل) هو فنان غرافيتي فرنسي من جماعة “دامنتال فابورز″، فيها أدرك نضجه الفني، ودعّم رؤيته للعالم والمجتمع والفن، استعمل فن الشارع ليمرر رسالة إيجابية ويجمّل المعيش اليومي، لاعتقاده بأن الفن علاج ضد هذا العالم الذي غالبا ما يتسم بالسآمة والملل.العرب أبو بكر العيادي [نُشر في 2017/06/12، العدد: 10661، ص(16)]رسوم ملونة، صادقة وإيجابية بدأ “غري” (ومعناه رمادي) الرسم عام 1996، ولكنه استوى فنانا منذ عام 2012، كانت البداية في المعهد ساذجة، لا تتعدى رسم أشكال ذات ألوان غير متناسقة، ثم صار يخط في الأماكن العامة رسوم الغرافيتي، ولو بطريقة غير شرعية، مستهديا بما يرسمه الآخرون، كَتران، وسيك، قبل أن يتعرف على فنانين متمرسين في فن الغرافيتي أمثال: ليك، سوات، جاو، ريش، أونيكز وبيك الذين أسسوا مجموعة “دافنتال فابورز” عام 1999، فانضم إليهم عام 2004 وشاركهم في رسم بعض الجداريات في مدينة شارلروا البلجيكية. ومنذ ذلك التاريخ، بات “غري1” (واسمه الحقيقي ليونيل) يلتقي بهم في نهاية كل أسبوع لرسم جداريات بطريقة مشروعة، أي مسموح بها، على جدران الفضاءات والمؤسسات المهملة في الضواحي الباريسية، وهو يجهد لكسب ثقة الجماعة فيه من جهة، ومن جهة أخرى يسعى إلى تملّك أسلوب يميزه عن رفاقه. ويستمد “غري1” أسلوبه مما يسميه قاعة لعب، ملآنة بالوجوه المبتسمة و”النقانق-الوسائد” واللعب، ما يجعله أقرب إلى الرسوم التي تزين جدران رياض الأطفال، حيث الألوان الزاهية والمواقف المرحة. وبعد أن كان يكتفي برسم تشكيلات غرافيتية تعتمد أساسا على ألوان يوقعها باسمه، انتقل إلى أعمال تعبر عن إحساسه بما حوله (المجتمع، الاستهلاك، الفن…) يقترح من خلالها رؤية للعالم يطمح إلى نشرها بين الناس، لاقتناعه بقوة الرسائل الإيجابية التي يمكن نقلها عبر الفن. تلك الرؤية يمررها عبر لوحاته وجدارياته، وعبر الإعدادات التي يقوم بها مع صديقه ريجيس تيريز، والتي تسمح له بالتعبير عن ولعه بفنون الشارع، المعروضة على الناس مجانا، في شكل حوار ثلاثي الأبعاد، كما يقول. تلك الفنون التي انطلقت في نطاق السرية، ساعية إلى فرض وجودها في الدهاليز المظلمة، والخرائب والمؤسسات المهجورة، وحيطان الأنفاق والجسور والأرصفة، متحدية القوانين الإدارية، والتتبعات القضائية، ولما كسبت الرهان، وفرضت نفسها على المشهد العام، ظلت وفية للشارع، نافرة في الغالب من المتاحف والمعارض. ويتحدث الرسام الفرنسي عن مقاربته الفنية، فيقول “تبدأ فكرة، ثم خربشة على جذاذة، ثم تتحول إلى تخطيط عاجل، قبل أن أنتقل إلى طور الإنجاز، فأحاول الوصول إلى فكرة الانطلاق”. وفي رأيه أن كلَّ لوحة رهان، لا يضمن النتيجة حتى وإن نالت إعجابه، لأن رضاه عنها قد لا يستغرق وقتا طويلا، يمر بعده إلى مشروع جديد، يقابله المقابلة نفسها، أي أنه في استنفار متجدد، لا يهدأ إلاّ إذا كان العمل ملبيا لما راود في البدء خياله، معبرا بطريقة مثلى عن رؤيته العامة.رسوم تتسم بالألوان الزاهية ومنذ وقت قريب، صار يميل إلى مزج المحامل لإنجاز عمل فني واحد، حتى لا يعمل على مساحة وحيدة مسطحة، لكي ينجز أجزاء تشكل مجتمعة لوحة واحدة، وهو أسلوب يسمح له بتمرير عدة أفكار، ويمنحه نصيبا أوفر من الحرية يناسب مزاجه. وبالطريقة نفسها، صار يقبل على الجدران كما يقبل على لوحاته، إذ يعمد إلى تقسيمها إلى أجزاء، حتى يخلط في الجدار الواحد عدة أفكار، وعدة تقنيات، وعدة أساليب، ويجرب أخلاطا من الألوان، مع الحرص الدائم على تناسق المنظر العام وانسجام عناصره. ورغم مساهمته أحيانا في بعض المعارض، يعترف “غري1” بأن الشارع بالنسبة إليه يظل وسيلة تحقيق متعة خاصة، فلا رهان في الشارع ولا حدود، لا سيما أن فنون الشارع زائلة، يمكن فسخها وطمسها وتغطيتها في كل آن، ولكن رغم كونها منذورة للزوال، فلها تأثير كبير، لأنها تتوجه إلى الناس مباشرة. وخلافا للأعمال المنجزة في المراسم، يعتقد “غري1” أن تلك الأعمال، على قصر عمرها وحتمية زوالها، تتطلب منه جهدا أكبر، وتأملا أعمق، وإن تبادر إلى الأذهان أن نصيب الارتجال فيها أوفر، وفي رأيه أن الفرق بين الرواق والشارع أن العمل الفني يُعرض في الأول، ويُفرض في الثاني، حتى وإن أنجز في العام مئة جدارية في الفضاء العام، وعشرين لوحة في مرسم أو ورشة. وبفضل “غري1” وسواه، أضحى فن الشارع من بين الحركات الكبرى للفن المعاصر، لما فيه من مواقف معبرة، وحرية فردية يمارسها من يشاء كما يشاء، دون المرور بالمؤسسات الأكاديمية ولا بالأروقة والمعارض والمتاحف، أو الهيئات المالية الممولة. والغرافيتي، كما يقول “نزعة إنسانية تعبر عن ذاتها، تتخذ لها وسائل الانعتاق والتحرر، وتنقل رسائل تدفع إلى التأمل، وتعيد النظر في بعض الرموز، ولكنه يبقى بعيدا نسبيا عن المتاحف، إلا ما ندر”. وغاية ما يطمح إليه بعض دعاته المساهمة في بعض المعارض، وتخصيص عائداتها لمساعدة الفقراء، على غرار ما قام به “غري1” يوم 20 مايو الماضي، حيث شارك في معرض جماعي نظمته “غاليري وولوركس” رصدت مبيعاته لفائدة جمعية إماووس الخيرية.

مشاركة :