الجزائر - ظهرت بوادر وقوف فصيل إخواني خلف مبادرة سياسية ينتظر أن يتم إطلاقها في الجزائر في الأيام المقبلة بهدف كسر الجمود الذي يخيم على المشهد في البلاد منذ الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر الماضي، وهو ما يوحي إلى لونها السياسي والأيديولوجي الذي سيعمل على ملء الفراغ في الساحة المحلية. ودفع عبدالقادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني والمرشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بنفسه إلى طليعة الشخصيات التي هندست مبادرة “القوى الوطنية للإصلاح”، والتي من المنتظر الإعلان عنها رسميا خلال الأيام القليلة القادمة، لتكون بذلك أول حصاة ترمى في بركة المشهد السياسي الجزائري الراكد. ومنذ تعليق الحراك الشعبي لاحتجاجاته السياسية في شهر مارس الماضي، تعيش الساحة السياسية في الجزائر ركودا غير مسبوق. فبالرغم من الوضع المقلق الذي أفرزته جائحة كورونا في الجبهتين الاجتماعية والاقتصادية، إلا أن الجدل انحصر بين السلطة وبين معارضة افتراضية، خاصة في ظل تلون الأزمة التي تتخبط فيها وأخذها لأشكال متعددة. ويبدو أن القوى السياسية التقليدية التي تلقفت عظمة مشروع الدستور الجديد، للتعبير عن مواقفها لم تخرج عن التصنيفات التاريخية لها، ولو أن الجائحة الصحية عطلت ميلاد بعض التحولات، كبروز تحالفات متجددة بين السلطة وجزء من الإخوان، وإمكانية استقطاب أعرق أحزاب المعارضة (جبهة القوى الاشتراكية) إلى معسكر السلطة. وإذ احتفظت أكبر الأحزاب الإخوانية (حركة مجتمع السلم)، بأسلوب العصا والجزرة في التعامل مع المشهد الذي أفرزته الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فإن الفصيل الذي يقوده القيادي المنشق عنها عبدالقادر بن قرينة، يتجه لتحريك مبادرة تكون أكثر عملية من خلال جمع شتات نحو 50 فاعلية سياسية ومدنية ونقابية، لتشكيل “مبادرة القوى الوطنية للإصلاح”. ويبدو أن المبادرة تتهيأ لتكون خطا ثالثا أو نقطة لالتقاء السلطة وقوى الحراك الشعبي، بتبنيها لأفكار ومطالب الاحتجاجات السياسية للشارع الجزائري، ولمخرجات الاستحقاق الرئاسي الذي أفرز عبدالمجيد تبون رئيسا للجزائر. وذكر بيان المبادرة الذي اطلعت عليه “العرب” أن “الجزائر تعيش مرحلة هامة في تاريخها، صنعت معالمها الهبة الشعبية والحراك السلمي الحضاري الذي عبر عن تطلعات الشعب الجزائري بكل مكوناته وفئاته، نحو تغيير حقيقي يجسد آمال الأجيال الصاعدة نحو مستقبل أفضل وآمن للبلاد”. ورغم جدية التصورات المعبر عنها في بيان المبادرة، إلا أن فرضية انتهاز الفرصة تحسبا لمستقبل واعد بين السلطة والمجتمع المدني، بعدما عبر الرئيس تبون عن عدم حاجته لحزام سياسي داعم ولا إلى حزب خاص، وأن المجتمع المدني هو الذي سيكون شريك السلطة في المستقبل. ويبدو أن السلطة في الجزائر تتجه إلى سحب البساط من تحت أقدام الطبقة الحزبية لصالح الجمعيات والمنظمات الأهلية والنقابات، وهو ما يكون قد حرك وجوها حزبية وسياسية إلى الانخراط في مشاريع مدنية من أجل البقاء في موقع الشريك، رغم ما للخطوة من مخاطر تكرار تجربة نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، الذي أحاط نفسه هو الآخر بنسيج من المكونات الحزبية والمدنية إلا أنه لم يسلم من غضب الشعب المنفجر في فبراير 2019. وأعلن البيان بأن المبادرة تهدف إلى “بناء إطار للقوى النزيهة الوفية للثوابت الوطنية المؤمنة بالتحول الديمقراطي الآمن، والمسار الدستوري وحماية مكتسبات الحراك الشعبي وتجسيد تطلعاته، وإلى ضمان تحصين هوية الأمة وتعزيز الوحدة الوطنية ودعم المكاسب الديمقراطية، وحماية النسيج المجتمعي الوطني وتعزيز تماسكه وتجريم محاولات تمزيقه، والتكفل بالوضعية الاجتماعية للمواطن وتبعات الأزمة الصحية جراء وباء كورونا وإنعاش الاقتصاد الوطني، فضلا عن حماية التماسك والوحدة الوطنية”. وحمل العديد من المفردات والأفكار التي كان قد عبر عنها في عدة تصريحات، رئيس حركة البناء الوطني الإخوانية والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية عبدالقادر بن قرينة، لاسيما في ما يتعلق بالمساهمة في معالجة الوضعية الاجتماعية والاقتصادية التي خلفها وباء كورونا والأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد. وإذ لا زالت الحكومة تحظر الأنشطة السياسية والثقافية والفنية في الأماكن المغلقة، فإنه يجهل مصدر الترخيص الاستثنائي المنتظر أن تحصل عليه المبادرة لعقد ندوتها الأولى في الحادي عشر أغسطس الجاري، لينضاف بذلك إلى الاستفهامات التي طرحت في وقت سابق حول الجهة التي باتت ترخص للبعض وتمنع البعض الآخر، كما حدث مع أحزاب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة القوى الاشتراكية، التي نظمت مؤتمرات لتجديد قياداتها، في حين حظرت قوى البديل الديمقراطي المعارض من عقد ندوات سياسية مماثلة. وباتت الاستفادة من رخصة التنظيم أو الحرمان منها معيار العلاقة مع السلطة والفصل بين ما هو مقرب منها وبين ما هو معارض لها، وينتظر أن يكون هو المؤشر الأول لهوية مبادرة قوى الإصلاح الوطني الجديدة.
مشاركة :