يجب أن يعرف السائل والناقد والطارح أن هناك آدابًا يجب التحلي بها وحدودًا يجب الوقوف عندها، وأن هذا الفقه ليس مجرد قراءة للدليل والتلفظ بمنطوقه بل قبل ذلك أتعب الأئمة أجسادهم وأفنوا أعمارهم وأوقاتهم لوضع ضوابط وأصول للاستنباط والكلام في الفقه.. جميلٌ أن ترى في شباب المسلمين ومثقفيهم ووجاهاتهم من يهتم بأمور الدين، ويناقش فقهيات الشريعة من زاوية "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"، وهذا ما يعطي مؤشراً إيجابياً على أفول ظاهرة احتكار الفقه في إطارات مذهبية أو تعصبية، ولكن المقلق هو تناول تلك الفقهيات لجعلها ميزانًا يقاس به الإسلام من حيث ثبوته كشريعة سماوية منزلة من رب العالمين، وهو الأمر الذي جعلت عنوان هذا المقال يشير إليه كمثال، فوجود ثمرة غريبة الشكل والطعم منفصلة عن أي شجرة، يمنعك بل ويعجزك أن تقول هذه الثمرة من هذه الشجرة، ولكن حين تجد الشجرة والثمرة عليها لا تستطيع أن تفصل بينهما في النسب، وفي الإسلام فقهيات كثيرة وأحكام مستنبطة كثيرة جدًا، وبأدنى نظر تعرف تلك الأحكام والفقهيات التي لا تتردد في نسبتها إلى الإسلام فهي منه ولا شك، وبمجرد لمح النظر إليها ينشرح بها الصدر وتجد آخذها غير متكلف لتتبع إثباتها واستنباطها وقياسها من أدلة الشرع وأصوله، ومن ذلك مثلًا ما تسامح الفقهاء والمحدثون في عدم التدقيق في أسانيده كالأذكار المطلقة والقصص التي ترغب في الخير ولا تمس الأحكام والعقائد الثابتة، فلا شك أن الإسلام جاء لذلك فهي تدخل في الأصل العام له، وما كان كذلك من الأحكام والعقائد التي عليها نور الحق فإن أدلتها لا شك صحيحة وثابتة. ولكن لنتحدث عن أمر آخر وهو في السياق أيضًا، ذلك الأمر هو التشكيك بثوابت الدين وصدق القرآن والسنة من كثير ممن يتحدثون عن الأحكام لغرض التشكيك، أو ممن لم ير الشجرة أصلاً على حقيقتها ويريد أن يعيب ثمرتها، والحقيقة أنه لا ترابط ولا يثبت صدق الإسلام وأحقيته من خلال فقهيات واستنباطات الفقهاء، بل على العكس تماماً فقد تجد من الأحكام والفقهيات المستنبطة والتي قال بها فلان وفلان من الناس ما ينفر عن الإسلام ويوجِد تعارضًا ظاهرًا، وهذا ينتج عن اعتماد دليل ضعيف، أو وقع الناظر في خطأ استنباطي، ولا يعني ذلك أن الشجرة تعطي هذا الثمر السيئ أو أن الإسلام هذه أحكامه، وقبل النظر في فقهيات الإسلام وأحكامه -وهي التي تأخرت كثيرًا في مراتب التنزيل- فهناك آيات وبراهين النبوة التي يجب أن تنظر حتى ينشرح الصدر بالإسلام وتنبثق أنوار الهداية في سبيل السالك، وحينها تناقش بعض الفقهيات التي اختلف فيها المسلمون على أساس فلان أخطأ وفلان أصاب، وليس على أساس؛ التشكيك في الأصل، أو اعتقاد أن الأدلة متناقضة، فالأدلة ولا شك؛ القرآنية منها أو الحديثية، لا تتعارض أبدًا، وعندنا الأصل: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا)، فما قد يراه الناظر متعارضًا أو متناقضًا فيعود إلى طبيعة نظره للأدلة أو قصور فهمه لمدلولها، وعلى هذا الأساس يجب أن يتعامل المسلمون؛ فقهاء؛ وعلماء؛ ومثقفون؛ وغيرهم فيما بينهم عند انتقاد خطأ المستنبط أو بيان فقه حديث، ولا يلزم أن من أبدى إشكالاً أو سأل عن حكم يكون مريدًا للتشكيك والطعن أو تغيير الأحكام، ولكن يجب أن يعرف السائل والناقد والطارح أن هناك آدابًا يجب التحلي بها وحدودًا يجب الوقوف عندها، وأن هذا الفقه ليس مجرد قراءة للدليل والتلفظ بمنطوقه بل قبل ذلك أتعب الأئمة أجسادهم وأفنوا أعمارهم وأوقاتهم لوضع ضوابط وأصول للاستنباط والكلام في الفقه، ولا يعني ذلك أن نقول للمتكلم لا تتكلم، بل نقول له اقرأ واطّلع على أقوال ومذاهب هذا الشأن، كما تتطلع على أقوال ومذاهب أي علم، فإنك لا تستطيع أن تتكلم في الفيزياء ولا في الكيمياء ولا ولا إلا بمعرفة ودراية وسبر، وتريد أن تكون فقيهاً عالماً بتغريدة؟!
مشاركة :