نظرية «الوناسة».. وأمل التنمية - مقالات

  • 1/2/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لن تتقن أي عمل ما لم تكن مستمتعاً بأدائه... هذه القاعدة يفهمها جيداً كل من لهم صلة بقطاع الأعمال، ويعلمون مدى جدواها في تحقيق النجاح المنشود من أي عمل، وعلى أساس هذه القاعدة تم ابتكار نظرية متقدمة جداً تسمى Gamification، أو «نظرية التلعيب»، هذه النظرية هي التي تحوِّل استخدام أي سلعة إلى «لُعبة» ومتعة لينجذب إليها مقتنو تلك السلعة ويتفاعلوا معها، وأحياناً يدمنون عليها! هذا الأسلوب في الترويج، والتحليق بعيداً عن المألوف والمعتاد، لم يقف عند أصحاب الأعمال وحدهم، لكن لحقهم فيه السياسيون، بهدف كسب مزيد من التأييد من جانب أنصارهم، أو لـ «تحشيد» الجماهير، ربما من أجل «الدعاية» لمشاريعهم المشروعة... و«التطبيل» للمشاريع التي تكون غير مشروعة أحياناً! ولكن هل تعلم كيف يستخدم الساسة هذه الإستراتيجية، أعني إستراتيجية «التلعيب» (أو «الوناسة» في لهجتنا) لتحقيق أهدافهم غير المشروعة؟ قبل أن نجيب عن هذا السؤال، دعونا نتطرق إلى نظرية من نظريات التلعيب، لنعرف كيف تعمل هذه النظريات، وكيف تجذب الناس ناحيتها. اطلعت على نظرية Octalysis، وهي لشاب أميركي يدعى يو كاي تشاو YU-KAI CHOU، وهي نظرية تثبت أن أغلب المشاريع الناجحة ذات الشعبية تستخدم «التلعيب» لجذب جمهورها... لنبدأ على سبيل المثال مع عملاق التواصل الاجتماعي Facebook، حيث تفسر النظرية أن سبب نجاح هذا الموقع هو تركيزه على ثلاثة مبادئ من مبادئ النظرية الثمانية، وهذه المرتكزات الثلاثة هي، أولاً: شعور المستخدم بأنه يملك شيئاً ما من خلال إنشاء صفحته الخاصة. وثانياً: قدرة المستخدم على الوصول إلى أناس يعرفهم، أو أماكن قريبة منه وعرض صفحته عليهم. وأخيراً: الحرص على عدم فقد مميزات الموقع المختلفة، والخوف من تحوله من موقع مجاني إلى موقع ذي مقابل مادي في المستقبل. هذه المبادئ الثلاثة وغيرها، مثل الشعور بالإنجاز، وزيادة أعداد المتابعين، والحصول على تميز أكثر، والشعور بأنك تستخدم أداة لم يصل إليها الملايين، وحب المغامرة في خوض القادم من هذه التجربة، والشعور بالقيمة من تجاوب الناس معك... كل هذه الأبعاد كونت نظرية تشاو، وكانت مبرراً لنجاح موقعي Facebook و Twitter في اجتذاب كثير من المتابعين لهما من كل أنحاء العالم. ولم يقف الأمر عند «فيسبوك» و«تويتر» فقط، بل يمكن القول إن 70 في المئة من أغنى 500 شركة في العالم تستخدم منهجية «التلعيب» في أعمالها. نعود إلى السؤال المطروح في بداية المقال، وهو: هل يستخدم السياسيون هذه المنهجية في إنجاح مشاريعهم «السياسية» وتحقيق أهدافهم؟ في الواقع: نعم، سواء شعروا بذلك أو لم يشعروا... إن أكثر الفئات انجذاباً إلى «اللعب» هم الشباب وصغار السن، بحكم الطاقات الجبارة الكامنة في دواخلهم، وهم الذين يمثلون - في الوقت نفسه – أنصاراً يسعى هؤلاء السياسيون إلى استمالتهم لصفوفهم، وإقناعهم ببرامجهم، لذلك فإن «التلعيب» سيكون مقبولاً أكثر من هذه الفئة (الشباب)، خصوصاً عندما يشعرون بقيمتهم، وتأثيرهم في توجيه صانع القرار، وشعورهم بالمسؤولية... لقد أدركت بعض التجمعات الحزبية «الراديكالية» أهمية مشاركة الشباب في الشأن العام، بوصفهم إحدى دعامات – بل أهم دعامات – المواطنة، وديموقراطية المشاركة، ولما لهم من دور في تجديد الدماء في شرايين أي نظام سياسي واجتماعي، فعمدت إلى خلق «إطار» سياسي يجمعهم، وراهنت على المبادئ المذكورة أعلاه، لاستقطابهم، حتى سمعنا كثيراً عن أن هذا الحزب «دولة داخل دولة»، والأمر طبعاً ليس كذلك بالمعنى الحقيقي، لكن الإطار والمسؤوليات وحبكة «اللعب» التي انشأها هذا الحزب، أو ذاك، لأعضائه، تجعلهم يشعرون بمسؤوليات معينة، وبأنهم أصحاب قرار، وبذلك يستطيع أن يحرك هؤلاء الشباب، وفق تحديات «اللعبة»، ناحية أهدافه المشروعة، وربما غير المشروعة! لذلك نجد أكثر أعضاء الجماعات الراديكالية من الشباب، ويملكون قرارات مصيرية لا يمكن لهم أن يملكوا اتخاذها في العالم الواقعي. هناك أمثلة كثيرة لـ «التلعيب» في العالم، أسهلها هو انغماس الشباب في الرياضة، وأسوأها ما يحدث من استغلال الأطفال في أعمال السرقة والتسول وترويج وجلب المخدرات، والانخراط في أعمال تدمر طفولتهم، وتقضي على مستقبلهم، وكل ذلك يتم في إطار من «التلعيب»، الذي يعد المحفز النفسي الأول لجذب الشباب بإرادتهم. إن توسيع استخدام نظرية «الوناسة!» في مختلف المجالات ستكون لها انعكاسات إيجابية بالتأكيد، لأنه يحوِّل أداء الأعمال إلى نوع من المتعة، فينجذب الناس إليها، بدلاً من أن تفرض عليهم، أو يُجبَروا على أدائها من دون أن تلقى قبولاً لديهم، فتبور التجارة أو يضعف المردود... وهو ما يتفق مع القاعدة التي تقول «اعمل ما تحب حتى تحب ما تعمل»، وخيرُ من فَهِم هذه القاعدة وقام بتطبيقها هم رواد الأعمال لإنجاح مشاريعهم وترويجها على الوجه الأمثل، وكما كانت الحال بالنسبة إلى السياسيين في الاقتداء بأصحاب الأعمال والسير على نهجهم، فإنه من المؤكد أن هذه القاعدة يمكن أن تنجح في مجالات أخرى غير مجال الأعمال، ومجال السياسة، في مجالات التعليم، والصحة والعمل التطوعي،... وغيرها من المجالات التي تسعى الدولة إلى تنميتها... وتحتاج إلى تلك النوعية من العزائم التي تُقبل على العمل لا يحركها إلى إتقانه وإنجازه إلا حب الأوطان، والشعور تجاهها بالمسؤولية، لتبلغ ذروة التقدم وترتقي صعداً نحو التنمية المنشودة. Nasser.com.kw

مشاركة :