بعد أسبوعين من الترقب والمشاورات والمفاوضات مع رؤساء الأحزاب والكنل البرلمانية، قرر رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي، أن يقصي الأحزاب، ويتجه لتشكيل حكومة تكنوقراط «مستقلة» عن الأحزاب. وبرر المشيشي قراره إقصاء الأحزاب في تركيبة الحكومة المرتقبة، بـ«وجود خلاف كبير بين الفرقاء السياسيين، ما لا يترك المجال لتشكيل حكومة سياسية تحظى باستقرار يسمح لها بالعمل بأريحية». وأشار إلى أن الحكومة القادمة ستكون مهمتها إنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وأولويتها المواطن، منوها بوجود إجماع على أن الأزمة التي تمر بها تونس حادّة في ظل توقعات بتسجيل مؤشرات اقتصادية سلبية خلال الفترة المقبلة. جدل ساخن داخل الساحة السياسية قرار المشيشي، مدعوم من الرئيس التونسي، قيس سعيد، ومن الاتحاد التونسي للشغل، ومن شخصيات سياسية واقتصادية وأكاديمية بارزة..إلا أن التوجه لإقصاء كل الأحزاب السياسية من التمثيل الحكومي، فجر جدلا ساخنا داخل الساحة السياسية، خاصة من طرف أحزاب الأغلبية على غرار حركة «النهضة» الإخوانية التي ترفض تشكيل حكومة كفاءات مستقلة وتدافع عن تشكيل حكومة سياسية، وكذلك الكتلة الديمقراطية التي ترى في إقصاء الأحزاب تهميشا لها. حكومة إنجاز اقتصادي واجتماعي رئيس الحكومة المكلف، هشام المشيشي، اوضح أنه وفق ّ كل المشاورات التي أجریت في ّ المدة الأخیرة تبیّن ّ أن « درجة الاختلاف والتناقض بین الفرقاء السیاسیین والأحزاب كبیرة جداّ وھذا ما لم یترك إمكانیة لإیجاد صیغة لتكوین حكومة تجمع الأطراف السیاسیة وتضمن ّ الحد الأدنى من الاستقرار السیاسي في البلاد ».. وقال «نحن نعلم أن عدم الاستقرار السیاسي خلال السنوات الأخیرة ھو من ّ أھم الأسباب التي تعیشھا تونس والتونسیون، وفي المقابل الضرورة والمسؤولیة والواجب الوطني یحتم علینا الیوم حكومة إنجاز إقتصادي واجتماعي یكون محور اھتمامھا المواطن وأولویة أولویاتھا أن تقدم له الحلول العاجلة، ومن غیر أن تكون رھینة التجاذبات والخصومات السیاسیة». هل ستوافق الأحزاب على منح الثقة للحكومة الجديدة؟ وطرحت مسألة «نيل الثقة من البرلمان»، وهل ستوافق الأحزاب على منح الثقة لحكومة تم استبعادها وإقصائها عن التشكيل؟! المشيشي ـ من جانبه ـ أعلن عن رغبته في العمل مع البرلمان كمؤسسة لا كجملة من الأحزاب، وانه يطلب دعمه لإنجاز برنامج إنقاذ اقتصادي واجتماعي .. والسؤال الأساسي اليوم هو: هل ستقبل الأحزاب الوازنة بهذه الوضعية بصفة جدية، أم أنها ستناور، أي ستمنح الثقة للحكومة القادمة مع العمل على إضعافها، وربما الاستعداد خفية لسحب الثقة منها حتى تعود المبادرة للمجلس النيابي بعد ان سلبت منه منذ إسقاط حكومة الحبيب الجملي. الكرة الآن بوضوح في ملعب الأحزاب الوازنة برلمانيا -بحسب تقديرات المحلل السياسي التونسي، زياد كريشان- فإما القبول الجدي أو التكتيكي بحكومة مستقلة أو رفضها منذ البداية والذهاب – نظريا – إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها . وداخل المشهد السياسي التونسين نجد أن بعض الأحزاب المساندة بوضوح للرئيس قيس سعيد أعلنت منذ الآن، دعمها لحكومة المشيشي، أما الأحزاب الأخرى المتحالفة مع حركة «النهضة» الإخوانية، والمطالبة في ما سبق بسحب الثقة من حكومة الفخفاخ السابقة، ستنتظر التشكيلة النهائية للحكومة المقترحة ولكن قبل ذلك ستسعى لطرح الفكرة الأساسية : فكرة حكومة مستقلة تتضمن نوعا من إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية وتضع بين قوسين إرادة الشعب وتسهم في تهميش دور الأحزاب في تسيير الحياة العامة . هل انتهى دور الأحزاب أم أنها مطالبة بتأهيل نفسها؟ ويرى «كريشان»، أن قرار هشام المشيشي يطرح سؤالا كبيرا عن الانتقال الديمقراطي في هذه المرحلة بالذات : هل انتهى دور الأحزاب أم أنها مطالبة بتأهيل نفسها لفترة انتقالية ثانية قصد استعادة دورها الطبيعي : قيادة البلاد ؟! هذا هو السؤال الجدي الوحيد المطروح اليوم فلو قلنا باستبعاد نهائي للأحزاب نكون قد ضربنا في مقتل الديمقراطية والانتقال الديمقراطي ونكون قد دخلنا في أحسن الأحوال في نوع من الحكم المركزي الذي يمثله رئيس الدولة مع دور ثانوي للغاية للبرلمان وهذا يستوجب على الأقل مراجعة جذرية للنظام السياسي وهذا ما يستحيل في دائرة الشرعية الدستورية فرصة لترميم المشهد السياسي ولكن قد يكون قرار هشام المشيشي فرصة جدية لترميم المشهد السياسي بصفة عامة : الأحزاب بحكم صراعاتها المغالية وانقطاعها عن مشاغل الناس وفقدانها لثقة الجزء الأكبر من الرأي العام عاجزة اليوم عن الحكم وهي تحتاج إلى فترة تأهيل قد تمتد إلى نهاية هذه العهدة النيابية وان تتفرغ لمهامها التشريعية والرقابية في البرلمان والتقرب من الرأي العام من خلال الانتخابات الجهوية والبلدية القادمة حتى تكون قادرة من جديد في المواعيد الوطنية القادمة على استرجاع المبادرة السياسي. هل تتجه الأحزب الكبرى لـ «قلب الطاولة» وبقي التساؤل «الحائر»: هل ستقبل حركة النهضة وحلفاؤها وبقية الأحزاب بهذا المشروع الجديد شرط توضيحه وبيانه وحتى كتابته في وثيقة سياسية جامعة ، أم أن أحزابا وازنة (النهضة وحلفاؤها خصوصا) ستسعى إلى قلب الطاولة باي طريقة من الطرق، إما بوجه مكشوف عبر عدم منح الثقة لحكومة المشيشي أو بالمناورات والمباغتة كمنح الثقة ثم الإسراع بسحبها في أول فرصة بما سيعمق الفكرة القائلة بأن الأحزاب لا تعرف ممارسة السياسة إلا من بوابة المناورات والدسائس. اليوم هنالك حلان سياسيان جديان : منح الثقة لحكومة المشيشي وفق برنامج واضح المعالم ودعمها بنزاهة أوعدم منحها الثقة والذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها .. سيناريوهات منتظرة.. ماذا لو سقطت حكومة المشيشي في البرلمان؟ ربط نتيجة التصويت على حكومة المشيشي بمصير البرلمان، إن مرّت بَقي ، وإن سقطت يقوم رئيس الجمهورية بحله، مسألة تبقى محل نقاش قانوني مفتوح على كل الاحتمالات ،و في ظل غياب المحكمة الدستورية التي يمكنها حسم الأمر ، يبقى أمر البرلمان بيد الرئيس.
مشاركة :