الفكر في مواجهة الإرهاب - عبد الله بن عبد الكريم السعدون

  • 7/22/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

تجديد الفكر الديني لم يعد ترفاً بل ضرورة لضمان الأمن والاستقرار والتعايش مع الشعوب الأخرى، وقطع الطريق على داعش وغيرها ممن ينقب في التراث وفي الفكر الديني عن كل ما يساعد على تجنيد الأطفال ليصبحوا قنابل موقوتة ضد الآمنين اتصل الطالب عمر بكل براءة وعفوية على إحدى القنوات الفضائية ليشتكي من كثرة المتعاطفين مع داعش في مدرسته، لكن المذيع حاول جاهداً إسكاته وإنهاء المكالمة بل تكذيبه ونفي ما قاله الطالب مع أنه في برنامج حواري تقتضي فيه أبسط قواعد الحوار أن يستمع لوجهة نظر المتصل قبل محاولة إسكاته وتفنيد ما يقوله، ولولا تدخل الشيخ الذي وُجّه له السؤال وطلبه من المذيع أن يستمع لهذا الطالب لأنهى المذيع المكالمة وفوت فرصة أن يقول المتصل رأيه، وقد قرأت ردود أفعال كثيرة على هذه المحادثة القصيرة، فمن قائل إن مدارس التحفيظ التي تحدث عنها الطالب مكان مناسب لنمو التشدد والتطرف إلى قائل إن ما قاله الطالب لا يعدو سوء تقدير من الطالب وتعجلاً لا يعتد به وتعميماً يدل على قلة خبرة. بالنسبة لأمن المملكة تعد هذه المكالمة مهمة جداً وقد تقود إلى دراسات مستفيضة تقوم بها مراكز أبحاث متخصصة لمعرفة الحقيقة، أبحاث يقوم بها خبراء وعلماء مختصون في مجال التربية وعلم الاجتماع والأمن، دراسات تبدأ بفرضيات واستبانات تبحث عن مدى تفشي الظاهرة في كل مراحل التعليم، والنسبه المئوية لها، والأسباب المؤدية لوجودها، ومن تلك الدراسات تتخذ الحلول العلمية المناسبة لعلاج الظاهرة وتقليل آثارها على الأمن والمجتمع. وحين ننظر إلى العالم الإسلامي نجد أنه يعيش في أزمة حادة تمتد من باكستان إلى الجزائر مروراً بأفغانستان وإيران والعراق وسورية واليمن وليبيا والصومال، أي أن معظم الحروب الأهلية والقلاقل في عالمنا المعاصر هي في بلاد المسلمين والتي من أهم أسبابها التاريخية زرع عدو شرس داخل فلسطين، ووجود أنظمة دكتاتورية وصلت إلى الحكم على ظهر دبابة وصادرت الحريات وألغت كل جميل كانت تتمتع به تلك الدول مما أفرز منظمات دينية متطرفة استفادت من أخطاء تلك الأنظمة وهزائمها لتكسب المؤيدين من داخل البلاد وخارجها، وخرج من عباءة تلك المنظمات وبدعم خارجي منظمات دموية متطرفة كالقاعدة وداعش والنصرة وبوكوحرام في نيجيريا والشباب الإسلامي في الصومال، كما زادت حدة التطرف وانتشرت الطائفية بعد قيام الثورة الإيرانية التي قادها الملالي بفكرهم الضيق وسياستهم الداعية إلى التوسع على حساب دول الجوار مما أثر سلباً على كثير من الدول العربية. اتصال هذا الطالب بالمحطة الفضائية ليس سوى رأس جبل الجليد الطافي في فكر المجتمع، ومن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المحطات الفضائية يجد أن التطرف والطائفية هما المسيطران على تلك الرسائل المتداولة التي تؤجج العداء بين المذاهب رغم المحاولات لوأدها من قبل المخلصين من الكتّاب والدعاة والمسؤولين. وما تفجير المساجد على المصلين وقتل الأقارب سوى نموذج لما يمكن أن يذهب إليه التطرف والطائفية مما يحتم علينا القيام بالخطوات الآتية: أولاً. المملكة بمكانتها الروحية وقوتها المادية وثقلها السياسي هي المهيأة لتجديد الخطاب الديني في العالم الإسلامي الذي أصبح مطلباً ملحاً لا يقبل التأجيل، والدعوة إلى تجديد الخطاب الديني وتنقيته من كل ما يدعو إلى كره الآخر وتكفيره وتخليصه مما علق به من أوهام وفهم غير صحيح لعلاقتنا بالآخر وتوضيح مستجدات العصر الحاضر، وإعمال العقل وتعزيز المشتركات الإنسانية وإشاعة روح المودة والتسامح، وبناء وطن يشمل الجميع واحترام حق التعدد والاختلاف. كل هذه المعاني الجميلة التي ستسهم في تعايش المسلمين مع غيرهم في كل دول العالم مطلب ملح لكنه من أصعب الأمور لأن المنادين به قلّة من العلماء، أما الأكثرية فتؤثر الصمت وبقاء الوضع على ماهو عليه خشية إغضاب الأكثرية. تجديد الفكر بحاجة إلى جهود دولة مثل المملكة تسخر كافة إمكاناتها المادية والبشرية لنشر فكر يصب في مصلحة الدين الوطن والسلام العالمي، إن كل محاولات الإصلاح والتجديد في العالم الإسلامي لم يكتب لها النجاح لأنها محاولات فردية قامت منذ مئتي عام على يد مصلحين مخلصين في أكثر من بلد عربي، بعكس الدعوات التي تبنتها الحكومات وسخرت في سبيلها كل إمكاناتها المادية والثقافية والإعلامية والتعليمية فإنها تنتشر بسرعة وتجد من يدعمها ويتحمس لها وتصبح هي السائدة في تلك الدولة أو الدول. ثانياً. التربية والتعليم والجامعات هي أهم وسيلة لنشر الفكر وتجديده، وفي المملكة قامت الصحوة في الستينات والسبعينات الميلادية حين تم تغيير المناهج لتتوافق مع فكر القائمين على التعليم. المناهج والمعلمون هما أهم أدوات التغيير في كل مجتمع، التعليم في العالم العربي بحاجة إلى تغييرات جذرية في صياغة المناهج على المستوى المعرفي والفكري والأخلاقي والمستوى السلوكي والمهاري ومنها التفكير الناقد والتحفيز على إثارة الأسئلة والشك حتى تثبت صحة المعلومة، مع التركيز على إجراء التجارب والأنشطة للبحث عن علماء المستقبل وقادته. المناهج بحاجة إلى تقليل المحتوى وزيادة الممارسة وإدخال الوسائل الحديثة في صلب العملية التعليمية لتحبيب الطلبة في المدرسة وتقليل التسرب من المدارس في سن مبكرة. نجاح هذا المشروع الحيوي بحاجة إلى تبنيه من دول مثل المملكة ومصر لثقلهما وتأثيرهما الكبير ووجود مراجع دينية موثوقة فيهما مثل هيئة كبار العلماء والجامعات الإسلامية في المملكة، والأزهر وعلمائه في مصر، وستكون البدايات صعبة والمقاومة شديدة، لكن مصلحة الإسلام والمسلمين تحتم ذلك. التغيير ظاهرة صحية ولا يمكن أن تتغير الأحوال إلا إذا تغيرت الثقافة وتجدد الفكر وصدق تعالى حين قال في محكم كتابه: (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) تجديد الفكر الديني لم يعد ترفاً بل ضرورة لضمان الأمن والاستقرار والتعايش مع الشعوب الأخرى، وقطع الطريق على داعش وغيرها ممن ينقب في التراث وفي الفكر الديني عن كل ما يساعد على تجنيد الأطفال ليصبحوا قنابل موقوتة ضد الآمنين.

مشاركة :