كتب الأستاذ عبدالعزيز حسين في العدد الثامن من مجلة البعثة الكويتية عام 1951م مقالاً عن زيارته للشاعر فهد بورسلي فقال:"في الكويت شاعر شعبي مطبوع، هو الأديب فهد بورسلي، ولفهد هذه الأيام قصة أليمة، فلأمر من الأمور ليس الجنون على أي حال حلَّ فهد في مصح الأمراض العقلية ليقضي فيها أياماً طالت إلى شهور، حتى غدت حياته بين المجانين جحيماً لا يطاق، زرته في المصح يوم عيد الأضحى المبارك فما حمدت من حاله شيئاً، وحسبك بشخص تام العقل، مرهف الشعور، يعيش في معتقل للمجانين، ويخضع لحياة رتيبة مملة بين مناظر مؤلمة، وضوضاء صاخبة....." هذه الأسطر جزء صغير مما جاء في كتاب حمد عبدالمحسن الحمد الصادر عن دار جداول قبل أشهر تحت عنوان (فهد راشد بورسلي: شاعر الكويت الشعبي ورحلة الإبداع والتمرد والمعاناة) الذي جاء في ثمانية فصول وتناول حياة الشاعر منذ ميلاده في منطقة شرق بالكويت عام 1918م وحتى وفاته الكويت عام 1960م وقد ذكر المؤلف أن فهد بدأ قول الشعر وهو في العاشرة من عمره تقريباً عندما تشاجر مع بعض الصبية فهجاهم!! كما أشار إلى أن الشاعر أصدر أثناء حياته أكثر من ديوان الأول طبع في القاهرة عام 1952م بعنوان (السامريات والفنون للشاعر الشعبي فهد بورسلي) وديوانان آخران أحدهما صدر في عام 1954م والثاني عام 1955م إضافة إلى ديوان بصوته سجل في عام 1956م كما كان الشاعر يلقي قصائده عبر الإذاعة. وعلى الرغم بأن فهد بورسلي من الشعراء الذين برزوا في التركيز على الحياة الاجتماعية ومشاكل المواطنين والتغيرات الثقافية الطارئة وربما كان حاداً في نقده لبعض الظواهر والأشخاص إلا أن له قصائد جميلة سيارة أصبحت مادة للفنون والأغاني الشعبية ما زالت تردد إلى اليوم مثل:"سلموا لي على اللي سم حالي فراقه" و "ياهل الشرق مروا بي على القيصرية" و "يالله تجبر خاطر العشاق" و "ياناس دلوني درب السنع وينه" . وقد وصف المؤلف بورسلي في الفصل الثالث بأنه (صوت الشعب) حيث عرض تجربته الفريدة في نقل معاناة الإنسان الكويتي ورصده للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي كان شاهد عيان عليها مثل قضية تعليم البنات وقضية أزمة المياه وقضية البطاقة التموينية وغيرها من القضايا إضافة إلى بعض القصائد السياسية في حين تظل أشهر قصائده قصيدته (الدار جارت) ومطلعها: الدار جارت ما عليها شافه والحر فيها شايفٍ ما عافه بالك تكاثر صدها وإن صدت عاداتها عقب القبول انكافه والتي يرى المؤلف أنها ربما يكون كتبها في فترة أزماته الصحية وحجزه في المصح!! وفي حين اتكأ مؤلف الكتاب على نقل ما كتب عن الشاعر في المصادر والمراجع لم نجد تفصيلاً أو مناقشة تتناول السبب الحقيقي لدخول الشاعر مستشفى المجانين وهي النقطة الأهم التي يجدر تجليتها والتعليق عليها في مثل هذا الكتاب ولذا نكتفي هنا بأبيات الشاعر المعبرة عن معاناته: تعنيت للصحة أشكي انحراف نصيبي من الصحة أكبر بلا تشكيت ما بي لهم والتجيت ولا شفت منهم سوى المهزلا سعوا لي بملجا وأنا ما دريت يضف المجانين والعاجلا أقاسي السهر والخطر والعذاب إذا راعني صوتهم واعتلا تحطّمت في ذلةٍ وانتقام بعيدٍ عن الناس في معزلا
مشاركة :