مقولة الحل في الرياض وأزمة لبنان

  • 8/16/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عبارة الحل في الرياض، هذه العبارة تنتشر بين المغردين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، ومثلها مثل كثير من الكلمات التي تُصبح فيما بعد أمثالاً وحِكَما لا يُعرف غالباً أول من أطلقها أو أول من أشاعها؛ لكنها لا تزيد مع الأيام إلا تصديقاً. الحل في الرياض تُثبت الأيام مع كل حدث جديد أنها عين الصواب أو على أقل تقدير: أنها الصواب في الغالب الأعم، كما تثبت أن عكسها وهو الفشل في غير الرياض صحيح أيضا، فلا أذكر قضية عربية أو إسلامية نجحت إلا وكان سبب نجاحها الذهاب بها إلى الرياض، ولا يوجد قضية فشلت إلا لأن أصحابها اعتدُّوا برأيهم وبحثوا عن الحل بعيداً عن الرياض. وحين أقول ذلك، فالتاريخ بين يدي الجميع شاهد على صحة هذه القاعدة ابتداء من نكبة فلسطين حين اقترح الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله تعالى - عدم فتح باب اللجوء للفلسطينيين وعدم الرضوخ للإرهاب الصهيوني، وتشجيع الفلسطينيين على البقاء في مدنهم وقراهم، وإمدادهم بكل شيء يحتاجونه وهم في أماكنهم، وبذلك سوف ينجحون في دفع العدو عنهم وتحرير فلسطين من داخلها؛ لكن المؤسف أن الحكام العرب رفضوا هذه الفكرة وأصروا على إنجاح خطة الصهاينة بإفراغ فلسطين من أهلها، وبدلاً من مساعدتهم على البقاء في مدنهم وقراهم وداخل منازلهم ومزارعهم ساعدهم الحكام العرب على ترك كل ذلك للصهاينة وإسكان الفلسطينيين في مخيمات تحولت مع طول المُكث إلى مدن بائسة ظلوا يعيشون فيها حتى اليوم بينما يتمتع أعداؤهم بأملاكهم. منذ ذلك التاريخ وكل النكبات التي مر بها العرب إنما كانت بسبب مخالفتهم ما ارتأته السياسة السعودية، وليس المخالفة وحسب؛ بل مناصبتهم السعوديةَ العداء دون أي مبرر؛ فلم يكن هناك سبب مفهوم لمعاداة جمال عبدالناصر وعبدالكريم قاسم وعبدالله السلال للسعودية، ولو أن تلك الأنظمة الثورية التفتت إلى بلادها وشعوبها بدلاً من نشر الفكر اليساري والعمل على زعزعة الحكم السعودي لكان حال بلادهم اليوم أفضل مما هو عليه الآن بكثير؛ وبعد ذلك نظام القذافي ونظام صدام حسين لا يعرف أحد حتى اليوم أي سبب وجيه لمعاداتهما للسعودية، ولو أن النظامين سارا على النهج الذي سارت عليه بلادنا لكان ولا شك الحال فيهما غير الحال. ولك أن تستعرض كل مشكلة صغيرة أو كبيرة وقع فيها العرب لتجد أن سبب بقائها كون ابتغاء الحل لم يكن كما تقترحه الرياض. الوضع البائس في العراق وفي سورية، والوضع البائس أيضا في اليمن كله حدث لأن الحل لم يبدأ من الرياض؛ والتفصيل يحتاج إلى مقال لكل قضية بذاتها. هذه الأيام يدخل علينا التأزم الجديد في المشكلة اللبنانية، حيث دخلت مضيقاً جديداً بعد انفجار مرفأ بيروت، وحين نرجع إلى جذور المشكلة الحالية في لبنان نجد أنها ابتدأت مع عدم تنفيذ كل ما دعا إليه اتفاق الطائف عام 1409، فقد ضمن الالتزام المحدود الاستقرار النسبي في لبنان حتى عام 1425، حيث كان اغتيال رفيق الحريري من قِبَل حزب إيران في ظل الحماية السورية بمثابة إعلان التخلي عن الاتفاق من قِبَل الجميع عملياً، وعادت بعده لبنان إلى أسوأ مما كانت عليه قبله من ناحية سيادة الدولة والأمن الغذائي والاقتصادي والصحي؛ وأهم وأول ما تم التنازل عنه من قِبَل اللبنانيين من بنود اتفاق الطائف المادة الثانية والتي تنص على بسط كل سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية؛ ومقتضى ذلك نزع أسلحة الميليشيات وعدم بسط أي حزب نفوذه على أي بقعة في التراب اللبناني؛ لَكِنْ استُثْنِيَ حزب إيران بلا مبرر صحيح، سوى ادعاء كونه محارِباً للكيان الصهيوني، وهي دعوى كاذبة استخدمها الحزب بالتعاون مع الكيان الصهيوني للترويج لنفسه وفرض هيمنته على الدولة وأخذ امتيازات في جميع قطاعات الدولة لا يمكن إقرارُها في أي دولة تسعى للنجاح، وأصبح للحزب أراض يسيطر عليها سيطرة كاملة، ومستودعات للسلاح واستيراد وتصدير وتصنيع وزراعة خارج إطار مؤسسات الدولة. وقد ساعد الحزبَ على ذلك أيضا عدم العمل بالمادة الرابعة التي تُحدد العلاقة بسورية بكونها علاقة صداقة وجوار والتي تُكَمِّل مقتضى المادة الثانية «سيادة لبنان على كامل أرضه» فإن سورية والأحزاب اللبنانية المستفيدة من الوجود السوري لم يحترموا هذه المادة، وبقي الجيش السوري يُهَيمن على كل شيء في لبنان، وكان له دور كبير في التمكين للنفوذ الحزبالي الإيراني في الدوائر اللبنانية، والمؤسف أن الوجود السوري اتخذ طابعاً قانونياً عام 1411 وذلك بتوقيع البلدين معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق والتي وقعها عن الجانب اللبناني الرئيس إلياس الهراوي الذي انتخب بضغط سوري بعد اغتيال الرئيس رينيه معوض والذي حكم سبعة عشر يوما ولا تزال أصابع الاتهام بقتله تشير إلى المخابرات السورية. المهم من ذلك أن مخالفة اتفاق الطائف والتمكين لسورية من حكم لبنان كان هو المؤثر الأكبر في تقوية المنظمة الإرهابية الإيرانية التي هي منذ ذلك الوقت سبب ما يحل من دمار وتخلف بلبنان. أمر مهم في اتفاق الطائف تمت مخالفته وكان لهذه المخالفة أثرها الواضح في دمار لبنان وهو فقرة في الديباجة تنص على أن الانتخابات تُجرى على أساس وطني لا طائفي، وهذا ما لم يحدث لا سيما مع أنصار حزب إيران، وإن كان الحزب استطاع أن يوجد له حلفاء من غير الشيعة، إلا أن الأساس الذي يبني عليه الحزب استقطاباته هو خدمة المشروع الإيراني في لبنان. كان اتفاق الطائف يتحدث عن لبنان أولاً، لكن النواب والساسة اللبنانيين ابتعدوا عن هذا الاتفاق مختارين شعار الطائفة أولا أو أنا أولاً، واتجهوا إلى تبديل بنود هذا الاتفاق الذي تم بإجماع واجتماع صادقَين باتفاقات ومعاهدات أخرى كانت سورية وإيران وراءها جميعا. لكن من كان المسؤول عن التراخي في تطبيق اتفاق الطائف؟ الجواب أن المسؤول أطراف عدة في مقدمتهم كثير من السياسيين اللبنانيين الذين آثروا أهواءهم وتوجهاتهم الحزبية والطائفية، فلم يقفوا مع هذا الاتفاق بصلابة، وبدأوا بالتراخي شيئاً فشيئاً أمام ضغوطات الجهات الخارجية التي تنظر للبنان كمنطلق لمشاريع سياسية وعقائدية لا علاقة للبنان وأهله بها، كما لم يُلقوا بالاً للمشروع الإيراني في المنطقة، وصدَّقوا خرافة العداء بين الصهاينة وحزب إيران، هذه الخرافة التي لا تزال تتردد حتى في حادثة التفجير الأخيرة، فكثيرون من اللبنانيين وغيرهم رغم إدانتهم لحزب إيران بتخبئة أسلحة وقنابل ومواد قابلة للتفجُّر في مستودعات المرفأ، إلا أنهم يرون أن انفجارها كان بسبب ضربة من الكيان الصهيوني؛ وهذا الادِّعاء سيوظف بأن تلك الأسلحة والمواد الكيماوية كانت مخبأة للاستخدام ضد الكيان الصهيوني مما يعني على الأقل سلامة مقاصد هذا الحزب وإن كان قد أخطأ في التصرف. لكن الذي لا أشك فيه أن الصهاينة لو أرادوا إنهاء الحزب لقاموا مباشرة باغتيال حسن نصر الله وملاحقة أعوانه كما فعلوا مع قيادات حماس وعسكرييها الأول المخلصين لمبادئهم كأحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي وأحمد عياش وغيرهم؛ ولو ثبت لديَّ أن الصهاينة كانوا وراء التفجير فلن يكون وجود الحزب هو المستهدف من قِبَلها، ولا العداء للحزب هو الباعث لذلك، لكن سيكون المستهدف الدولة اللبنانية ذاتها، أو إحراج الحزب مؤقتاً ليبقى في حالة شعور بالاحتياج والحماية منها، أو لأي سبب آخر غير العداء. هل ما زال حل القضية اللبنانية في الرياض؟ الجواب نعم، ولكنه مشروط بالإرادة القوية لجميع اللبنانيين لإنهاء النفوذ الإيراني في بلادهم والمتمثل في الشيطان وحزبه، والنأي عن أي دولة عربية أو إسلامية أو غربية تجعل حزب الشيطان جزءًا من الحل وليس هو صلب وأساس المشكلة. لقد قالت السعودية مسبقاً في القضية السورية، إن إيران جزء من المشكلة ولا يمكن أن تكون جزءًا من الحل، وجمعت على هذا الأساس رؤساء الفصائل في سوريا واقتربت من جمع كلمتهم ؛ وقالت تركيا إن إيران جزء من الحل، وطلبت اجتماع الفصائل تحت ظلها في الأستانة على هذا الأساس، وانخدعت الفصائل بالبريق الحزبي وتركت الطاولة السعودية واتجهت إلى الطاولة الإيرانية التركية الروسية، فلم تزدد القضية السورية إلا تفاقما. والآن هل سيستفيد اللبنانيون ويعملون تحت شعار إيران وحزبها جزء من المشكلة واستئصالهم هو الحل؟! ننتظر.

مشاركة :