يوسف أبو لوز ينهزم وباء «كوفيد- 19» أمام انتصارات العالم العلمية والطبية. دولة الإمارات العربية المتحدة من أوائل الدول التي اشتغلت كوادرها العلاجية على الخلايا الجذعية، وحققت تقدماً بحثياً ومختبرياً في هذا المجال، وأعلنت روسيا عن التوصل إلى الجرعات الأولى من لقاح ضد الوباء، جرى تصنيعه تحت اسم «سبوتنيك في»، والهند، وعلى لسان رئيس وزرائها ناريندرا مودي، جاهزة لإنتاج كميات ضخمة من لقاحات الوباء، بل أكثر من ذلك قالت الهند «ليس لقاحاً واحداً ولا اثنين، وإنما يجري اختبار ثلاثة لقاحات». وتعمل المختبرات الأمريكية على إنتاج لقاح ضد الوباء، وكذلك الصين، وألمانيا، وفرنسا. سباق علمي طبي مدني إنساني، وليس سباق تسلح وكارثيات صاروخية ونووية.يعود الإنسان إلى حقيقته البشرية الأخويّة عندما تتوجه المختبرات العلمية إلى إنتاج الدواء الذي ينقذ من المرض والموت، وعندما يوظّف العالم المال والتنمية والاستثمار نحو كل ما يجعل الحياة أجمل وأفضل.في خلال نصف عام، منذ أواخر 2019 وأوائل 2020، انقلبت صورة الحياة وصورة العالم: خوف وترقّب وتوتر فردي وجماعي وعالمي، تهديد كوني اجتاح البشرية، وأصبحت اللغة اليومية هي لغة «كورونا»، الاسم الجميل في إيقاعه الأبجدي، ولكن القبيح في مضمونه ومعناه.نعم، ظهرت أعراض الخوف ونهاية العالم، واستعادت البشرية كارثيات الأوبئة القديمة من السل إلى الجدري إلى الكوليرا إلى الملاريا، ولكن، في الوقت نفسه، تضامنت البشرية وأصبح الإنسان أخاً حقيقياً للإنسان في مشتركاته اليومية مثل العزلة، والحجر والتباعد.مع كارثية «كورونا» وبشاعة زمنها في نحو 200 يوم من العزلة، إلّا أن الإنسان العالمي البسيط، والخائف والمحب للحياة اكتسب ثقافة جديدة لابدّ منها، وإن خسرها ولم يتمسّك بها معرفياً ونفسياً وفكرياً، فإنه معرّض في أية أزمة وبائية أخرى إلى الضياع الكلي، هذه الثقافة هي ثقافة التضامن، والمحبة، والتعايش.رواية هذا الوباء العابر للقارات أصبحت الآن من الماضي، ها نحن الآن نتعايش تدريجياً من «كوفيد -19»، اكتسبنا عادات صحية يومية لابدّ منها: التعقيم، والتطهّر، والحذر، والكمامة، وتجنب المصافحات المبالغ فيها، وتجنب المجاميع البشرية التي لا حاجة إليها أصلاً.ينهزم «كوفيد -19» بالتدريج، صحيح أنه أودى بحياة المليون إنسان، لكن السباق والسبق نحو لقاح مُجرّب ومعتمد سيحميان مئات الملايين من الخوف والموت والانهيار النفسي والوجودي، سيحميان أكثر من مليار إنسان من الفراغ والضياع والجنون، في عالم قد جرّب الكثير من الكارثيات المرعبة سواء في الحروب أو في الأوبئة أو جنون الطبيعة.وفي كل الأحوال، وكل الأزمان والأزمات التي شهدتها أرض البشر، تظل ثقافة الحياة أقوى وأبقى من ثقافة الموت. yabolouz@gmail.com
مشاركة :