ثقافة الحياة وثقافة الموت

  • 7/19/2014
  • 00:00
  • 27
  • 0
  • 0
news-picture

الطبيب النرويجي "جيلبرت" الذي حضر إلى غزة متطوعا لتقديم العلاج للجرحى، لا يمكن أن يصدق أن هناك طبيبا عربيا نذر نفسه لقتل الأبرياء في العراق، وهو يردد: "الله أكبر" قبل أن يقتل نفسه ويقتل معه العشرات. الفرق بين الطبيبين، يتمثل في أن أحدهما ينتمي إلى ثقافة الحياة المليئة بالتفاؤل والرغبة الحقيقية في خدمة البشرية، والتي تحث على تقديم المساعدة لبني البشر والعمل على كل ما فيه إسعادهم. والطبيب الآخر ينتمي إلى ثقافة فرعية انتشرت مؤخرا تمجد الموت والقتل وسفك الدماء وقتل الأبرياء والسبب في ذلك محاولة حمل الناس على اتباع فكر معين ومذهب معين وتأييد طائفة معينة تختزل الإسلام في نفسها وتزعم أنها امتلكت الحقيقة المطلقة ولا يجوز لأحد مخالفتها، وهي مخولة أن تحكم بالموت على كل من يخالفها وكل من ينتمي إلى ما عداها، فهو إما كافر يجب قتله أو مرتد قتله أولى من قتل الكافر. الطبيب النرويجي الذي يعالج جرحى غزة ـ ينتمي إلى ثقافة تؤمن بالتعددية وتقدس التعايش السلمي وتترك المعتقدات لأصحابها، بينما الطبيب العربي الذي فجر نفسه ينتمي إلى ثقافة ترى أن صاحبها على حق وأن الآخرين على باطل، وتغرق في فرضية المؤامرة، وأننا محاربون وكل من على وجه البسيطة يتآمر علينا ويخطط لهزيمتنا ولو تركونا وحالنا لصرنا ملوك الدنيا. القتل والتفجير والدمار هو الشعار المفضل للمعتنقين لهكذا ثقافة، التي لم تقدم للبشرية سوى التفجير والتدمير والصراخ والتباكي وتكريس المظلومية ولوم الآخرين واعتبارهم مسؤولين عن فشلنا وهم المتسببون في إخفاقاتنا. وثمة أسباب كثيرة ومتداخلة خلقت لدينا بيئة من الإحباط واليأس وفقدان الأمل حتى تكّونت لدينا أجيال تحتقر الحياة وتزهد في كل مكوناتها. ومن الطبيعي أن ينتج عن ذلك احتقار للحياة وزهد فيها وسهولة الانقياد لكل ما فيه الاستهتار بالحياة من أجل إغاظة الأمم والشعوب الأخرى الذين يقدسون هذه الحياة، وهذا يمثل أقصى درجات الإحباط والفشل. ثقافة الموت انتشرت في الوطن العربي الذي يعاني من الإحباط والفشل السياسي والفقر والبطالة والطبقية والعنصرية وضياع العدالة وفقدان الأمل داخل هذه المجتمعات، حتى نتجت عن ذلك أجيال يائسة تهوى الهروب من مواجهة الحياة إلى إنهائها. ومن الطبيعي في هكذا بيئة أن يزدهر النشاط الوعظي والخطابي الذي يتجه إلى مخاطبة العواطف وتهميش العقل، ويلاحظ ازدهار للخطاب العاطفي بين شباب المجتمعات العربية الذين يعانون من الضياع، وتكّون قابلية للانقياد، وتغلب عليهم الغوغائية ويميلون إلى تقديس الرموز وبعض القيادات بشكل بعيد عن العقلانية والمنطق، كما يصفهم الفيلسوف الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه: "روح الجماعات" بقوله: "عندما تعاني المجتمعات من الفوضى تتكون فيها قيادات اجتماعية تعمل على التهييج والإثارة والتلاعب بالألفاظ والكلمات ونشر الأوهام والأحلام والشعارات بكل مناسبة دون أن تقدم هذه القيادات برامج محدد وواضحة، والمجتمعات في هذه المرحلة لا بد أن تلجأ إلى التسطيح المبالغ فيه وتقاد بالشعارات الفارغة وتتحرك بالأوهام". وهذا ما يحدث بالضبط في الوطن العربي اليوم؛ فتجد الناس يعجبون بمن يخاطب العواطف، ليكون أتباعه بالملايين ويغضبون عـلى من يخـاطب العـقل ويحاربونه ولا يسلم من عبارات التخوين والتشكيك في النوايا. البلدان العربية خيراتها كثيرة وأصبحت في حاجة ماسة إلى مشروع "مارشال عربي للتنمية" مشابه لبرنامج: "مارشال" الذي عمل في أوروبا بعد الحروب العالمية. وانتشال الشباب العربي من هذه الظروف أصبح فرضا ولم يعد خيارا، وعلى القيادات العربية رسم أهداف استراتيجية للقضاء على جميع المظاهر المسببة لإحباط الشباب العربي.

مشاركة :