د.أحمد مصطفى يكتب: لنا في هجرة الرسول عظة وعبرة

  • 8/20/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

نحتفل في الأوّل من محرم من كُل عام هجري باليوم الأول من السنة الهجرية، فهذا هو اليوم الأول من التقويم الإسلامي الذي وضعه الخليفة العادل الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ليكون تذكيرًا لحدث مهم في حياة المسلمين وهو هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ويتميز هذا التقويم باعتماده على القمر في تحديد أشهره، كما أن السنة الهجرية هي أقصر من السنة الميلادية المعتمدة على الشمس بأحد عشر إلى إثني عشر يومًا، وهو ما يجعل من الأوّل من محرم يأتي في فصول مختلفة كُل سنة.وفي هذا اليوم تُعلن الكثير من الدول العربية الإسلامية العطلة الرسميّة، وتُقيم الاحتفالات التي تتمثل بتوزيع الحلوى، وسرد سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يتبادل المسلمون بهذا اليوم المعايدات، ويتمنّون لبعضهم دوام الصحة والعافية، إضافة لإقامة العبادات الدينيّة المختلفة، كإقامة الصلاة وتقديم الصدقات.وقد نتجت أهمية التقويم من تطور حياة الإنسان، فكانت حياة الإنسان في بداية الأمر بسيطة لا تحتاج إلى التقويم، فكان يذهب للصيد ويأكل الطعام لكن عندما تطورت حياة الإنسان وبدأ بإنشاء وإقامة المدن والعمل بالزراعة، والرعي، وتداول المعاملات المالية فيما بينهُم  ، والصناعة ، والتجارة نتجت الحاجة إلى التاريخ والتقويم الذي يستطيع الناس من خلاله تنظيم أوقاتهم، والاتفاق فيما بينهم، وتأريخ الأحداث التي تحدُث  معهم ليتسنى للحضارات أن تتقدم وتتطور.وكان الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- هو من أسّس التقوم الهجري لأنّ أبا موسى الأشعري -رضي الله عنه- التبست عليه كتب الفاروق -رضي الله عنه- فلم يستطع تنفيذ بعضها في الوقت المحدد لخلّوها من وجود تاريخ فيها، فكتب له يطلب منه وضع تاريخ ليسهل عليه تنفيذها وتأجيلها كلّ حسب الحاجة والوقت المحدد له، وهو ما وجد فيه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الصواب، وفي رواية أخرى أيضًا أنّه عُرض عليه -رضي الله عنه- صكٌّ يدين به رجل لرجل دينًا يحل في شهر شعبان، إلا إنه لم يعلم -رضي الله عنه- في شعبان من أي سنة كان هذا الصك. لا يوجد لبس بين الروايتين فمن المرجح أن كلتيهما صحيحتان، وهو ما دعاه -رضي الله عنه- في النهاية إلى جمع أصحابه لوضع تقويم جديد، فانقسم الصحابة إلى ثلاثة فرق أحدهم يقترح جعل مولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بداية التقوم الهجري، والآخر يقترح بعثته، والأخير يقترح هجرته -صلى الله عليه وسلم- وهو الفريق الذي كان عليه عمر، وعثمان، وعلي -رضي الله عنهم-، فوقت الهجرة معروف لدى الجميع لا يختلف فيه أحد مطلقًا، فقال عمر -رضي الله عنه-: (الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرّخوا بها وبالمحرم، ولأنه منصرف الناس من حجمهم)، وكان السبب وراء جعل محرم أول السنة وليس الثاني عشر من ربيع الثاني هو التاريخ الذي وصل فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، في محرم أو شهور السنّة عند العرب منذ القِدم، وتغييره سيسبب ارتباكًا لدى الناس، كما تم إصدار قرار العمل بالتقويم الهجري في الأربعاء 20 جمادى الآخرة عام 17 للهجرة.ويُحيي المسلمون هذه الذكرى وفقا ليوم أن هاجر النبي عليه افضل الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة مع أبو بكر الصديق رضى الله عنه، وكان ذلك بعد ثلاثة عشرة عام من بداية ظهور الدعوة الإسلامية في مكة. وقد خرج الرسول ومعه صاحبه أبو بكر الصديق من مكة بعد أن توعد كفار قريش بقتل الرسول عليه الصلاة والسلام، وبعد أن اشتد الأذى بالمسلمين وكل من أسلم من أهل قريش، وأصر أهل مكة على قتل الرسول، لذا هاجر الرسول إلى المدينة المنورة، أما أهل المدينة فقد استقبلوا بكل الفرح والترحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ويشير هذا أيضًا إلى المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وقد دعم الأنصار الرسول (ص) والمؤمنين المهاجرين معه.ومن الدروس المستفادة من الهجرة :-١-حرص النبي عليه الصلاة والسلام على عدم إخبار أحد عن أمر الهجرة حتى يأذن الله تعالى له، وحتى أبو بكر الصديق لم يكن يعلم بموضوع الهجرة سوى في الساعات الأخيرة للهجرة، وهذا يعلمنا قضاء حوائجنا بالكتمان والسر، وهذا من الحكمة والبصيرة، وذلك لتحقيق الأهداف والغايات. ٢-التوكل على الله عز وجل وكذلك الإيمان بالله وبقضاء الله، حيث هاجر الرسول (ص) مع صاحبه أبو بكر الصديق في الصحراء القاحلة الواسعة، متوكلين على الله عز وجل وفي معية الله سبحانه وتعالى، حيث أرسلت قريش ورائهما من يقتفي أثرها في الصحراء، وكذلك خصصت مكافأة كبيرة لمن يأتي بمحمد وصاحبه، وقد عرف النبي بهذا الحشد الكبير من قبل قريش لكي يأتوا به ويقتلوه، لكن الرسول كان إيمانه شديد بالله وان الله لن يضيعهم وانه سوف يحفظهم من كل سوء، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يملك قوة التوكل على الله عز وجل، فعندما لجأ لغار ثور للاختباء به من قريش، كانت أقدامهم تاركة العلامات على باب الغار، حتى إن أبو بكر الصديق قال للنبي لو نظر أحدهم موطئ قدميه لرآنا، فطمأن النّبي الكريم عليه الصّلاة والسّلام بقوله ما ظنّك باثنين الله ثالثهما، فإن الإنسان المسلم يجب إن يملك قوة التوكل على الله عز وجل واليقين بأن الله عز وجل لا يترك من توكل عليه، ولو اجتمعت الأمة على أن يضروك لن يفعلوا شيء لم يكتبه الله لك فتوكل على الله وكن على يقين دائم بأن الله لن يضيعك، وكل شيء مكتوب عند الله تعالى. ٣-استخدام النبي عليه الصلاة والسلام للحيلة والدهاء، وهو من الدروس المستفادة من الهجرة، حيث تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم بحنكة وذكاء واستخدم كذلك الحيلة والفطنة حين التقى بسراقة بن مالك حيث وعده النبي بسواري كسرى مقابل أن يعود لقريش ويبلغهم انه لم يجد النبي وصاحبه أبو بكر، وكان ذلك من ذكاء النبي وبصيرته. ٤-نتعلم أيضا من الهجرة الصبر، حيث نتعلم من حادثة الهجرة النبوية الشريفة التحمل والصبر، حيث صبر الرسول عليه الصلاة والسلام وأبو بكر الصديق في سفرهما وتحملوا مشقة الطريق، إلى أن وصلا للمدينة المنورة. ٥-لقد ضحى الرسول عليه الصلاة والسلام ببلده  مكة المكرمة وتركها، فقد خرج الرسول من بلاده وهو يقول والله يعلم إنك أحب البلاد إلى نفسي، حيث ترك النبي أحب البلاد إلى قلبه ليستكمل الدعوة وينفذ أوامر الله عز وجل، وليكمل رسالته. ٦-اتضح في الهجرة النبوية الشريفة دور المرأة في الإسلام، حيث لم تفشي عائشة وأسماء بنت أبي بكر الصديق سر النبي وأبوهم، عندما قررا الهجرة، وقامت بتزويد أبوهم بالطعام والشراب والأزمات في سفرهما، وبهذا ابديتا الشجاعة والصبر وهذا ما يعجز عنه بعض الرجال، وكانت أسماء بنت أبي بكر تقوم بتوصيل الغذاء والشراب إليهم و غيرها من المواقف النسائية.وفي النهاية لقد نفذ الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الله عز وجل بعد أن اشتد الإيذاء له ولكل من أسلم في قريش، وخرج النبي وصاحبه أبو بكر الصديق قاصدا المدينة المنورة، وقد نام سيدنا علي رضي الله عنه في فراش النبي هذه الليلة، وخرج الرسول من الباب  وهو يردد  بسم الله الرحمن الرحيم ” فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ “، لقد وثق الرسول بالله ووثق أبو بكر الصديق بالله ثم بصاحبه، لقد كانت الهجرة شئ عظيم في حياة المسلمين لاستكمال النبي الرسالة التي أرسلها الله عز وجل بها.

مشاركة :