افتقد مسلسل “شديد الخطورة”، وهو الإنتاج الأصلي الأول لمنصة “واتش إت” المصرية، وبثته مؤخرا على شبكة الإنترنت، هدفه في تناول القرصنة التقنية ومخاطرها إلى استنساخ أفلام الحركة الأميركية دون منطق في الحوار، أو تبرير قرارات الأبطال الذين جاؤوا كدمى بلاستيكية مفتقرة للأداء التمثيلي والروح الفنية الجذابة. يرتكز المسلسل المصري “شديد الخطورة” على جرعات مركزة من الحركة، تمت صياغتها خصيصا على مقاس بطله أحمد العوضي، الذي يظهر كرجل خارق متكامل شديد الذكاء والقوة والجرأة، ويستطيع أن يكسر الأسوار ويفتح جميع الأبواب المغلقة. ويدور العمل حول مالك (الفنان أحمد العوضي) الذي تتعرّض زوجته نور (الفنانة ريم مصطفى) للاختطاف مع آخرين أثناء تواجدها بأحد البنوك، قبل أن يتّضح أنها شقيقة لاثنين من الخاطفين المجرمين، وأن والدها “المايسترو” (الفنان رياض الخولي) الذي رمى بها إلى الملجأ خرج من السجن، واستغل خبراتها في القرصنة الإلكترونية في تسهيل عمليات عصابته، وأجبرها على ترك زوجها والعمل معه، فتحوّلت من امرأة مسالمة إلى شريرة. ويحفل العمل بالكثير من اللامنطقية، فمهندس اتصالات في شركة لتداول الأوراق المالية والسمسرة بالبورصة، يمكنه في لحظات ضرب برامج تشغيل المنافسين ومن بينها الشركة التي تعمل فيها زوجته، ويتمتّع بقوى عضلية وجرأة في الاشتباك بالأيدي المجرّدة مع مجموعة من عتاة الإجرام، ويتسلّق الجدران ويقفز بين أسطح العقارات، كأنه “سبايدرمان”. وغاب عن المسلسل عدم اتساق المهنة مع مقتضياتها، فمهندس الاتصالات الجالس أمام الكمبيوتر لساعات ومدمن الألعاب الإلكترونية لا يبدو إتقانه للفنون القتالية منطقيا، ففي أفلام هوليوود عادة ما يكون البطل مقاتلا في القوات الخاصة وقد خرج من الخدمة أو ضابطا تلقى أصنافا من التدريب أو مُصارعا سابقا في إحدى الرياضات القتالية. يظهر تأثر كاتب السيناريو محمد سيد بشير، بصورة واضحة بفيلم براد بيت وأنجلينا جولي “السيد والسيدة سميث” (مستر آند مسز سميث) مع تغييرات تحوّل الزوجين من قاتلين مأجورين لصالح وكالتين متصارعتين، إلى قرصانين أحدهما خيّر والثاني شرير. ويمثل المسلسل الإنتاج الأول الذي تنتجه منصة “واتش إت” المصرية، والتي راهنت عليه كثيرا في جذب أنظار الجمهور لمضمونها الرقمي، ما رفع سقف توقعات الجمهور خاصة مع نشر أبطاله مقاطع مصوّرة شبه يومية من الكواليس تتضمّن أنواع تدريباتهم العضلية، وتصويرهم المشاهد الخطرة بأنفسهم. حوار معكوس سيناريو المسلسل متأثر بصورة واضحة بفيلم براد بيت وأنجلينا جولي “السيد والسيدة سميث” مع بعض التغييرات التي طالت مهمة الزوجين سيناريو المسلسل متأثر بصورة واضحة بفيلم براد بيت وأنجلينا جولي "السيد والسيدة سميث" مع بعض التغييرات التي طالت مهمة الزوجين يظهر السيناريو أن العمل صنع خصيصا للعوضي، فهو يسرق الجمل الحوارية التي يفترض أن يقولها الآخرون، ففي حواره مع رائد الشرطة “هيثم” (الفنان خالد كمال) الذي حضر لاستجوابه في حادث اختطاف زوجته وسرقة البنك، انقلبت الآية للنقيض، إذ أضحى مالك هو الذي يوجه الأسئلة للشرطي. يصاحب الحوار المعكوس العمل بأكمله بتهميش مالك لدور الرائد هيثم الذي يصطحبه معه بعد العثور على إحدى الرهائن المخطوفين من البنك بجوار سيارته قبل انفجارها، ليوجه الأول الأسئلة للشرطي الذي حضر الواقعة بعنف وبحدة، ويكرّر الأمر مع المُختطف. لا يشعر الجمهور كثيرا بروح تمثيلية داخل العمل الذي يتضمن مساحة واسعة تؤهله للتراجيديا والشجن عن زوج يحب زوجته ويكتوي بنار الفقدان ولا يبدي حزنا بعد اعتقاده أنها ماتت محروقة، فكل همه هو الانتقام لها، أو عائلة لديها ابن وحيد بين الحياة والموت في المستشفى، ولا يظهر على ردود أفعالها التأثّر، أو زوجة جميلة في مهنة مرموقة يطاردها ماضي أسرتها القذر ويهدّد حياتها. لم يلفت غالبية المشاركين في العمل الأنظار، فكلهم لعبوا في مساحات أقل من المعتاد بدءًا من أفراد العصابة بالكامل التي جاءت طريقة تعبيرها شديدة التكرار، فالفنان حمزة العيلي يشبه الشرير النمطي في الثمانينات بملامح وجهه التي لا تتغيّر وعيناه التي يضع فيهما كحلا وشعره الطويل المربوط من الخلف، ولازمة غير مبرّرة بطقطقة فقرات رقبته باستمرار وبصورة مستفزّة. يتكرّر الأمر ذاته مع شقيقه (الفنان حسني شتا) الذي يبدو نسخة من مسلسله السابق “أيوب” واستنساخا لممثلين آخرين في طريقة تعامله مع الملايين المسروقة وشمه لرائحتها، مُكررا أسلوب الفنان سعيد صالح في أهم مشهد له في فيلم “المشبوه”، والنكات التي اعتاد ترديدها تضمنت مزاوجة غريبة بين القديم والجديد، ففقدت بوصلتها. بذل العوضي مجهودا كبيرا لتطوير نفسه على المستوى البدني ليناسب العمل، فأصبح أكثر قوة لكنه ما زال يفتقد الكثير من متطلبات التمثيل الأساسية التي تجعله يحتل دور البطولة، وبدت تعبيرات وجهه جامدة وبعيدة تماما عن الموقف والحدث معتمدا على العضلات المفتولة والحركات البهلوانية دون مراعاة لأهم مبدأ للدراما وهو “تقمّص الشخصية”، وهذه كانت بحاجة للمزيد من الإتقان كي يتمكّن من الحفاظ على مستواه الفني المتقدّم، فـ”التكشيرة” (العبوس) المستمرة لا تعني أنه قوي أو عبقري. لا يزال الوقت مبكرا للحكم على العوضي ونضجه في دور البطولة، فالشاب تم الدفع به كنجم منفرد بعد ثلاثة أعمال لعب فيها دور البطل الثاني أو الثالث، وأدواره السابقة لم تتجاوز المشاركة لدقائق، وهي تجارب غير كافية لاختمار قدراته وتأهيله لتحمّل عمل بمفرده، خاصة في ما يتعلق بتوظيف وضبط طريقة الحديث المتلعثمة أحيانا. ويقول صناع العمل، إن قصته تعالج قضية القرصنة وخطرها على الأمن القومي، وضرب مؤسّسات الدولة، لكن العمل لا يتعرّض لتلك التوصيفات بعمق، فاستخدام التقنية لمعرفة موعد وصول سيارة أموال وسرقتها بعد وصولها إلى البنك، أو تلاعب زوجين بموقع الشركتين اللتين يعملان فيهما لا يرتقي إلى ضخامة الفكرة التي كانت تتطلب رفع سقفها لاختراق برامج تحويل الأموال بالبنوك، أو حسابات عملاء بالبورصة، أو التلاعب بإشارات المرور لمنع سيارات الشرطة من مطاردة اللصوص. البطل الخارق مبالغات غير منطقية في الحركة والإثارة مبالغات غير منطقية في الحركة والإثارة لم يخل العمل من خطأ متكرّر بكثرة في السنوات الخمس الأخيرة، بتقديم نموذج البطل الذي يشفى سريعا بعد إصابته في حادث عنيف، فمالك تعرّضت سيارته للانقلاب والزحف عشرات الأمتار ويخرج منها مصابا في رأسه بجرح ودخل في غيبوبة بعد نزفه كمية كبيرة من الدماء، وجاء في المشهد التالي معافى تماما، ويبدأ رحلة البحث عن زوجته. وقد حاول كاتب السيناريو محمد سيد بشير، حشر الكثير من النكات داخل العمل، كوسيلة لتحقيق الانتشار على شبكات التواصل الاجتماعي، لكنها تحمل قدرا من عدم التوفيق وتعزيز الروح السلبية التي تمجّد السجن وتبرّر السرقة والمال الحرام. ويتسم العمل بأنه مناسب للأطفال والمراهقين المفتونين بعالم العضلات والمعارك دون تفكير في المضمون الذي يترك العشرات من الأسئلة المفتوحة، لماذا خافت الزوجة من الفضيحة طالما أنها ستخبر زوجها بحقيقة أسرتها في الحلقة الرابعة؟ ولماذا لم تستغل حادث الموت المفبرك لها وتهرب؟ وكيف تحوّلت من الحب إلى الضغينة تجاه زوجها وتهديدها بقتله؟ وما الذي يجبر عصابة سرقت 40 مليون جنيه (5.2 مليون دولار) على البقاء في نفس المنزل مع امتلاك كبيرها شبكة علاقات بالداخل والخارج؟ يمثل “شديد الخطورة” محاولة مصرية لاستكشاف عالم الأكشن على الطريقة الأميركية، وكان يمكن تقديمه بصورة أفضل بالتخلي عن إظهار البطل ككائن مثالي يحمل الأفضل في كل شيء، فهو أذكى موظف في شركته، والأمهر في الألعاب الإلكترونية، والملاكم الذي لا غبار عليه، ولاعب الكاراتيه منقطع النظير.
مشاركة :