رومانسية منزوعة الدسم تثبت أن الجمال لا يصنع دراما جيدة | محمد عبدالهادي | صحيفة العرب

  • 6/9/2020
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

أثبت المسلسل المصري “فرصة ثانية” الذي عرض في رمضان الماضي، وتعيد بثّه حاليا بعض القنوات الفضائية المصرية، أن الجمال لا يضمن وحده النجاح الجماهيري، ويفتح تساؤلات حول أسباب الدفع بياسمين صبري في البطولة المطلقة وكتابة معالجات درامية على مقاسها، دون مراعاة محدودية قدرتها على التقمّص، وعجزها عن توصيل روح الشخصية. القاهرة - في عصر يلهث فيه الكثيرون وراء الجمال والقوام الرياضي، شقّت الفنانة ياسمين صبري طريقها في الدراما المصرية لتصل إلى البطولة المطلقة بعد أربع سنوات فقط من بداية ظهورها، معتمدة على معادلة تسويق خاصة بتقديم نفسها كأيقونة نسائية بجسد ممشوق يناسب بطلة سابقة للسباحة، وضيفة دائمة على مراكز اللياقة البدنية، وامرأة جيدة النظرة لما تقتنيه من تشكيلات الموضة العصرية الحديثة. وخاضت صبري المنافسة في الموسم الرمضاني الأخير بمسلسل “فرصة تانية”، الذي اختارت اسمه قبل قرابة العام ليتماشى مع مآرب ذاتية، من بينها منح نفسها تجربة أخرى مع الجماهير التي انتقدت بطولتها السابقة لمسلسل “حكايتي”، من ناحية الأداء الباهت في غالبية المواقف، فلا تتغيّر حركة جسدها أو تعبيرات وجهها كثيرا، سواء في الحزن أو الألم أو القلق، لتصبح فنانة الانطباع الواحد بجدارة. تكفي مشاهدة سبع حلقات من “فرصة ثانية” للاقتناع التام بأن القصة مصنوعة على مقاس بطلته، فهي المحور الأساسي للأحداث، ولا يتعدّى دور باقي طاقم التمثيل سوى التخديم عليها في مشاهد إخراجية وتركيبات حوارية يتّضح بمرور الوقت تأثّرها الشديد بالأسلوب الهندي، لتصبح القصة منزوعة الدسم، منعزلة تماما عن الواقع المصري بمشكلاته وهمومه. وتبدو القصة قريبة من عملين يحملان العنوان ذاته “فرصة ثانية” أحدهما فيلم تركي تم تقديمه قبل أربعة أعوام عن إمكانية الحب مجددا، والثاني مسلسل هندي تم عرضه قبل سبع سنوات، وحقّق معدلات مشاهدة خيالية عربيا عن علاقة جديدة تجمع أرمل له بنتان، ومطلقة لديها طفل تربّيه بعد هروب زوجها، وتدفع عائلتاهما بهما للزواج من أجل أطفالهما قبل أن يعرف الحب طريقه لقلبيهما. ويحكي العمل عن ملك (ياسمين صبري) التي تنهي خطبتها مع زياد (الفنان أحمد مجدي) بعد مشاهدته يجلس مع ريهام (الفنانة آيتن عامر) في مقهى عام، فيقرّر زياد الزواج من ريهام التي يتّضح أنها تحبه بجنون، لكنه يتركها فجأة يوم الزفاف، ويقرّر العودة لملك التي تتعرّض لحادث سيارة تفقد خلاله الذاكرة قبل أن يتّضح أن الأخيرة كانت تخدعه للانتقام، وظلت على الدوام بكامل قدراتها العقلية. تجربة جديدة "فرصة ثانية" لإثبات قدرات ياسمين التمثيلية بعد الانتقادات التي طالت أداءها في "حكايتي"، ومع ذلك لم تأت بجديد "فرصة ثانية" لإثبات قدرات ياسمين التمثيلية بعد الانتقادات التي طالت أداءها في "حكايتي"، ومع ذلك لم تأت بجديد لا يحتاج المسلسل إلى فرصة ثانية للمشاهدة فالقصة التي يفترض أن تتحدّث عن تجارب الحياة بمنظور واسع، لكن السيناريو الذي كتبه مصطفى هاشم بمعالجة درامية لمحمد بشير، يحصر الحياة في رومانسية حالمة معزولة عن المشكلات الحياتية اليومية للمصريين ليصبح العمل غريبا عن بيئته، كل ما ينغص حياة أبطاله الحب والهجر وعذابهما في الخط الدرامي الأساسي أو الخطوط الجانبية الموازية التي دارت كلها عن مشكلات عاطفية في المقام الأول، ما جعله محل انتقاد جماهير تؤمن تماما بأن الحب وحده لا يكفي لعيش الإنسان. وجاء العمل، الذي كان يمكن تقديمه في سباعية فقط، مصنوعا بطريقة مباشرة لا تتطلّب قدرات تمثيلية خاصة من غالبية أبطاله، فمن السهل عليهم التعبير عن حالات الشجن المرتبطة بالشعور بالخيانة والحب والفقد، خاصة بالنسبة لياسمين صبري التي انكبت على مدار العام الماضي في دورات مكثفة لتعليم الموسيقى والتمثيل، ووعدت بتوظيف المهارات التي اكتسبتها في التحوّل لفنانة محنكة، لكنها لم تتغيّر إلاّ في نبرة الصوت الأوضح والتشكيلات الجديدة من الملابس التي تظهر تغيير وجهة الشراء نحو أفخم المحال التجارية بالخارج. ولجأ المسلسل إلى الحل الأسهل في خلق حبكته الدرامية بطريقة فقد الذاكرة التي تتيح ابتكار مواقف لإطالة مدة العمل كمقابلة أشخاص قدامى وتحسّرهم على حاله أو شعور البعض بالندم على إيذائهم له يوما ما، وأعاد الفكرة ذاتها في الاعتماد على الموت كوسيلة للتخلّص من الصراع، وهو ما تجسّد في انتحار ريهام لحل عقدة استمرارها في مطاردة زياد، وفتح مجال أمام اتهامه بقتلها لخلق تشويق ثلاث أو أربع حلقات إضافية. على المستوى الإخراجي لم يكن المخرج مرقس عادل في أفضل حالاته، وأثار جدلا ببعض السقطات كخروج ملك من حادث عضال بمكياج كامل دون كدمة، كما لو كانت عائدة من أحد بيوت التجميل، وافتعال في لقطات اكتشاف حقيقة عدم تعرضها لفقد الذاكرة، لتدور الكاميرا بصورة دائرية حول الأبطال وتصيب المشاهد معها بالدوار وربما الغثيان، أو حتى لقطة دخول ريهام حفل زفاف ملك وزياد، والتي ما إن تلامست أيديهما حتى أدخلنا في “فلاش باك” قديم تتذكّر خلاله ملك مشاهد خيانة زياد، رغم أنها لم تفقد الذاكرة من الأساس. سقطات إخراجية لم تستطع ياسمين صبري، الحاصلة على ليسانس آداب قسم إعلام من جامعة بيروت العربية فرع الإسكندرية، تقمّص الشخصية ومحاكاتها على أرض الواقع بملامحها وصفاتها وصراعها الداخلي والخارجي، واعتمدت على جمالها ورشاقتها وأناقتها فقط لاجتذاب الجمهور وهي معادلة نجحت لأعوام، لكنها غير مستديمة، بدليل كمية الهجوم الذي تعرّضت له العام الحالي، والذي وصل حدّ مطالبتها بالتوقّف عن التمثيل. وبدأت صبري رحلتها الفنية بدور هامشي في “خطوات الشيطان” للداعية معز مسعود، وهو برنامج دعوي ديني تنموي يقوم على فكرة المواقف المتكرّرة لمواجهة الإنسان للشيطان في حياته اليومية وكيف يتغلّب على تلك المواقف، وظهرت حينها في عدة حلقات في دور “رشا”، قبل أن يقرّر الفنان الراحل محمود عبدالعزيز المولود بالإسكندرية أيضا وتربطه صداقة بعائلتها، الدفع بها في مسلسل “جبل الحلال” في دور إحدى بناته الثلاثة (صافي) عام 2014. وبعد “جبل الحلال” وجّه محمود عبدالعزيز نصيحة لها بالتوقّف عن التمثيل والتوجّه نحو تخصّصها الأصلي للعمل في الإعلام، لكنها صمّمت على العمل حتى حصلت على البطولة المطلقة بعد ستة أعمال شاركت فيها فقط، رغم هجوم النقاد على أدائها، وتعرّضها لانتقادات عنيفة من مخرجين، سبق لها العمل معهم، مثل مجدي الهواري ومحمد سامي. وانتقد الهواري في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أداء صبري في مسلسل “فرصة ثانية”، وقال نصا “نضم صوتنا لصوت الراحل محمود عبدالعزيز بتوقفها عن التمثيل”. بينما كان محمد سامي، الذي عمل معها في مسلسل “الأسطورة”، أكثر حدة حينما قال إنه واجه مشاكل كبيرة معها لدرجة طردها من موقع التصوير مرتين، لجهلها بقواعد نطق الكلام أو توصيل المعلومات، واعتبر أن جمالها سبب بقائها في وسط التمثيل، ولن يعمل معها مجددا، مهما كانت الإغراءات والعروض لأنها “صورة من غير روح”. ويقول صاحب شركة إنتاج فني، لـ“العرب”، إن ياسمين صبري لديها قدرة على تسويق أعمالها وجذب المعلنين، فمسلسلها كان الثالث في قائمة المسلسلات الرمضانية جذبا للإعلان، وهو أمر محبّب لقنوات العرض، فالدراما في النهاية صناعة تقوم على تكاليف ومكاسب، ولم تعد بنفس الفكر القديم كرسالة تتضمّن مضمونا اجتماعيا يجب توصيله. ويضيف أن ياسمين من الوجوه الجيّدة التي يحرص المنتجون على حضورها في أعمالهم كأيقونة أو موضة وفتاة أحلام لطبقات من الشباب، لكن فشل آخر تجربتين على مستوى الجماهير، يؤكّد ضرورة أن تتم المحافظة على وجودها كممثلة مساعدة مع وجود ممثلة أخرى تستطيع حمل العمل لتحقيق معادلة إرضاء المشاهد وجذب المعلن معا. ولم تنكر ياسمين صبري وجود مشكلات لديها في التمثيل من الصوت المنخفض والتعبيرات الجافة، وأرجعت المشكلة إلى تربيتها في بيت جدتها التي اكتسبت منها طابع الهدوء، لكن المشكلة ربما في نشأتها المترفة بصورة منعت عنها الاحتكاك بالشارع، في عائلة تضم أبا يعمل طبيبا وأما مهندسة ديكور، وجدّا كان قبطانا بحريا، لكن الاعتراف يفتح الباب أمام أسئلة حول أسباب استمرار الدفع بها في البطولة رغم محدودية القدرات ووجود منافسات أفضل منها بمراحل.

مشاركة :