وضعية المرأة الإيرانية المحاصرة بالتشدد تسيل حبر الروائيين العرب | مصطفى عبيد | صحيفة العرب

  • 8/21/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

المبدع مسافر دائما، يُبحر شرقا وغربا، ويزور مواطن بعيدة عن محل عيشه بفكره وعقله وخياله، بحثا عن عذابات الإنسان، وإمساكا بمواجعه. ولا بزوغ لمبدع مستقر راض بمقامه ومقتصر على محيطه. فالمبدع يمد عينيه إلى أبعد من مد بصره، دائم البحث عن حكايات غير معتادة. كما هو شأن الروائي المصري أدهم العبودي الذي كان لـ”العرب” هذا الحوار معه. الروائي أدهم العبودي، مولع بالسفر والترحال عبر الورق، ليحكي حكايات من خارج بلاده، يراها ساحرة، جذابة، وجديرة بالحكي، والتشكل روائيا. وقبل أيام أصدر رواية جديدة بعنوان “مالم تروه ريحانة” ليقدم لأول مرة لقراء العربية حكاية مفصلة، يشتبك فيها الخيال بالواقع حول قضية مصممة الديكور الإيرانية ريحانة جباري التي أدينت بتهمة قتل رجل استخبارات إيراني سنة 2007، ذكرت أنه حاول اغتصابها، وحُكم عليها بالإعدام شنقا، ونفذ فيها الحكم في 2014. نموذج لقهر الأنثى يحكي الروائي المصري في حواره مع “العرب” أن الفكرة جاءت بعد النجاح الذي حققته روايته السابقة “الخاتن”، التي تتناول دراما إنسانية تخص قضية الأكراد ومعاناتهم، حيث تناقش معه مجموعة من المثقفين حول قضية ريحانة، واعتبروها نموذجا لما يمكن أن تتعرض له المرأة في ظل الحكم المتدثر بالدين، حيث تطغى فكرة ازدراء الأنثى على فكرة العدل، ويعلو صوت القهر السلطوي على أي روايات أخرى. وقتها، طلب منه الناشر وائل الملا البحث في القضية لتحديد إمكانية تقديم رواية أدبية تطرح مأساة ريحانة، ما فتح أمامه نوافذ متعددة لكشف مساحات يُمكن استغلالها أدبيا لفضح نموذج الدولة الدينية. يؤكد العبودي لـ“العرب”، أنه تابع تطورات القضية إعلاميا وصولا إلى تنفيذ حكم الإعدام، واندفع للبحث وترجمة مقالات وشهادات حول القضية وصاحبتها، ما جعله تحت تأثير شعور طاغ بالبوح والمقاومة الأدبية. ويضيف “استغرقتني التفاصيل، وبدأت الحكاية ترسم مسارها في رأسي بهدوء، وتمددت قراءاتي وبحوثي لأطل على مشهد دولة النموذج الديني ككل، مسترجعا ما كان يمكن أن تكون عليه مصر وبعض البلدان العربية حال وصول الإسلاميين إلى الحكم، وهو ما حفزني للكتابة بعمق”. قضية مصممة الديكور الإيرانية ريحانة جباري التي أدينت بتهمة قتل رجل استخبارات إيراني سنة 2007 قضية مصممة الديكور الإيرانية ريحانة جباري التي أدينت بتهمة قتل رجل استخبارات إيراني سنة 2007 أصدر خلال تلك الفترة أكثر من عمل روائي، فيما كانت رواية ريحانة تُبنى على مهل، أو على الموقد الخلفي كما يقول البريطانيون، بدون تعجل حيث قضى أربع سنوات كاملة في الإلمام بمأساتها. وأدهم العبودي روائي مصري، يعمل بالمحاماة، ومن مواليد مدينة الأقصر، جنوب مصر، وصدرت له 11 رواية هي: “جلباب النبي”، “باب العبد”، “متاهة الأولياء”، “الطيبون”، “خطايا الآلهة”، “الخاتن”، “حارس العشق الإلهي”، “قلبي ومفتاحه”، “معشر الجن”، وأخيرا “مالم تروه ريحانة“. حقق الكثير من رواياته عدة طبعات، حتى أن رواية “حارس العشق الإلهي” حققت أكثر من عشر طبعات. وترجمت معظم أعماله إلى اللغات الإنجليزية والهندية والألمانية والفرنسية والفارسية، وحصل على جائزة الشارقة في الإبداع العربي للرواية سنة 2012، كما حصل على جائزة بهاء طاهر للرواية باتحاد كتاب مصر عام 2015، فضلا عن جائزة إحسان عبدالقدوس في القصة القصيرة. ويرى العبودي، أن الروائي عصفور حُر غير محدد الإقامة، قضيته الأولى هي الإنسان، ومهمته الأساسية هي أن يحكي عنه وله، والأنثى تحديدا أكثر مخلوق يمكن أن يتعرض للقهر والتسلط والتمييز، وتتجمع الموروثات الإنسانية لتُشكل أسنّة رماح تحاصرها، وقد لاحظ ملامح قهر مشتركة للنساء في إيران وجنوب مصر مبعثها التراث والاستبداد المجتمعي. ويوضح، أن الأنظمة الدينية أكثر ازدراء للأنثى، وأكثر قمعا للإنسان، مع اختلاف درجات القمع من بلد لآخر، إلا أن النموذج الإيراني تحديدا أكثر تشوها وحدّة تجاه الحضارة والتمدن. وهذا التصور فتح أمامه خيالا لما كان يمكن أن يحدث لو استمر الإخوان المسلمون في حكم مصر، وتساءل، ما هو حال المرأة المصرية وقتها؟ وإلى أي مدى ستعاني، وهل يمكن تحمل تلك المعاناة؟ تبدو عناصر التشابه بين المجتمعين المصري والإيراني متعددة، وتطرح عدة تساؤلات حول فكرة قهر المرأة اتكاء على رؤى يتصور البعض أنها دينية، ما يدفع إلى ضرورة التعرض لأحوال المرأة في إيران روائيا، والخوض دراميا في حكايات لها أسس من الواقع. ضرورات التجدّد الروائي عصفور حُر غير محدد الإقامة الروائي عصفور حُر غير محدد الإقامة يقول إن التجدد روائيا يلزم بضرورة السفر بالكتابة إلى أبعد مكان لالتقاط فكرة أو حكاية تتشابه مع هواجس محلية لتفتح الباب لعوالم يتصور البعض أنها بعيدة، لكنها لم تعد كذلك في ظل عصر التطور التكنولوجي، والميديا الجديدة. ويشير إلى أن حكايات الأنظمة المتسلطة دينيا تزخر بالثغرات التي تجعل رواياتها للأحداث محل تشكك دائم، ما يمنح الروائي فرصة سانحة لسد تلك الثغرات بتصورات إبداعية قائمة على البحث والاستدلال العقلي. ويلفت إلى أنه يعمل على مشروع أدبي يهتم بالبحث والاطلاع والتقاط كل ما هو جديد، وعلى استعداد أن يفني عمره في سبيل الحفاظ على ثقة قرائه به، وعلى الروائي، بل وأي كاتب أو فنان، مقاومة المد الديني المناقض للمدنية والفن والمزدري للنساء. ويوضح أن التيارات الأصولية في العالم العربي تمثل خطرًا شديدا على الوعي العام، وعلى تطور الفِكر ومنهجية الحوار المتبادل بين كافة أطياف المجتمع. الروائي عصفور حُر غير محدد الإقامة، قضيته الأولى هي الإنسان، ومهمته الأساسية هي أن يحكيَ عنه وله ويتابع الروائي قائلا “خطر الأصولية الحقيقي هو إيقاف عجلة الزمن الدوارة على أزمنة بائدة ومحاولة الاشتغال وفق مناهج هذه الأزمنة التي عفا عليها الدهر، ورغم أن العالم يتغير، والبلدان العربية مستمرة في التطور بدورها اقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا، فإن الأصوليين لا يؤمنون بهذا التطور، وعلى المثقفين والمفكرين أن يواجهوا هذا بإثارة الجدل المستمر وتحريك الأفكار تجاه النمو، فليكتبوا وليحاوروا وليناقشوا”. ويتساءل أدهم العبودي، ما دور المثقف إن لم يدعُ الآخر إلى التفكير؟ ويرى أن الأدب في عمومه غيّر ويغيّر في عقول الناس، وهذا بديهي، وهو يغيرهم إلى حد الإيمان بالأفكار الإنسانية الكبرى وترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة المجتمعية في العقول. ويؤكد لـ”العرب”، أن الآداب والفنون الإيرانية ثائرة بطبعها، وتقاوم دائمًا، أما المجتمع الإيراني فإن قبضة الدين والتحدث باسم الدين وتطبيق الأفكار المتطرفة والعنصرية ما زالت تحكمه، فهناك من يتحدث عن الله، وهناك من يتحدث باسم الله، وهناك من يفرض حديثه بالقوة والقمع وإخراس الأصوات. الحس الصوفي إذا كان الحس الصوفي متجددا لدى الروائي المصري، حتى أن عدة روايات تناولته باعتباره طرحا مقاوما للتطرف، فهو يرى أن الصوفية بما تمثله من تدين شعبي عفوي يمكن أن يكون أحد الحلول المطروحة لنبذ التطرف. ويقول، لا أزعم أني من الصوفيين الكبار، إنما يمكن التأكيد على محبتي لكثير من المناهج الفكرية الصوفية وطريقة تعاملهم مع التراث الإنساني العقدي في الأساس، وعلاقتهم مع الله ومع الآخر ومستوى التسامح والزهد في هذه العلاقات وإيثار الآخر. دراما إنسانية تخص قضية الأكراد ومعاناتهم دراما إنسانية تخص قضية الأكراد ومعاناتهم وحول تأثير مهنته المحاماة التي يعمل فيها على الإبداع الأدبي، يوضح العبودي، أن معرفة القوانين والمحاماة والجرائم والإفادات والشهادات توفر التعامل مع نوعيات مختلفة من البشر، تساهم إلى حد كبير في تعريف المبدع بالفروق الشخصية والطبائع المتعددة للبشر. من هنا، فاختلاف البشر ميزة عظيمة يحتك بها المحامي بشكل دائم، ما يدفعه لتخيل التصرفات السلوكية المتوقعة لشخصيات يرسمها بأدبه. يؤكد العبودي لـ”العرب”، ثقته في أن الرواية العربية ما زالت بخير، وهناك مبدعون جدد كل يوم، وبالطبع مطورون. ويذكر أنه يقرأ للجميع، ويتابع إسهامات عديدة شديدة التميز، ولا يخص أحدا بعينه، والموهبة هي الأساس الذي يبني عليه الروائي عوالمه، وفي ما بعد تلعب مستويات البحث والتأمل والدراسة دورا في تجويد عمل ما عن غيره. واللغة في رأيه، يمكن أن تُكتسب عن طريق القراءات المتعددة في المجالات المختلفة، حيث تتراكم هذه الخبرات المعرفية لتتشكّل لغة الروائي، مع الأخذ في الاعتبار أن تجارب الحياة على اختلافها تمثل عاملًا جوهريًا من عوامل التفرد الروائي، ويمكن أن نقول الخصوصية. ويعتبر العبودي أن الجوائز الأدبية تمثل حافزًا حقيقًيا للمبدعين كي يواصلوا الإبداع والشعور بالتحقّق، كما تمنحهم عائدًا ماديًا جيّدًا، غير أن معظم ما يُثار حول الجوائز الأدبية من لغط قريب من الحقيقة. ويرى أن هناك فوضى في سوق النشر، وأثر اللهاث وراء المبيعات كثيرا على القيمة الفنية، في ظل وجود بعض دور النشر التي لا تنشر إلا لمن لديهم جمهور واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وثمة دور ترفض نشر روايات بسبب ما تحتوي عليه من مشاهد تعتبرها حراما، وفي المجمل لا توجد قواعد واضحة تنظم سياسات النشر عربيا.

مشاركة :