أسس اتحاد الكتاب المصري فعليا منذ حوالي 44 عاما، أي سنة 1975 وعلى يد مجموعة من كبار الكتاب ضمت توفيق الحكيم وثروت أباظة ويوسف السباعي وحسين فوزي ويوسف جوهر، وتناوب على رئاسته مبدعون كبار مثل توفيق الحكيم وثروت أباظة وسعدالدين وهبة وفاروق شوشة وفاروق خورشيد ومحمد سلماوي. لكنه اليوم بات محل جدل كبير نظرا إلى تراجع دوره في الحياة الثقافية. القاهرة – جدد تأجيل انتخابات التجديد النصفي لاتحاد كتاب مصر، بسبب جائحة كورونا الانتقادات الموجهة بضعف دوره في خدمة الثقافة والكُتاب بمختلف فئاتهم. وفتح القرار المجال للجدل حول مبررات عدم انضمام الكثير من الروائيين والشعراء المشاهير والمعروفين إلى عضوية الاتحاد. فضلا عن مخاصمة بعض المخضرمين من أعضاء الاتحاد نفسه لأنشطته واعتباره “كيانا كرتونيا” لا يخدم الحركة الثقافية. أسس الشاعر الكبير أحمد سويلم، جبهة لإصلاح الاتحاد، كان من المفترض أن تخوض الانتخابات في مارس الماضي أملا في استعادة تأثيره ودوره الريادي وإخراجه من حالة التيبس التي يعاني منها منذ سنوات، ولا يزال الرجل يخوض معركة لتصحيح مسار الاتحاد ليكون معبرا عن نبض عموم الكتاب في مصر. أكد الكثير من الكتاب من جيل الوسط عدم شعورهم بدور للاتحاد على الساحة الثقافية، ما دفعهم إلى عدم التقدم بطلبات رسمية للانضمام إليه، على الرغم من استيفاء جميع الشروط المطلوبة. تتضمن شروط الحصول على عضوية الاتحاد أن يكون لدى المتقدم إنتاجا أدبيا مطبوعا يتجاوز الثلاثة كُتب، ويقدم شهادة جنائية تُثبت عدم صدور أحكام قضائية ضده، مع توصية من أحد أعضاء الاتحاد بأحقيته في العضوية. بوتقة لاستيعاب المثقفين عمر طاهر: الاتحاد ليس مكانا جامعا للكتّاب عمر طاهر: الاتحاد ليس مكانا جامعا للكتّاب يقول الكاتب عمر طاهر لـ”العرب”، إنه لم يشعر أبدا بدور اتحاد الكتاب ولم يحظ بشرف معرفته، ويرى أغلب من يقدمون أنفسهم باعتبارهم أعضاء في الاتحاد غير مؤثرين في الحركة الأدبية، وغير لافتين للقراء خاصة من الشباب. صدر لعمر طاهر عشرة كتب متنوعة بين الشعر، القصة، والكتابة الساخرة، فضلا عن كتابته سيناريوهات عدد كبير من الأفلام والمسلسلات الإذاعية. ويوضح أنه من المفترض أن يتعامل الاتحاد كمكان جامع وداعم للكتاب، ولو من خلال تقديم أفكار ونظريات تشجع المواهب وتحفزهم على الكتابة، علاوة على الموقف المفترض لتبني علاج كبار الأدباء والكتاب ورعايتهم في فترة الشيخوخة. يكشف أحمد سالم أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة طنطا، شمال القاهرة لـ”العرب”، أنه لم ينضم للاتحاد رغم أن لديه العشرات من الكتب، لأنه يشعر بتحكم الشللية فيه، ومن المحزن أن يطلق البعض حملات لعلاج كبار المبدعين من روائيين وشعراء ومفكرين في سنوات شيخوختهم دون اهتمام يذكر من الاتحاد. ويشير شاعر من جيل الوسط، طلب عدم ذكر اسمه لـ”العرب”، إلى أن معظم أبناء جيله لا يلتفتون إلى الاتحاد لإيمانهم الشديد بضعف دوره، والكثير من مشاهير هذا الجيل من الروائيين ليسوا أعضاء في الاتحاد، رغم ما يحوزونه من جماهيرية مثل أشرف العشماوي، أحمد مراد، علاء الأسواني، وأحمد القرملاوي. وأضاف أن جانبا من الشعور السائد في الوسط الثقافي يرجع إلى ضعف جماهيرية قيادات الاتحاد وعدم معرفة الناس بهم، وليس أدل على ذلك من مقارنة أسماء مجلس الإدارة الحالي بأول مجلس إدارة عند تأسيس الاتحاد في السبعينات، والذي كان على رأسه أدباء كبار مثل يوسف السباعي، توفيق الحكيم، عبدالقادر القط، سهير القلماوي، لطيفة الزيات، سعد مكاوي، بهاء طاهر، صالح جودت. إبراهيم عبدالمجيد: الاتحاد بلا دور ثقافي إبراهيم عبدالمجيد: الاتحاد ابتعد تماما عن القضايا السياسية يبدو الخصام مع اتحاد كتاب مصر غير قاصر على جيلي الوسط والشباب من المبدعين، إذ أن بعض أعضاء الاتحاد من كبار الكتاب أنفسهم يعيشون الحالة ذاتها بسبب ما يعتبرونه تفريغا لرسالة الاتحاد المفترضة من مضمونها الحقيقي. يؤكد الروائي إبراهيم عبدالمجيد لـ”العرب”، أن الاتحاد أصبح خارج اهتمامه، وهو يقول ذلك آسفا، فالتطورات التي حدثت خلال السنوات الماضية جعلت الاتحاد بعيدا تماما عن القضايا السياسية، رغم كونه نقابة مهنية للكتاب. ويضيف قائلا “أعرف أنه نقابة فعلا لكن النقابات الخاصة بالمثقفين لا تقف عند حدود الخدمة الاجتماعية وحدها، وأنا لا ألوم أحدا لأني أعرف أن الزمن صعب، لكن نفضت يدي من أي مشاركة في أعماله”، متوقعا ألا يكون مع الوقت مغريا للكثير من المبدعين الحقيقيين من الأجيال القادمة. أما الروائي أشرف الخمايسي، فيحكي لـ”العرب” تجربته مع الاتحاد قائلا “لقد حققت شروط العضوية تماما سنة 1999 ونصحني الكاتب الراحل جمال الغيطاني بالانضمام إلى الاتحاد، لكن لم أنضم وقتها لشعوري أنه بمثابة تكتل ثقافي، وأولى بالمبدع المتفرد ألا ينضم إلى أي تكتل. ويتابع “في عام 2011 تصورت أن الأمر سيختلف فالتحقت به، وكان ذلك رغبة في أن أثبت لأبي أن الأدب مفيد، لأنه كان يقول إنه غير مجد، وبالفعل اقتنع عندما علم أن أعضاء اتحاد الكتاب يحصلون على معاش وهناك إمكانية لعلاجهم في المستقبل”. صعود وهبوط لا يشعر الكثير من الكتاب بدور حقيقي للاتحاد في خدمتهم، وأبسط دليل على ذلك أن معظمهم يقعون ضحايا لدور نشر محتالة، ولا يؤدي الاتحاد الدور المطلوب لحمايتهم. كذلك لا يهتم بتقديم خدمات للترويج لكتب الأعضاء، ويتجاهل الكتاب البارزين إذا كانوا غير فاعلين في دعم مجلس الإدارة، والذي وحده الذي قد ينتفع بأنشطة الاتحاد. يرد الاتحاد على انتقادات بعض الكتاب بالقول، إنها آراء شخصية، وهناك تعال من بعض المبدعين المشاهير على الكيان الوحيد الممثل للكتاب المصريين. يقول الشاعر مختار عيسى نائب رئيس اتحاد الكتاب لـ”العرب”، إن الاتحاد غير مسؤول عن اللهاث وراء المشاهير للانضمام إليه، لأن العضوية اختيارية، وهناك مَن يرون أنفسهم في غير حاجة لها، وهو شخصيا لم ينضم إلى الاتحاد خلال فترة رئاسة ثروت أباظة له، بسبب موقف شخصي منه، لكنه الآن يرى أنه كان على خطأ. أشرف الخمايسي: الاتحاد بلا دور ثقافي أشرف الخمايسي: الاتحاد بلا دور ثقافي ويشدد على أن الاتحاد يقدم خدمات اجتماعية وأنشطة عديدة، تبدأ بخدمات العلاج والتفاعل مع الأحداث الثقافية، وحتى تمثيل مصر في المؤتمرات المختلفة، وهناك موقع إلكتروني له، ومشروع عام لتسجيل تجارب كبار الكتاب والمفكرين، وقد تم تسجيل حلقات مع بعضهم خلال حياتهم، كما تم تكريم عدد من كبار المبدعين. ويلفت إلى أن عدد أعضاء اتحاد الكتاب يتجاوز ثلاثة آلاف عضو، وهو رقم كبير مقارنة باتحادات الكتاب في باقي الدول العربية، معترفا بضعف حضور الاتحاد بشكل عام، لكن ذلك لا يرجع لضعف الأداء وإنما إلى تهميش الثقافة على المستوى الرسمي، على الرغم من كونها قوة ناعمة وضرورية في مواجهة التيارات الظلامية. في تصور البعض، فإن مواقف الكثير من الكتاب بمخاصمة الاتحاد قديمة، وتزامنت مع تأسيسه، ومردها سيادة تصور عام بأنه إحدى أدوات الدولة لترويض المثقفين. حكى الكاتب الراحل صلاح عيسى في كتابه “مثقفون وعسكر.. الجزء الثاني” في فصل بعنوان “السلاح اليميني الفاجر والأسلحة اليسارية الفاسدة” أن اتحاد الكتاب أنشئ كمحاولة من الدولة للسيطرة على مجتمع المبدعين، حيث التقط يوسف السباعي عندما كان وزيرا للثقافة دعوة الأدباء لبعض الشبان في مدينة المنصورة، شمال القاهرة، لإنشاء اتحاد يضمهم، وأعد في وزارة الثقافة قانونا للاتحاد وصدر به قانون وافق عليه البرلمان، وجرى ذلك دون أن يعلم أحد شيئا عنه حتى نشر إعلان في الصحف يدعو الكتاب للانضمام إلى الاتحاد. حسب ما قاله صلاح عيسى، فإن قانون الاتحاد كان مليئا بالثغرات ولم يحفظ الاستقلالية له، ما دفع مجموعة من المثقفين تطلق على نفسها “كتاب الغد” إلى تبني الدعوة لمقاطعته، لكن تلك المجموعة تفرقت بعد القبض على قياداتها بتهمة الشيوعية. ظل الاتحاد مقترنا في وعي جيل السبعينات من المثقفين برغبة الدولة في التحكم في الوسط الثقافي، ما جعل عيسى نفسه يصف الاتحاد بالمسخ، ويعتبره أداة لتكميم أفواه الكتاب، وسلب حقوقهم، ومحاولة لتقديم تمثيل زائف للمثقفين المصريين في الخارج. انتعش دور الاتحاد في عهد رئيسه الراحل سعدالدين وهبة، الذي حوله إلى كتلة من النشاط الثقافي والسياسي، حيث كان أحد رؤوس الحربة في الثمانينات التي وقفت ضد التطبيع مع إسرائيل، من هنا ذاع صيته. يقول البعض من الكتاب إن فعالية أو خمول الاتحاد مرتبطة بعاملين، الأول ما تقدمه الحكومة من دعم له، والثاني درجة الوعي الثقافي والنضج السياسي لمن يتبوأ رئاسته، وهو ما يفسر الصعود والهبوط لدوره في الفضاء العام.
مشاركة :