لا يزال المشهد السياسي التونسي، في حالة من الترقب لإعلان تشكيل أول «حكومة تونسية بلا أحزاب»، بينما تباينت الآراء والمواقف حول أسباب ودوافع تشكيل الحكومة بعيدا عن التمثيل الحزبي المتوافق عليه دستوريا ـ على الأقل ـ ما أثار جدلا واسعا داخل الأوساط السياسية والحزبية. أسباب ودوافع.. حكومة بلا أحزاب في تونس دوافع رئيس الحكومة المكلف، هشام المشيشي، ترجع إلى ما لمسه خلال مشاورات التشكيل وفي ظلّ المناخ السياسي الذي تعيشه تونس، جعله يدرك أنّ درجة الاختلاف والتناقض بين الفرقاء السياسيين كبيرة جدّا، ممّا لا يمكن من إيجاد صيغة تشكيل حكومة تجمع الأطراف السياسية وتضمن الحدّ الأدنى من الاستقرار السياسي في البلاد. وداخل المشهد العام، يترقب التونسيون، الإعلان عن الحكومة الجديدة التي ستكون مهمتها إخراج البلاد من أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة تغذيها تجاذبات وانقسامات سياسية، وسط غموض حول ملامحها وشكلها وتساؤلات حول مدى قدرة رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي في فرض توجّهه القاضي بتشكيل حكومة كفاءات مستقلّة بعيدة عن سلطة الأحزاب تشكيل الحكومة قبل انتهاء الآجال الدستورية وإثر إعلانه عن خياره بتشكيل «حكومة الكفاءات المستقلة»، واصل المكلف بالحكومة مشاوراته مع الأحزاب والكتل البرلمانية والخبراء الاقتصاديين والشخصيات الوطنية وممثلي المنظمات الوطنية، ولم يتم الإعلان رسميا عن عقد لقاءت جديدة للمشيشي.. وبينما نفى المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي، التسريبات المتعلقة بالحكومة المقبلة، والتي تضمنت معطيات حول هيكلتها وتركيبتها، أكد أن «الإعلان عن التركيبة الوزارية المرتقبة سيتم من قبل رئيس الحكومة في إطار الالتزام المطلق بصيغ الآجال الدستورية، التي تنتهي يوم الثلاثاء 25 أغسطس/ آب الجاري. واللافت أنه قبل ساعات على موعد الإعلان، وبعد أسابيع من المشاورات، تسيطر حالة من الغموض والتكتم على تشكيلة الحكومة المرتقبة، وسط توقعات بالإبقاء على بعض وزراء حكومة إلياس الفخفاخ من بينهم وزير الدفاع عماد الحزقي ووزير المالية نزار يعيش وكذلك وزير السياحة محمد علي التومي ووزيرة العدل ثريا الجريبي. «حكومة مستقلة» بين الرفض والقبول ورغم إعلان المكلف بتشكيل الحكومة، هشام المشيشي، عن اتجاهه نحو خيار حكومة كفاءات مستقلة، واستحسان هذا الخيار من المواطنين والخبراء والمتابعين، بعد ما اتضح طيلة الأعوام الماضية فشل الحكومات ذات الطبيعة الحزبية، لكن بعض الأطراف السياسية ما زالت تُصرّ على المشاركة مُجددا في الحكم، غير مبالية بالرفض الشعبي الذي أصبحت تواجهه وغير مكترثة بما سببته للبلاد خلال توليها الحكم من وضع كارثي على مختلف الأصعدة. الأحزاب الكبرى فشلت في الحكم ويرى المحلل السياسي التونسي، فاضل الطياشي، أن كل الأحزاب الكبرى أتيحت أمامها منذ 2012 إلى اليوم فرص تاريخية لإثبات جدارتها بالحكم ولتأكيد اخلاصها وتفانيها في خدمة الشأن العام، ولتقترب أكثر من المواطن وتحقق انتظاراته، وبعضها كرّر التجربة أكثر من مرّة مع مختلف الحكومات المتعاقبة. غير أنها لم تحسن التعاطي مع هذه الفرص لأنها اختارت منحى آخر يقوم أساسا على الأنانية والانشغال بخدمة مصالحها السياسية والحزبية الضيقة وتصفية الحسابات مع الخصوم من اجل التشبث بالكراسي وعلى النزول بالعمل السياسي إلى أدنى مستوياته، بدل الانشغال بالمصلحة الوطنية. ولفت إلى أن ذلك تسبب في بلوغ البلاد مرحلة غير مسبوقة من التدهور الاقتصادي والفقر والبطالة والفوضى والفساد. حكومة كفاءات تفرضها ضروروات المرحلة ويضيف «الطباشي»، أنه رغم طبيعة النظام السياسي الذي يفرض من خلال الدستور تشريك الأحزاب الفائزة بالانتخابات في الحكم، فإن اختيار المشيشي حكومة كفاءات مستقلة لا يمكن اعتباره مسّا بوجود هذه الأحزاب أو حطّا من قيمتها أو إبعادها نهائيا عن ممارسة السلطة. وأوضح أن هذا الإجراء يعد قرارا ظرفيا اقتضته ضرورة المرحلة التي تميزت في الأشهر الأخيرة بارتفاع حدّة الصراعات السياسية للأطراف المشاركة في حكومة الفخفاخ وببلوغ البلاد جراء ذلك وضعية خطرة اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وباقتراب الدولة من حافة الإفلاس. وأمام استحالة إيجاد التوافقات اللازمة بين الأحزاب لتشكيل حكومة جديدة، وفي ظل الخوف من تواصل إهدار الوقت، لم يكن من خيار أمام الأطراف الفاعلة سوى حكومة كفاءات مستقلة تكون بعيدة عن صراعات السياسيين التي ظلت طيلة السنوات الماضية وخاصة في عهد حكومتي الشاهد والفخفاخ معطلا حقيقيا للسير الطبيعي للدولة وللمصالح الحيوية للبلاد وللمواطن. هل يمنح البرلمان الثقة للحكومة الجديدة؟ وبينما يتسع أفق الجدل حول تشكيل حكومة بلا أحزاب، لوح بعض الأطراف بإسقاط هذه الحكومة في البرلمان، معتبرين أن هذا التوجه لرئيس الحكومة المكلف، يعد تهميشا لدور الأحزاب وانحرافا بنتائج الانتخابات في نظام سياسي برلماني.. فيما عبرت أطراف أخرى عن القبول المبدئي لهذا الخيار في انتظار الاطلاع على برنامج عمل الحكومة وتشكيلتها.. وتتصدر حركة النهضة (54 نائبا) رافضي خيار هشام المشيشي حيث دعت إلى تكوين «حكومة وحدة وطنية ذات حزام سياسي واسع تراعي التوازنات البرلمانية ونتائج الانتخابات التشريعية» من يدعم توجه «المشيشي»؟ وفي المقابل تحظى «حكومة الكفاءات المستقلة»، بدعم وسند من كل من الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية.. ويأتي في صف مؤيدي خيار هشام المشيشي عدد من الكتل البرلمانية على غرار كتل «الدستوري الحر» (16 نائبا)، و«الإصلاح» (16 نائبا)، و«الكتلة الوطنية» (11 نائبا)، وتحيا تونس (10نواب)، معتبرين أن خيار تشكيل حكومة كفاءات مستقلة هو الأمثل اعتبارا للظرف السياسي والاقتصادي. ويرى مراقبون أن مآل حكومة الكفاءات المستقلة المقترحة، وحظوظ حصولها على ثقة البرلمان غير واضح في ظل اختلاف المواقف حول هذا الخيار وتواصل التجاذبات السياسية، فيما يستشرف البعض أنها لن تحصل على الثقة وهو ما يؤدي إلى حل البرلمان، وذلك توازيا مع استفحال أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة تمر بها البلاد. frameborder="0" allow="accelerometer; autoplay; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture" allowfullscreen> فيما أفاد مراسلنا من تونس بأنه وفقا لمصادر من المكتب الإعلامي للمشيشي، فمن المستبعد الإعلان اليوم عن الحكومة الجديدة، إلا أن كل شيء متوقع. وأوضح أن الموعد النهائي للإعلان عن الحكومة بعد غد الإثنين قبل المهلة الدستورية للمشيشي المقررة حتى 25 من الشهر الجاري.
مشاركة :