د. رأفت محمود يكتب: فُرص ضائعة

  • 8/23/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عندما تقترب من المرمى ولا تستطيع ركل الكرة لتصنع هدفًا فهذه فرصة ضائعة، إذا خرجت منتصرًا لا تُلام عليها كثيرًا، تًعاتب عندما يخرج فريقك متعادلًا، تصبح كارثة عندما يُهزم فريقك وتتحمل كل التبعات، اختلفت النتيجة واختلفت معها تقييم أداءك.في العلاقات الدولية الفرص لا تتكرر كثيرًا وقليل من القادة الذين يدركون أهمية الفوز بها، يتحملون المسئولية ويحاولون تحقيق الهدف تلو الأخر، هكذا تتصرف الأمم الحقيقية، تدار بمنطق المسئولية.في وسط زخم المعارك الدائرة حاليًا فى الكثير من دول المنطقة تتلون الحقائق وزاد اصحاب الفرص الضائعة ومن يدعمونهم من هجومهم وتزييف الحقائق، لأنهم في مواجهة الواقع سيحاسبون على النتائج.فمثلًا لم تكن أبدًا اسرائيل أكثر قدرة من محيطها، ولكنها تدير أمورها بمنطق الواقعية السياسية، فهى لا تؤمن بمنطق الفرص الضائعة، لذا تواجه مشكلة عندما تُعامل بنفس المنطق.تلك كانت معضلتها مع مصر خلال حرب 1973 وما تلاها من إدارة رشيدة للملف، فعادت سيناء أرض محررة تخضع بالكامل للسيادة المصرية، وأعلن الكينيست الإسرائيلى العام الحالي أو السابق ضم هضبة الجولان السورية إلى إسرائيل. فقد احتوى فندق مينا هاوس فى مصر في ديسمبر ١٩٧٧ منضدة لم توضع إلا بعد دماء واصرار على تحرير الأرض وذكاء فى إدارة المعركة وقراءة لمعطيات الواقع الدولي حينئذ.وضعت على المنضدة أعلام تمثل الأطراف المتصارعة ووسطاء دوليون بهدف التحضير والاتفاق قبل الذهاب الى مؤتمر جنيف الداعي الى تطبيق السلام في الشرق الأوسط والذي كان سيناقش تطبيق اسرائيل لقرار الانسحاب من الأراضي العربية حتى حدود ١٩٦٧، من ضمنها الأراضي الفلسطينية وتقرير حق عودة اللاجئين، تلك الحدود التي لم تعد موجودة بأي حال من الأحوال حاليًا.حضر ممثلي علمين ولم يحضر باقى الأطراف، حضر الخصم وهو من تجاهل كل نداءات الانسحاب بدون معركة، حضر لأنه أدرك إن الخصم المصري لن يتنازل عن تحقيق هدف، ولن يترك فرصة إلا وحاول أن يحقق الهدف، وكان هدفه تحرير الأرض.هنا فرصة أُتيحت فى سبعينات القرن الفائت ومصر حققت هدفا وفرصة ضائعة لسوريا والفلسطينيين، الواقع على الأرض دائما هو الحكم. قيل ما قيل حينئذ، قُتل وزير الثقافة المصرى وطردت مصر من جامعة الدول العربية ونُقل مقرها إلى تونس، وشكلت جبهة الصمود والتصدى لمواجهة إسرائيل، أكثر الأسلحة الفتاكة التي استخدمتها الجبهة صواريخ المؤتمرات طويلة المدى ومدافع الميكروفونات، كل من اشترك فيها احتلت أرضه وتمزقت  أوصاله ليبيا، وسوريا، والعراق، واليمن، ومنظمة التحرير، وهذا ليس تشفي فى بلاد عربية عزيزة، ولكنها فى النهاية مسئولية تحقيق الأهداف من أقل الفرص.أتت فرصة تحقيق هدف أخر في مفاوضات أوسلو فقتل رابين وكلما جلسوا على منضدة تفاوض ينطلق صاروخ من غزة أو تهاجم إسرائيل غزة في تناغم غريب كأنهم إسرائيل ومن يحكمون غزة لا يرغبون فى تحقيق أهداف.ضاعت فرص في فندق مينا هوس وغيره وفقدت القضية الزخم الدولي فى ضوء إنقسام مُشين، ومزقت المستوطنات الإسرائيلية الضفة الغربية، ولم تعد غزة بمضى الوقت واستمرار الانقسام الفلسطيني أحد المبكيات التي يستعطف بها شعوب المنطقة ويُناكف بها القطريون والأتراك مصر، فما كان متاح في الماضي لم يعد الأن متاح.وفى شأن القضية الفلسطينية والأراضى العربية المحتلة معظم الفرص التي تم إتاحتها ضاعت، والأمم التي تضيع الهدف تلو الأخر يجب أن تعيد المنهجية التي تتبعها وإلا فقدت منطق المسئولية، وأمانتها، بل ستخسر نفسها. والحادث الأن إنهم لا يساعدون أنفسهم ومن لا يساعد نفسه لن يساعده الأخرون، والهزيمة وكثرة خسارة الأهداف تُقيم بلا شك عوائد المنهجية المستخدمة ولياقة الفريق وقدرته، وأخيرًا ولائه وإيمانه بقضيته لأنهم هم الذين يتحملون عقبى الخسائر وليس غيرهم.من يحاربون أمام شاشات الفضائيات وفى الواقع يدعمون الانقسام ويقيمون العلاقات مع إسرائيل ويوظفونها لمصلحتهم، وتمرح قواتهم فى الأراضى العربية ويحتلون الأراضى، فالواقع يقول إن تركيا غزت ليبيا وسوريا والعراق. آفة العلاقات الدولية التدخل في شئون الدول، وآفة منطقتنا هؤلاء الذين يتعمدون إهدار الفرص وتوظيف أنفسهم لصالح غيرهم، يتدخلون فى شئون دول ذات سيادة تقرر ما تراه يحقق مصلحتها القومية.فنرى قطر تمضي فى أي طريق يضر بالمصالح القومية المصرية، وتدعم فصيل فلسطينى لمناكفة مصر وتتعاون مع تركيا فى فرض وصايتها على ليبيا، والتي تمرح قواتها في سوريا والعراق وتتحدث باسم الإسلام وكل مغامراتها في ديار المسلمين وهى الأكثر تجارة وعلاقات عسكرية من الجميع مع إسرائيل.  وإيران تمرح فى المنطقة العربية فأصبحت الدول العربية تعانى من ثلاثة على تخومها إيران وتركيا وإسرائيل، وتبقى الدول القوية المستقلة هى من استطاعت تحقيق أهداف ولم تهدر الفرص التي أُتيحت لها، ثم يهاجم هؤلاء الإمارات على قرارها.لذا عندما نجد الخسائر فى جانب والمكاسب فى جانب أخر لابد من التفكير قليلًا وإلا كان هناك قصد في إضاعة الفرص لغرض أخر ليس في الأغلب مصلحة الأوطان. من لم يدرك الواقع فلا يندم على عدم العيش فيه لأنه سيكون خارج الحدث، لذا خسرت القضية الفلسطينية كثيرًا، وفي النهاية يمضي القطار يدركه هؤلاء الذين يجيدون خلق الفرص لتحقيق أهداف في المرمى، وأمناء على المسئولية، ويترك خلفه الذين ليسوا على مستوى الحدث، يشجبون ويدينون، بل ويتكسبون من إضاعة الأهداف لذا وصفت العديد من قضايا المنطقة بالفرص الضائعة.

مشاركة :