د. رأفت محمود يكتب: حصان طروادة

  • 10/4/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أسطورة حصان طروادة تحمل رمزيّة رائعة، وهي تعيدنا إلى ماض بعيد يرتبط ارتباطا وثيقا بالسعي نحو تحقيق هدف دون أن يشعر خصمك إنك تضمر له العداء إنك تسعى إلى تدميره بدون مواجهة عسكرية صريحة والتي تتطلب إفشاء العداء وجسارة جنود وخسائر قادمة. لذا كانت الخدعة هي الطريق المفضل إلى حسم المعركة، تتلون الأساليب التي تستخدم ولكنها في النهاية تُسمى خدعة وأشهر الخدع ما عرف بحصان طروادة. عشرة أعوام كاملة وتبقى حصون مدينة طروادة صامدة أمام الغزو، كانت الخدعة صنع حصان ضخم احتوى داخله جنود، فرح أهل المدينة بالحصان وعبروا به أسوار مدينتهم الحصينة، وفي الليل خرج الجنود وفتحوا اسوار المدينة التي أُغلقت أمامهم عشرة أعوام. ولأنها خدعة فكان لا بد وأن تتغير وتتلون حتى تحقق هدفها، والأهم أن تختفي خلف الستار، أن تولي غيرك مهمة تحقيق مصلحتك، وقد كثرت الخدع التي استخدمت ووظفت لتحقيق مصالح قوى مختلفة. مثلًا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية قسم العالم إلى مناطق نفوذ بين كتلتين، وكان الصراع فكرى بين نظامين لهما رؤيتهما لإدارة شؤون الاقتصاد والبشر والعالم ووجد ما أطلق عليه الحرب بالوكالة، فوظفت دول صغرى كحصان طروادة لصالح القوى العظمى. وفي فترة غزو السوفييت لأفغانستان كانت فرصة أمريكا لرد صفعة حرب فيتنام، فكانت الفكرة هي الجهاد الإسلامي ضد المحتل الشيوعي الملحد كما روج وقتئذ، وبدأ العديد من عتاة الدعاة المتمرسين على التحشيد في الخطابة والتوجيه، وقامت دول بالمساعدة والتمويل، فأُرسلت الأجساد لتحارب قوى كبرى لصالح قوى عظمى أخرى، ونشأ ما أطلق عليه تنظيم القاعدة في البداية في الغرف المغلقة لأجهزة مخابرات دولية وكان حصان طروادة للأمريكان وقوى غربية قبل أن ينقلب السحر على الساحر. فكرة حصان طروادة تم تطويرها وإن كان الفضل يرجع بالتأكيد إلى أصحاب المبدأ الذهبي لاحتلال الأمم واستعبادها مبدأ "فرق لتسد" أصحاب لورانس العرب والإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس "بريطانيا"، فلم يتركوا بلدا إلا وتركوا فيها خنجر مسموم يبدأ بقطعة أرض متنازع عليها، أو تأليب الجماعات الإثنية أو الدينية أو تنشئ جماعة خارج الإطار الوطني الجمعي ودائما شوكة في الظهر كجماعة الإخوان المسلمين. حصان طروادة هنا أن تترك من يقوم باستنزاف خصمك ويدين بالولاء لك ويلعب لصالحك، كما تلعب الجماعة الآن لصالح تركيا والتي تأوي لندن قياداتها. وعندما تم اختراع فيروس يقوم بالتخفي بين البرامج الشرعية حتى يتمكن من الدخول على الحاسب ثم يقوم بدوره في التجسس وسرقة البيانات، أُطلق عليه "حصان طروادة"، هي ذات الفكرة لا تراه، لا تعرف نواياه، يتلون ويتخفى ثم تفاجئ إنه الشر بعينه. كيان موجود تظن أنه من الجسد ولكنه لا ينتمي إليه، يرغب في تدميره، فيروس حصان طروادة هو في الواقع كل جماعة وكيان يعمل ضد المجموع يستهدف تدميره يدين بالولاء لأخر، لذا لا تندهش برحلات السفاري التي يقوم بها هؤلاء الذين ينتقلون من ميدان قتال إلى آخر مثل تركمان وإخوان سوريا الذين وجدناهم في ليبيا ثم في أذربيجان، وسنجدهم في المكان الذي تختاره تركيا التي تراعاهم ويدينون بالولاء لها. إنهم ليسوا مرتزقة، بل إنهم يؤمنون بما يقومون به، يوجد إسناد عقائدي وتأصيل فكري تم الاستثمار فيه منذ عقود، استهدف تدمير الهوية والذات القومية ليكونوا مسخ يدينون بالولاء لهويات وكيانات تدمر العداء واستعمارية الطابع. لذا دمائهم أرخص من دماء من يوظفونهم وتراهم وقودا للحروب، وتجد تشابه في سلوكهم وتقيتهم وكرهم لبنى جلدتهم وأوطانهم، ذلك هو الاختراع الذي يخرج أحصنة طروادة، لا يدينون بالولاء لوطن أو يرحمون بني جلدتهم، لذا كان التدمير لمدنهم وقراهم والقتل بلا رحمة أو شفقة لأطفال ونساء وعجائز، إنهم ينظرون إلى وطن آخر لم يتنفسوا هواءه أو تغذت أبدانهم من غذاءه!!!، وفي النهاية تجد لحومهم وليست لحوم من يوظفونهم هي من تغذي مسالخ الحروب. فتشحنهم تركيا كالبهائم من ميدان قتال إلى أخر، الولاء لمن؟، لسوريا الوطن وكل وطن يخرجون منه أم لقومية التركمان والجماعة التي ينتمون إليها، أنهم حصان طروادة يستخدم لتحقيق هدف دولة أخرى توظفهم لصالحها. ولعل ما توارد حول ما أطلق عليه حروب الجيل الرابع، وفكرتها قائمة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتلوين الحقائق من خلال دراسات وأبحاث هدفها في النهاية التركيز على القضايا الجدلية وإثارة النعرات القومية والدينية مثل ما يقوم به معهد كارينجي الأمريكي للأبحاث والدراسات وغيره من مراكز ابحاث ومنتديات تعقد في عواصم دول عليها علامات استفهام في حجم قرص الشمس مثل منتديات الدوحة والتي هي مقر إحدى أكاديميات التغيير والتي هدفت إلى تخريج كوادر من أحصنة طروادة وصاحية قناة الجزيرة أكبر حصان طروادة في منطقة الشرق الأوسط. تتماهى وتتلون الحقائق وهي واضحة، التاريخ ممتد ولم نر فيه دولة ساعدت جماعة أخرى إلا إذا كان لديها مأرب، ولم نر من يوظف نفسه لصالح آخرين إلا وكان حصان طروادة، وعندما يقترب الخصوم من الجلوس للاتفاق على المصالح ستسمع ضجيج أحصنة طروادة لأنهم يدركون إنهم سيلقى بهم في أقرب مكب نفايات، لذا لا تستغرب صياح الجالسون على مقاعد أمام كاميرات في إسطنبول.

مشاركة :