دعا الدكتور أحمد عبدالله محمد الطيار أستاذ العقيدة والأديان بجامعتي الأزهر والدمام بالمملكة المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي للتعاون مع القنوات الإعلامية لتبني استراتيجية دعوية من أجل نشر ثقافة التسامح والاعتدال، في مواجهة ثقافة العنف والتعصب التي يتم الترويج لها عبر قنوات عديدة من أجل تمزيق وحدة المسلمين وإثارة الفتنة بينهم. وقال الدكتور الطيار في حديث خاص لـ«اليوم»: إن الحاجة باتت ماسة لتفعيل دور ثقافة التسامح والتعايش المشترك، لتحصين المجتمعات العربية والإسلامية بالقيم الأخلاقية والانسانية و بالفكر الاسلامي الصحيح الذي يشكل سلوكا حضاريا واعيا لدى المسلم في تعامله مع الآخرين. وأكد أنه حين تعجز ثقافة التسامح عن أن تكون حاضنة للتنوع، فستكون أقرب لان تكون سببا لنشر النزاعات الطائفية والمذهبية، واستنبات بذور العنف والتطرف والإرهاب. كما تطرق الدكتور الطيار في حديثه إلى الأسباب التي تؤدي إلى التطرف والإرهاب، والخلط بين مفهومي الجهاد الإسلامي الصحيح والإرهاب. وفيما يلي نتعرف على المزيد من آرائه: بداية ما رأيك فيما يجري من أحداث إرهابية تمارسها الجماعات المتطرفة التي تتخذ من الاسلام شعارا لها، وأثر ذلك على صورة الاسلام أمام العالم؟ نعم هذه أخطر أكبر مشكلة يعاني منها العالم العربي والاسلامي في الوقت الحاضر، لان التغلب على معظم المشكلات التي يعاني منها عالمنا العربي والاسلامي مثل الفقر والتخلف والجهل وغيرها يمكن التغلب عليها بتسريع جهود التنمية في تلك البلدان، لكن مشكلة التطرف والارهاب التي يعاني منها معظم البلدان العربية والاسلامية في الوقت الحالي والتي بدأت تنتشر كالنار في الهشيم لعدة أسباب منها: التأويل الخاطئ لمفاهيم الإسلام كالجهاد والحاكمية، فضلا عن التعصب لوجهة نظر واحدة وانتشار ما بات يعرف بـ (ثقافة العنف) وهذا كله أدى الى تشويه صورة الاسلام والربط وإثارة الشبهات حوله واتهامه بأنه دين يحث اتباعه على العنف والارهاب. تجديد الخطاب الديني البعض يرى أن الحاجة باتت ماسة وضرورية لتجديد الخطاب الديني لمواجهة قضايا العصر وأهمها التطرف والارهاب؟ تجديد نعم تجديد الخطاب الديني ضرورة لأن الخطاب الحالي كثير منه غير مساير لتطورات العصر، بينما يشهد هذا العصر تجمعات وتطورات هائلة في مجال التقنية والمعلومات والاختراعات، وأعتقد بأن أية نهضة أو تنمية في العالم الإسلامي التي ينادي بها دعاة الإصلاح إن لم تصدر من مفهوم ديني فهي محكوم عليها بالفشل، فلا بد من خطاب ديني واع ومعاصر ومنضبط يستطيع أن يضع هذه النهضة ويساعد عليها ويدفعها لإخراج الأمة من هذا التيه والدوران الذي تدور فيه حول نفسها. إن هذا التجديد المطلوب يقوم على قراءة واعية للواقع، وقراءة قادرة على إيجاد الحلول الشرعية المناسبة لمشكلات الواقع، فنحن بحاجة لخطاب ديني متصل بالعصر وغير منفصل عن الاصل. الخلط بين الجهاد الإرهاب ما ردك على المنظمات الارهابية التي تمارس الارهاب بحجة أنها تنصر الاسلام، وأنها تعتقد ان ما تمارسه من أعمال ارهابية جهادا في سبيل نصرة الدين؟ خلطهم بين الإرهاب والجهاد مرده، إما إلى الجهل بكل منهما، أو الرغبة في النيل من القيادة السياسية في الدول التي يتواجدون فيها، أو أمراض نفسية ومجتمعية وقعوا فيها. إن الجهاد في الإسلام قام على نصوص شرعية، ليحقق أهدافا فيها صلاح البشرية، فالجهاد في الأصل لم يشرع إلا لصد العدوان، كما أن الإرهاب عمل غير مشروع، نظرا لقيامه على الإخافة التي لا أساس لها من الشرع والتهديد باستعمال القوة في غير محلها، وتدمير البلاد ونشر الفساد، وهي كلها مما تخالف قانون الفطرة السليمة، وأحكام العقل الصحيح وتتنافى مع القيم الأخلاقية الراقية. برأيك ما هي مخاطر التي ترتب على الخلط بين الجهاد كما شرع في الإسلام والإرهاب؟ أول لفظ مخاطر في اللغة يعني الأمر الذي لا تؤمن عواقبه، وكلما تعددت هذه المخاطر اتضحت آثارها السلبية التي تدمر المجتمع الإنساني، كما تدفع للقفز فوق الحدود المشروعة، وتهدم ما جاء من عند الله تعالى، ويتحول المجتمع من الإصلاح إلى الإفساد، من التعمير إلى التدمير، وهذا مما يخالف الأهداف المشروعة، من ثم فإن أبرز المخاطر تكمن في القفز فوق الأحكام الشرعية: فالشريعة ما جاءت إلا لمصالح العباد، فما يحافظ عليها، إنما يقرر ذات الحقيقة ويتمسك بها، وما لا يحافظ عليها فما هو إلا معول هدم لكل من الشريعة ومصالح العباد معا، فالجماعات التكفيرية والارهابية التي تمارس العنف والارهاب في هذا الوقت تحت شعار الدين إنما خلطت بين كافة المفاهيم بقصد ألا تتم محاسبتهم على ناحية صحيحة، لأن المفاهيم المحددة تكشف عن الأخطار التي يبدونها. أيضا فإن أصحاب الفكر غير المعتدل يضعون في أولوياتهم إخفاء الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، ولكونها غير مشروعة فإنهم يحرصون على إلباسها ثوب الحق، بغية إضفاء الشرعية عليها، ويجادلون في سبيل ذلك بكل ما أمكنهم، وهذا مما قد يساعدهم على خداع طائفة معينة من الناس، وقد يحقق لهم بعض أهدافهم أو يقدم انتصارا. متى يمكن أن تنجح الفكرة يتبناها الارهابيون في الخلط بين الجهاد والإرهاب؟ من الممكن أن تنجح عملية الخلط بين الإرهاب والجهاد إذا وجدت الأرضية المناسبة من خلال العمليات الإعلامية، التي تضخم سلوكيات هؤلاء، وتظهرهم في مظهر المنقذ للأمة من الشقاء والعناء. حماية المجتمع برأيك ما السبيل لحماية المجتمع من خطر الفكر الضال؟ من المؤكد أن كل فكر مقبول تدنو منه الفطرة السليمة، ثم يأتي الحكم الشرعي حتى يدفع إليه، أما إذا كان بعيدا عن الجوانب المشروعة، فإن مسألة قبوله تكون بعيدة، وهذا مما يفرض على الداعين له أن يبذلوا جهودا كبيرة، بغية أن تنال قبولا، وبالتالي فإذا أمكن إبراز الجوانب السلبية، والأهداف غير المشروعة، جاءت النتائج لغير صالح أصحابه، ولا تسمح لهم بالتوسع في نشر أفكارهم، وهذا مما يحد من تحركاتهم، ويضيق المساحة التي اعتبروها حقا لهم. حينئذ ينفض الناس عنهم، ولا يتحقق شيء من النجاح بشأنهم. أيضا يجب على المؤسسات الدينية في العالم العربي والإسلامي ان تفكر في استراتيجية دعوية بالتعاون مع القنوات الإعلامية من صحافة واذاعة وتليفزيون من أجل نشر ثقافة التسامح والاعتدال في مواجهة ثقافة العنف والتعصب التي يتم الترويج لها عبر قنوات عديدة من أجل تمزيق وحدة المسلمين وإثارة الفتنة بينهم. والحاجة باتت ماسة وضرورية لتفعيل دور ثقافة التسامح والتعايش المشترك، لتحصين المجتمعات العربية والإسلامية بالقيم الأخلاقية والانسانية وبالفكر الاسلامي الصحيح الذي يشكل سلوكا حضاريا واعيا لدى المسلم في تعامله مع الآخرين. كما أنني أطالب بضرورة التوسع في نشر الوعي الثقافي الذي لا يتعصب لرأي، ولا يتحزب لفكر، وإنما يكون أمره دائرا بين ما يهدف إليه النقل المنزل، وتحقيق المصالح المشروعة، ولا يصادم قاعدة صحيحة، فكلما انتشر هذا الوعي الثقافي ابتعد الناس عن التعصب، ونهجوا منهج الاعتدال، وأنه كلما تحدد ضيق الأفق اتسعت دائرة الإرهاب، واستمر الخلط، وربما أدى ذلك إلى خصومة الآخر للإسلام، أو رغبته في عداوة المسلمين، مع أن دين الله جاء للإصلاح والتسامح، بجانب المحبة وكل قيم أخلاقية مستقيمة. هناك تجارب نفذتها بعض الدول في مواجهة التطرف والارهاب وكان من بينها التجربة الرائدة التي نفذتها المملكة والتي اعتمدت بالاساس على أسلوب المناصحة، برأيكم أيهما أفضل المواجهة الفكرية لان الفكر الضال لا يواجه إلا بالفكر الصحيح أم المواجهة الامنية لاجتثاث جذور الارهاب؟ اعتمدت المملكة أساليب متعددة تتكامل فيما بينها لاحتواء الظاهرة الإرهابية في المجتمع السعودي، وقد انطلقت هذه الأساليب من خلال الإجراءات الأمنية والمواجهة الفكرية وتوعية المجتمع بأفكار وأخطار التنظيمات المتطرفة، وتكثيف البرامج التوعوية والإعلامية التي توضح خطورة ظاهرة التطرف والارهاب في جميع وسائل الإعلام المختلفة، والتأكيد على الثوابت السعودية التي تؤكد على الوسطية في التعامل، وبالتالي فان المواجهة الفكرية مع الامنية يجب ان يسيرا في خطين متوازيين في مواجهة الإرهاب. د. الطيار يتحدث لـ«اليوم»
مشاركة :