رغم تعدد المسميات واختلاف الممارسات لكن نتيجة «العنف الأسري» وآثار انعكاساته السلبية واحدة، سواء على الأسرة ذاتها أو الشخص نفسه وحتى المجتمع، فلا شك أن الأسرة تعد نواة المجتمع البشري، والحاضن الرئيس لأفراده ومصدرا أساسيا للسعادة والطمأنينة والاستقرار، فكلما كانت هذه الأسرة تعيش في طمأنينة وتخلو من مظاهر العنف الأسري المختلفة كالجسدي والجنسي واللفظي والتهديد، والعنف الاجتماعي والفكري، أنتجت أفرادا فاعلين يسهمون في نمو وازدهار واستقرار الأوطان في مختلف الجوانب التعليمية منها والاقتصادية والاجتماعية، لذلك فقد كانت المملكة من أولى الدول التي عملت على ترسيخ «الرعاية الأسرية» عبر برامج مختلفة؛ لتحقيق التماسك المجتمعي والأمان النفسي والعاطفي.ظاهرة قديمةوحول هذه القضية متعددة الجوانب والتأثيرات يقول خبير التنمية البشرية والمستشار الأسري د. أحمد الشيمي: ظاهرة العنف في العموم قديمة جدا حيث وجدت منذ بداية البشرية لكنها تختلف في أشكالها وأساليبها.وأضاف: يعتبر «العنف الأسري» أحد هذه الأنواع وأكثرها وضوحا في مجتمعاتنا عموما، فهو عادة ما يكون ممارسة أو تصرفا سيئا يصدر من أحد أفراد الأسرة نحو آخر، ويكون في الغالب من الأب إما نحو الزوجة أو الأولاد، وأحيانا بين الأبناء أنفسهم، أو سلوكا يمارسه الأبناء نحو الآباء.وتابع: يعرف العنف الأسري على أنه ظاهرة تخلق حالة من الخوف والقلق التي تؤدي إلى نتائج وانعكاسات سلبية، فهو يبدأ من الكلام وأحيانا ينتهي إلى القتل، كنتيجة طبيعية للضغط النفسي والإحباط المتولد نتيجة ظرف ما ينتج عنه ردة فعل غير محمودة.وأردف: نستطيع تقسيمه إلى «اللفظي والجسدي والاقتصادي والجنسي»، ويكون اللفظي بالتلفظ بالكلام المهين الذي يشعر الآخر بالنقص والحرج، أما الجسدي فيكون بالضرب المتكرر، والاقتصادي من خلال الحرمان من مصروف أو حق مادي مكتسب مثل الميراث.أسباب ونتائجويضيف د. الشيمي: تختلف أسباب العنف الأسري ونتائجه ومنها على سبيل المثال أسباب اقتصادية تعود إلى عدم قدرة تحمل الشخص للضغوط المادية ونقص الدخل، حيث أثبت عدد من الدراسات أن الأسر ذات الأعداد الكبيرة تزداد فيها ظاهرة العنف الأسري، مشيرا إلى أن من الأسباب الجهل وعدم العلم بعواقب الأمور، والنظرة الدونية للمرأة التي تؤدي نتائجها إلى عواقب وخيمة تهز أركان المجتمع وتقوض بنيانه؛ نتيجة ما يصيب الأسرة من تفكك تكون نتائجه ارتفاعا في معدلات الطلاق والبطالة والجهل وتأخر النمو الاقتصادي. ويتابع: لذلك فإننا نقول إن الحماية من الإيذاء مسؤولية مجتمعية، ولا بد من الاستفادة من الدعم الذي تقدمه الحكومة للضحايا من خلال العمل على تفعيل الأنظمة والالتزام بها، ورفع الوعي وطلب المشورة من المتخصصين، ويمكن معالجة ظاهرة العنف الأسري أو الحد منها عبر الحملات التوعوية، وتعزيز جانب الرقابة الذاتية لدى الأفراد؛ فذلك يمنعهم من ارتكاب أي فعل خارج عن نطاق الأخلاق العامة، وكذلك الرقابة الرسمية التي تقوم بها وحدات الرصد والدوائر المعنية.رؤية 2030وبدورها أدركت حكومة المملكة أهمية الأسرة ودورها في النهوض بالمجتمع، فجاءت القوانين والتشريعات التي تراعي ضرورة حماية هذه الأسرة ومصالحها والاهتمام بها؛ حيث جاءت رؤية 2030 التي أطلقتها المملكة راسمة مرحلة تنموية جديدة غايتها إنشاء مجتمع نابض بالحياة يستطيع فيه جميع المواطنين تحقيق أحلامهم وآمالهم وطموحاتهم في اقتصاد وطني مزدهر.ويقول د. أحمد الشيمي: إن المهتم بمجال العناية بالأسرة والمجتمع يدرك أن المملكة من أولى الدول التي اهتمت ببناء الأسرة والعناية بها؛ انطلاقا من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف؛ حيث سنت القوانين وشرعت الأنظمة التي كفلت لجميع الأسر الموجودة على أرض المملكة العناية على مختلف الأصعدة بدءا من الصحة إلى التعليم والحماية الاجتماعية، حيث عملت وزارة الموارد البشرية على عدد من مبادرات التوعية وتنفيذ البرامج التوعوية بهذا الجانب، كما أصدرت اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء تنفيذا للأمر السامي الكريم رقم م/52 بتاريخ 15/11/1434هـ المتضمن الموافقة على نظام الحماية من الإيذاء.حرص القيادةوأضاف: جاءت رؤية المملكة 2030 لتؤكد اهتمام وحرص القيادة على الأسرة؛ حيث وضعتها نصب أعينها في قراراتها ومبادراتها كافة، فكان مجلس شؤون الأسرة إحدى العلامات الفارقة التي أكدت أهمية الدور الذي تلعبه الأسرة في تطور وبناء المجتمع.وختم حديثه قائلا: إن المملكة تعد من أولى الدول التي عملت على حماية الأسرة عبر برامج مختلفة؛ تحت إشراف وزارة الموارد البشرية والتنمية المجتمعية حيث أنشأت مركز بلاغات العنف الأسري 1919 والإدارة العامة للحماية الاجتماعية ومراكز الإرشاد الأسري التي تدعم البرامج الوقائية والتوعوية وتعزز من استقرار الأسر والذي ينعكس بدوره على تماسك المجتمع وتحقيق الأمان النفسي والعاطفي.
مشاركة :