عمان – أين ينتهي التاريخ ويبدأ الخيال؟ هل البداية والنّهاية ما حدث فعلا، وما بينهما من إبداع الكاتب؟ هل تقول الرواية التاريخيّة، كما هو شائع، ما لم يُقَل في المراجع؟ هل تتطابق سمات الشخصيات وتفاصيل الأحداث ومسارات الحكاية مع ما هو مدوّن في الكتب؟ هل الرواية التاريخيّة مجرد حوار ينقل الحدث من السرد التاريخي إلى السرد الروائي؟ أسئلة كثيرة يطرحها الروائي مجدي دعيبس في روايته الأخيرة “أجراس القبّار”، الصادرة عن “الآن ناشرون وموزّعون”. عرض وجهات نظر متعددة عرض وجهات نظر متعددة تقع الرواية في مئة وثمانين صفحة، بغلاف من تصميم الشاعر محمد خضير ولوحة للفنان خالد بيروتي تنقل المتلقّي إلى أجواء الرواية التي تعود إلى الحقبة الرومانية في مدينة فيلادلفيا (عمّان)، حيث يظهر جبل القلعة ومعبد هرقل والدرج الذي يربط المدينة السفلى بالمدينة العليا وهو من الجغرافيا المنسيّة في التاريخ المعماري للمدينة. فلم نعرف عن هذا الدرج الذي لم يعد له وجود إلّا من رسومات الرحّالة الأوروبيين الذين زاروا المنطقة في القرن التاسع عشر، مثل Northedge الذي رسم مخططا لمدينة عمّان عام 1892. في “أجراس القبّار” التي فاز صاحبها بجائزة كتارا للرواية العربية (2019)، يتداخل التاريخي بالمتخيّل بشكل متشابك لخدمة البناء الفني للرواية، فالتاريخ أحد روافد هذا البناء والمادة الخام التي يستخدمها الروائي لإنتاج العمل النهائي الذي لا يتقاطع بالضرورة مع الحدث الحقيقي أو الحدث المروي، فربما يقترب منه أحيانا، وأحيانا يبتعد عنه بصورة مباغتة، وأحيانا يختلط الحدث التاريخي بالحدث المُتخيّل لصياغة الحدث الروائي. ويبقى السؤال الذي يراود الكاتب والقارئ على حد السواء: كيف لك أن تتأكد أنّ هذا ما حدث فعلا؟ ويأتي السؤال المقابل للردّ من بنية السؤال نفسه: كيف لك أن تتأكد أنّه لم يحدث فعلا؟ تتحدث “أجراس القبار” عن القرون الثلاثة الميلادية الأولى ومعاداة الدولة الرومانية للمسيحية بوصفها نظامَ حياة جديدا سيقوض النظام السائد. وتنقل الرواية الأجواء التي سادت في تلك الفترة، وتعرض وجهات نظر متعددة، مؤكدة أنه لا وجود لأي مسوّغ يبرر تخلّي الإنسان عن إنسانيته.
مشاركة :