صراحة-وكالات:كشف الاتفاق النووي المُبرم بين الولايات المتحدة وإيران الأسبوع الماضي عن حجم الانقسام الشعبي والسياسي بين العراقيين، وتحوّل إلى فرصة للمتخاصمين لتبادل الاتهامات والشتائم عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. كان العراقيون من أكثر شعوب العالم اهتماماً بالمفاوضات النووية لإيران والدول الغربية منذ بدايتها وحتى نهايتها بتوقيع اتفاق تاريخي، فالعراقيون يدركون إن العراق سيتأثر إيجابا أو سلبا بحكم موقعه المجاور لإيران وعلاقته المتينة مع الولايات المتحدة. إيران والقوى العالمية الست الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين وفرنسا توصلت إلى اتفاق للحد من أنشطتها النووية المثيرة لمخاوف المجتمع الدولي لأكثر من عشر سنوات مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. ولم تمضِ سوى ساعات على هذا الأتفاق حتى أصبح الموضوع الأهم على مواقع التواصل الاجتماعي بين العراقيين، وانقسموا بين مُرحب به ومشيد بالسياسة الإيرانية، وبين رافض ومتشائم منه. الجدل الذي دار على مواقع التواصل الاجتماعي بين صحافيين ومثقفين وسياسيين وأشخاص عاديين كان عنوانه الأبرز تبادل الاتهامات والشتائم بين الطرفين، فهناك من اتُهم بالعمالة والتبعية لإيران، وهناك من اتُهم بالعمالة للسعودية والدول الخليجية التي اعتبرت إن للاتفاق نتائج سلبية على الدول العربية. ومن يراقب النقاشات بين مواقع التواصل الاجتماعي وفي المقاهي والأسواق والمطاعم بين العراقيين يجد هناك طرفين متخاصمين لأسباب مذهبية فحسب فلا الذين رحبوا بالاتفاق أعطوا أسباباً لهذا الترحيب، ولا من رفضوه قدموا الحجة على رفضهم. يقول أستاذ علم الاجتماع والنفس مجيد كاظم إن هذا الجدال بين العراقيين يعكس حجم الانقسام داخل المجتمع الواحد الذي أوجدته السياسات الخاطئة بعد 2003 وأدت إلى إثارة الحساسيات الطائفية بين الشيعة والسنة، وانقسم الناس بين وجهتي نظر بشأن القضايا السياسية في البلاد. وعلى سبيل المثال لم يناقش أحد انخفاض أسعارالنفط العالمية بعد ساعات من توقيع الاتفاق النووي، في حين إن هذا الانخفاض سيزيد العجز في ميزانية العراق أكثر من السابق، كما لم يناقشوا قضية وقوع العراق ضحية للصراع بين الدولتين لسنوات مضت أو أنه قد يؤدي إلى الإسراع في إخراج تنظيم داعش من البلاد. الاتفاق النووي كان فرصة للعراقيين لانتقاد حكومتهم، من خلال الإشادة بالسياسة والحكومة الإيرانية التي نجحت في إدارة مفاوضات صعبة مع الدول الغربية وتمكنت من الحصول على حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية، بينما انتقدوا الحكومة العراقية لفشلها في إدارة أبسط الملفات مثل ملف تقاسم المياه مع تركيا وعلاقته بالجفاف في العراق وملف ميناء مبارك والفاو مع الكويت. وزير الخارجية إبراهيم الجعفري كان من أكثر المسؤولين في الحكومة الذين تعرضوا للإنتقادات وكان المغردون يقارنون بينه وبين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إذ نجح الأخير في إدارة المفاوضات النووية ولم تخلو تلك التعليقات من السخرية. ومن الذكريات التي أيقضها الاتفاق النووي في نفوس العراقيين هو امتلاك العراق تكنولوجية نووية قبل ثلاثين عاما وعدم قدرة حكومة الرئيس السابق صدام حسين على الدخول في مفاوضات إيجابية مع الولايات المتحدة فانتهى الملف النووي العراقي إلى التدمير من قبل الأمم المتحدة. على المستوى السياسي الرسمي رحبّت رئاسات الجهمورية والوزراء والبرلمان بالاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، واصفة إياه في بيانات بروتوكولية بالإيجابي لإيران والمنطقة. وقال الرئيس العراقي فؤاد معصوم إن الاتفاق سيساعد في إمكانية تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط فيما قال رئيس الحكومة حيدر العبادي نتطلع أن يعمل الاتفاق على تجنيب المنطقة ويلات وكوارث الحروب والصراعات. أما رئيس البرلمان سليم الجبوري فقال نأمل أن يحقق الاتفاق مزيداً من التعاون الاقتصادي والتجاري ومنح الشعوب فرصتها للعيش بسلام وأمان. السياسيون والمسؤولون في الحكومة تناولوا الاتفاق من وجهة نظرهم الشخصية أو السياسية أو توجهات وأهداف أحزابهم. وعلى سبيل المثال فإن نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي المعروف بعدائه لإيران قال إن الاتفاق للأسف لم يناقش قضية احترام السيادة والتدخلات الإيرانية في المنطقة لكنه يبقى مهماً. أما نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي المعروف بعلاقته الوطيدة مع إيران فوصف الاتفاق بالانتصار لكل محبي السلام في المنطقة والعالم وباللهجة ذاتها رحبت غالبية الأحزاب والقوى الشيعية القريبة من إيران بالاتفاق. ويقول المحلل السياسي أحمد الآلوسي إن الاتفاق بين أميركا وإيران لم يركز على الملف النووي فقط، بل إن قضية الشرق الأوسط كانت من ضمن المحادثات وإن لم يُعلن عن ذلك. ويضيف الأيام المقبلة ستكشف عن طبيعة الاتفاق بشان منطقة الشرق الأوسط، وتجيب عن أسئلة كثيرة أهمهان هل اتفق الطرفان على حل النزاعات بعقد تسويات مصالحة، أم الإبقاء على الصراع حتى نهايته؟. العراقيون يعرفون حجم المعاناة التي عاشوها بسبب الصراع الإيراني – الأميركي في العراق منذ 2003، ورغم ذلك هم منقسمين فالأحزاب الشيعية وأنصارها متفائلين به ويعتقدون إنه سيؤدي إلى استقرار العراق، أما الأحزاب السنية وأنصارها فيعتقدون إن الاتفاق منح الحق لإيران بالتدخل في العراق دون اعتراض أميركي، ويقولون إن واشنطن اشترت السلاح النووي من إيران مقابل بيع العراق لها.
مشاركة :