الاقتباس في السينما والتلفزيون يعني العجز عن الإتيان بأفكار جديدة تحقق تفاعلاً مع المتلقي، ومن وجهة نظر أخرى أقل تشدداً يعني الانفتاح على تجارب الآخرين، خاصة تلك التي حققت نتائج باهرة، وأحياناً على تجارب فشلت لسبب ما، فيأتي الاقتباس في إطار المراهنة على إعادة تحقيق النجاج بأدوات وعناصر فنية أخرى، والموضوع برمته لا يخرج عن إطار الاستثمار التجاري الذي يتكئ على مادة فنية مكتملة العناصر. كثيرة هي التجارب في السينما الأميركية التي أعادت إحياء أشرطة سينمائية سبق لها أن احتلت مكانة كبيرة في تاريخ السينما، وسنذكر فيلمين على سبيل المثال لا الحصر، أولهما «12 رجلاً غاضباً» إنتاج 1957، ونسخة أخرى إنتاج 1997، والفيلم الثاني «بابيلون» إنتاج 1973، وأعيد إنتاجه 2018. معظم التجارب التي أعيد فيها إنتاج أعمال سينمائية سبق لها أن حققت نجاحاً فنياً وتجارياً، لم تستطع أن تتجاوز النسخ الأولى الأصلية، رغم ما حصل من متغيرات كبيرة على صعيد التقنيات وأساليب التناول الفني، وليس في ذلك سر عجيب يصعب تفسيره، فالمسألة تعود أولاً إلى أن الأعمال الفنية الأولى تحمل في داخلها ريادتها في إنتاج محتوى جديد، وسط كم من الأعمال الأخرى التي تتشابه في كثير من عناصرها، والريادة تعني الكشف عما هو جديد، وهذا لوحده يمنح التجربة في نسختها الأولى سر خلودها وسر العودة إليها أكثر من مرة، لأنها تحمل في داخلها اشتغالاً استثنائياً وتفرداً عما هو سائد من أفكار وأساليب ورؤى، ونجاحها يعني أنها قد أحدثت تحولاً في الوعي والذائقة، وأنتجت نموذجاً لم يسبق لآخرين أن توصلوا إليه في إطار المادة والفهم والممارسة، ومثل هذه الأعمال تكمن أهميتها في أنها تنتج معها مكانتها الخاصة في الزمن، بمعنى أنها تجربة يتأسس عليها فيما بعد، لتكون بمثابة النبع الذي يرتوي منه الآخرون. مناسبة هذا الحديث ما نشهده في الإنتاج السينمائي والدرامي العربي من عمليات اقتباس لأعمال سينمائية عالمية خاصة في مصر ولبنان، لكنها وبكل ما لها وما عليها جاءت نسخاً مشوهةً عن الأعمال الأصلية، وكثيرة جداً هي الأعمال السينمائية المصرية المقتبسة التي ينطبق عليها هذا الحال، وخلال السنين الأخيرة بدأ الإنتاج الدرامي في لبنان ينضوي تحت هذا المسار الاقتباسي، والكارثة في هذه الأعمال أنها جاءت تقليدًا حرفياً بكل شيء، ابتدءًا بحركة الكاميرا، وبحجم اللقطات وانتهاء بأبسط التفاصيل الصغيرة في الديكور والملابس، إذ يعاد إنتاج المشهد كما هو في الأصل بالشكل الذي يدفعنا إلى الاستنتاج وكأننا أمام صورة نراها في المرآة، وهذا يعني غياباً تاماً للمخيلة التي هي جوهر العمل الفني ومثال على ذلك مسلسل «لو» المقتبس عن الفيلم الأميركي»Unfaithful « إخراج أدريان لين. ومسلسل «تشيللو» مقتبس عن الفيلم الأميركي»Indecent Proposal» أيضا للمخرج أدريان لين. وإذا ما سلمنا جدلاً بأهمية الاقتباس من حيث المبدأ، لكن السؤال الأهم هنا: ما جدواه وما أهميته كعمل فني إذا كان مجرد استنساخ عن الأصل؟ الفيلم الأميركي «Indecent Proposal» نادين نجيب في مسلسل «تشيللو»
مشاركة :