درس ألبرتو مانغويل في القراءة

  • 8/26/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

استمعيوسف أبو لوز بعض ممّن يشتغلون في الأدب يصيبون مالاً وشهرة من كتاباتهم في الشعر والرواية، وبعض ممّن يصعد نجمهم في صناعة النشر كانوا سهروا الليالي الطوال وهم يشيّدون مؤسسات ودور نشر كتاباً كتاباً، وعنواناً عنواناً، وبعض نقّاد الأدب ركبوا على ظهور شعراء وقصّاصين وروائيين واستغلوا شهرتهم الأدبية، واستثمروها بنظريات ومصطلحات نقدية، أغلبها مستورد من الأدبيات الغربية.الأرجنتيني ألبرتو مانغويل ليس ناقداً ليركب على ظهر روائي أو شاعر، وليس ناشراً، واسمه في سوق الأدب العالمي أصبح علامة امتيازية لها اعتبارها الثقافي المحترم من خلال قراءة الكتب، أو الأصح أن الرجل بنى مجده الثقافي على القراءة، وثقافتها، وتاريخها، وفي سيرته الثقافية في الموسوعة الحرة «ويكيبيديا» جرى التعريف به بوصفه جامعاً للأعمال الأدبية وهي صفة جديدة، أو حتى نادرة في ثقافتنا العالمية المعاصرة.جرت العادة أن يقتني بعض المهتمين بالفن أعمالاً تشكيلية جدارية أو نحتية لفنانين معروفين أو أن أسماءهم متداولة في سوق الفن. جرت العادة أيضاً أن يشغف أحدهم بجمع التحف أو الأسطوانات الغنائية أو الاثاث التاريخي القديم، غير أن مانغويل جامع للأعمال الأدبية، الروايات بشكل خاص، لكنه لا يجمع هذه الكنوز ليحتقظ بها أو يبيعها أو يجعل منها ديكوراً في منزله، بل ليقرأ، ويقرأ، ثم يعيد قراءة ما قرأه مرة ثانية وثالثة ليس من باب النقد الأدبي، بل من أجل تظهير هذه الكتب و«العيش فيها» والعيش مع مؤلفيها وشخصياتها ومناخاتها الفنية والأسلوبية.قارئ كبير ألبرتو مانغويل المولود في العام 1948 في بوينس أيريس، وصدر له عدد محدود من الروايات، لكن القارئ فيه طغى تماماً على الكاتب المترتب عليه، ويبدو لمن قرأ حياة هذا الرجل أنه حقق ذاته الأدبية الثقافية من خلال قراءة أعلام ورموز الرواية العالمية، ولم يحقق هذه الذات من خلال رواياته، ولن يكون ذلك نقيصة أو عيباً بالنسبة إليه، فهو «مشغل» قراءة متنقل. مكتبته تضم الملايين من الكتب، وبعض القرّاء المحترفين عرف ألبرتو مانغويل أكثر ممّا عرف مؤلفي الكتب التي قرأها.ألبرتو مانغويل دليل قراءة عالمي، وهو لم يقرأ لكي يدلّك إلى ما تقرأ، بل لأنه يجد في القراءة، أحياناً، ما لم يجده عن المؤلف.أوجد مانغويل تاريخاً للقراءة يبدأ من الليل، إن جاز الوصف، فالليل هو الوقت المثالي للقراءة عند هذا الرجل الذي يدربنا من بعيد على كيفية تحويل ما نقرؤه من كتب إلى حيوات مسكونة بالبشر الأحياء الذين هم من صنع المؤلفين، لكن أشخاص أو أبطال المؤلفين ليسوا هم أنفسهم أشخاص أو أبطال مانغويل الذي يعيد إنتاجهم من جديد في كل مرة من قراءاته الجديدة.لم يقرأ مانغويل الكتب ققط، بل ذهب إلى قراءة أعمال فنية تشكيلية ونحتية على عادته دائماً في القراءة، أو في فعل القراءة المكثّف روحياً ووجودياً في شخصية هذا الكاتب الذي هرب من المؤلف إلى ما بعد المؤلف.درس مانغويل في القراءة هادئ وبسيط. اقرأ في الليل إن لم تكتب في النهار، وإذا صعب عليك قراءة كتاب، اتركه واقرأ ما هو سهل: لوحة أو قصيدة أو وجه امرأة. yabolouz@gmail.com

مشاركة :