ألبرتو مانغويل يسافر في الزمن والكتاب عبر "يوميات القراءة" بقلم: مفيد نجم

  • 3/18/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

ألبرتو مانغويل يسافر في الزمن والكتاب عبر يوميات القراءةالسؤال الذي يطرحه قارئ كتاب "يوميات القراءة" -للكاتب والروائي الأرجنتيني ألبرتو مانغويل- على نفسه هو: كيف يمكن للقراءة أن تتحول إلى جزء من الحياة اليومية التي نعيشها، ومن الذي يثري الآخر في هذه العلاقة الملتبسة؛ الحياة أم القراءة؟ إذ يلغي مؤلف الكتاب المسافة بينهما عندما يتقصى أثر الكتب الملهمة في حياته.العرب مفيد نجم [نُشر في 2017/03/18، العدد: 10575، ص(16)]لذة السفر بين الكتب (لوحة للفنان خوان غريس) تأخذ العلاقة بين تجربة الكتابة وتجربة الحياة في كتاب “يوميات القراءة” للروائي الأرجنتيني ألبرتو مانغويل بعدا حواريا ينشأ بين الكاتب والكتاب، وعلى هامش هذه العلاقة ثمة هامش آخر للكتابة، يولد على هامش القراءة، ويتجسد فيه أثر هذه العلاقة وما تولده من أفكار وتداعيات وتعليقات، يقوم الكاتب بتدوينها خلال عملية القراءة. وفي المستوى الآخر من العلاقة التي يعيد فيها الكاتب قراءة كتب كان قد قرأها قبل عقود من الزمن، هناك اكتشاف آخر لما ينطوي عليه الكتاب من دلالات وكشوف غابت عنه، ومن هنا تظهر أهمية مغامرة القراءة الجديدة في هذا الكتاب. كلاسيكيات الأدب يقول مانغويل “قررت منذ عامين وبُعيد ميلادي الثالث والخمسين إعادة قراءة بعض كتبي القديمة المفضلة، ولقد صدمت مرة أخرى بكم تبدو عوالمها الماضية المتعددة الطبقات والمعقدة عاكسة للشواش الموحش للعالم الذي كنت أعيش فيه”. وتتجاوز القراءة عند مانغويل في مدلولاتها قيمة العمل الأدبية والفكرية سعيًا إلى تقديم رؤية عميقة للعالم المعيش، وكأن القارئ عبر هذا الفعل يعيد اكتشاف هذه الحياة من جديد. إن هذه العلاقة بما تشكله من إعادة اكتشاف تطرح سؤالا مهما على مستوى التلقي حول زمن القراءة ومدى الحاجة إلى إعادة قراءة الكتب التي شكلت علامات فارقة في تمثل روح عصرها، وتجسيدها لأبعاده الروحية والاجتماعية من خلال حياة مجتمعاته في ذلك الزمان، وما كانت تحمله من دلالات تضيء مستقبل الحياة. تبدأ رحلة مانغويل مع الكتاب خلال رحلة كان يقوم بها إلى موطنه الأصلي الأرجنتين، وتحديدا إلى منطقة كالاغاري، حيث تتمثل قيمة هذه التجربة في ما كانت تحققه من اكتشاف مزدوج للحياة التي عاشها في المكان، وللكتب التي كان قرأها وكأن ثمة عيونا جديدة يقرأ بها ماضيه كما يقرأ بها هذه الآثار الأدبية. ويمتد زمن الرحلة من شهر يونيو 2002 حتى شهر مايو 2003، أي قرابة العام، حيث يخصص مانغويل كل شهر من أشهر هذه المدة لقراءة عمل روائي محدد من الأعمال الروائية لأهم كتاب الرواية الغربيين. وفي هذه التجربة يتداخل أدب اليوميات مع القراءة باعتبارها انفتاحا على عالم زاخر بالدلالات والمعاني، ومولدة للكثير من الأسئلة عنها وعن حيوات الناس الذين عاشوها. تبدأ رحلة الكاتب مع رواية “اختراع موريل” لآدولفو بيوي كاساريس، بينما تبدأ رحلته في المكان ومعها رحلته في ماضيه البعيد في مدينته بوينس آيرس عاصمة الأرجنتين، حيث تتوازى الرحلة في المكان مع رحلة القراءة عبر شخصية بطل الرواية، ويقول مانغويل “ربما كان على كتاب ما كي يستهوينا أن يقيم صلة من التوافقات بين خبرتنا وخبرة الرواية، بين مخيلتين: مخيلتنا وتلك التي على الورق”. إن ثراء ثقافة الكاتب وسعة اطلاعه يجعلان تداعيات القراءة حاضرة في كتاباته، ما يجعل انتقاله في المكان وبين يومياته يزخر هو الآخر بانتقاله بين أعمال كثيرة وتجارب عديدة، تجعل العلاقة بين تجربة الكتابة وتجربة الحياة مفتوحة الأبواب على بعضها البعض، وكأن كلا منهما يفسر الآخر أو يضيئه أو يعيد اكتشاف ما خفي منه. لا يكتب مانغويل ملخصا لما كان يقرأ، بل هو يشارك الشخصيات الورقية العيش في الرواية، ويجعل القراءة تتداخل وتتمازج مع وقائع حياته اليومية بكل تفاصيلها، ما يساعده على إعادة اكتشافها واستدعاء ذكرياتها، عندما يتحول ذلك الكتاب إلى مخزن مجهول لقصاصات وبطاقات سفر وحضور لأفلام قديمة.تداخل أدب اليوميات مع القراءة وتتداخل مستويات عديدة في هذا الكتاب، منها ما يتعلق بأدب الرحلات باعتباره حوارا داخليا ذاتيا وحوارا مع الآخر، فالرحلة كما يقول “تكشف طريق مسافر واحد؛ أوليس، بلغريم، يوستان، كانديد، اليهودي التائه، أو شخصيتين في تقدم متبادل؛ دون كيخوته وسانشو، ملكبيري فين وجيم، الأخ والأخت الباحثين عن الطائر الأزرق، كيم ولاماه”. لكن الكاتب هنا لا يتوقف عن الانتقال بين فضاءين متوازيين، هما فضاء المكان الجغرافي ومعه حتما الفضاء الزماني، وفضاء الكتابة حيث يقوده كل منهما باتجاه الآخر، دون أن تتوقف تداعياته التي توقظها تذكارات الزمن الماضي على مستويي تجربته الشخصية وتجربة أبطال هذه الروايات. الكاتب بوصفه قارئا ثمة سؤال آخر يطرح نفسه حول مدونات الكاتب وما تنطوي عليه من تداخل بين السيري وفعل القراءة، هو: ما الذي تنطوي عليه قراءة الروائي في روايات كتّاب آخرين؟ وقبل هذا من الذي يقرأ؛ الكاتب أم القارئ، أم من الصعب التمييز بين الشخصيتين؟ مانغويل لا يميز بين الشخصيتين كما يظهر ذلك من خلال تعليقات على أعمال أدبية مشهورة لكتاب كبار، إذ يقول “ينتمي المفهوم إلى الأدب أو إلى قراءة الأدب حين يقبل القارئ ما يقرأ على أنه خيال، أو يقبل حتى عدم تصديق اختياري مؤقت من أجل غاية القصة، فإن هذا ما نعنيه بالحبكة، تدور كل القضايا بين الشخصيات والقارئ أما الكاتب فهو غائب، أو هو (في حالة غوته) مجرد عريف حفل له أن يعلق على شخصياته لا أن يتدخل في سلوكياتها”. ينتقل الكاتب بصورة دائمة بين وصف المكان والقراءة التي تصبح جزءا من طقوس حياته اليومية، لذلك على القارئ أن يرحل معه في مدن وأمكنة كثيرة تمتد بين باريس ولندن والأرجنتين وكندا، وبين مؤلفات كتاب عالميين كثر، وهو ما يجعل شخصية الروائي حاضرة ويجعل القراءة رحلة في عالم الكتاب وعالم الحياة التي عاشها مانغويل أثناء قراءة الأعمال العظيمة. وتتجلى شخصية مانغويل وحسه في “يوميات القراءة” من خلال التكثيف في اللغة والسرد والوصف، والاختيار الدال لما يرويه أو يقدمه من أفكار وملاحظات، أو ما يقوم به من وصف بين طبقات من الزمن وأمكنة متباعدة، في إعادة بناء سردي لحكاية القراءة والحياة في حياة كاتب عرف كيف يقدم كتابا من نوع خاص، يحفل بالثراء والتنوع والمتعة.

مشاركة :