في لبنان كما في العالم ارتقى العاملون في المجال الطبي إلى مقام الأبطال، ودخلوا إلى قلب اللوحات التشكيلية والجداريات والمنحوتات بعد أن شكّلوا نسخات معاصرة من البطولة الخارقة، ليس بقواهم الجسدية ولا بأزيائهم الصارخة أو الداكنة / الحادة ألوانها، بل بقوة صمودهم وصبرهم في ممارسة عملهم الطبي الإنقاذي تحت تهديد متواصل بالخطر. "انتهى الأمر.. سأموت"، هذا آخر ما قاله الطبيب اللبناني الشاب لؤي إسماعيل الذي لم يتخط عمره 32 سنة عندما شعر باقتراب التهام الفايروس لرئتيه، ليسلم روحه بعد 11 يوما من مقاومة المرض، ليصبح أول طبيب لبناني شهيد الواجب تجاه الإنسانية وبطلا من أبطال مواجهة الوباء بجدارة في بلد ينوء تحت ثقل الكوارث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وتلته مؤخرا الممرضة اللبنانية زينب حيدر في حربها ضد الفايروس. خيبة "جميلة" في دول العالم، كما في لبنان، أصيب معظم الناس “الراشدين” الذين لا يعتقدون بالقصص والملاحم المُحاكة حول أبطال خارقين يتميّزون عن باقي البشر بخيبة “جميلة”، عندما برز خلال أزمة وباء كوفيد – 19 حضور طواقم العناية الصحية من أطباء ومسعفين وممرضين على ساحات الحرب وفي الصفوف الأمامية لمواجهة عدو خفي وخارق بسرعة وقوة انتشاره وعدائيته لبني البشر، وهو فايروس كوفيد – 19. ولم يمض وقت طويل حتى دخلت هذه الشخصيات الملهمة إلى قلب الأعمال الفنية نحتية كانت أم تشكيلية في الدول العربية وفي دول العالم. نذكر من تلك الأعمال اللافتة التمثال الذي قدّمه من لاتفيا الفنان / النحات إيغارس بيكش وعنونه بـ”مسعفون للعالم”. تمثال بطول 6 أمتار وبدعم وتمويل أكثر من 20 شركة محلية، وجسد طبيبة ترتدي كامل اللباس الطبي من الرداء الأبيض والسماعات الطبية بالإضافة إلى الكمامة والقفازات. زهرة شفاء في وجه الوباء زهرة شفاء في وجه الوباء بالإضافة إلى براعة الفنان النحتية تتجلّى الهيئة البطولية التي جسّدها بها، وهي تقف ممدودة الذراعين باتجاه السماء في استحضار لقوة خارقة لا يملكها باقي البشر، قوة لصالح البشرية وليس ضدها. ونذكر أيضا عملا للفنان العلمي بانسكي كتحية للطواقم الطبية بعنوان "الممرضة الخارقة". الفنان أهدى العمل إلى مستشفى “ساوث هامبتون” جنوب إنجلترا تقديرا لجهود طاقمه الجبار في مواجهة الفايروس. العمل يظهر فتى يرتدي سروالا بحمّالات يحمل دمية على هيئة ممرّضة تضع عباءة بطل خارق شبيهة جدا بالعباءة التي يضعها أبطال خارقون كسوبرمان وباتمان وكابتن أميركا. وكل هذه الشخصيات حضرت في عمل البريطاني بانسكي، ولكن مهملَين في السلّة إلى جانب الصبي. وذكر عدد من وكالات الأنباء لاسيما تلك المهتمة بالشؤون الثقافية أن الفنان قدّم عمله مرفقا برسالة إلى جهاز الصحة الوطني، يقول فيها “شكرا لكلّ ما تقومون به. آمل أن يضفي هذا العمل بعض النور على المكان مع أنّه بالأسود والأبيض فقط”. الجدير بالتأمل هو أن حقول الأبحاث الطبية بشكل عام ومن ضمنها الأبحاث الجرثومية بشكل خاص، لم تعد تلقى الاهتمام الكبير منذ سنين طويلة في الولايات المتحدة على حساب تطوير القوة الاقتصادية والتكنولوجية، وكانت أوروبا باستثناء ألمانيا بدأت تسير منحها، وكأن من منطلق أن الإنسان اقترب من كونه خارقا غير قابل للكسر. ثم جاء هذا العدو المجهري، ليذكّر الإنسان بهشاشته من جديد. وقد “اصطاد” الفنانون متعدّدو الوسائط من حول العالم هذه النكبة الصحية المزلزلة لتوظيف إبداعهم في لوحات وأعمال فنية يصعب إحصاؤها تكرّس نظرتهم الإنسانية إلى الآخر وإلى الكوكب بشكل عام. أبطال خارقون كل الشخصيات الكرتونية الخارقة حضرت في عمل البريطاني بانسكي، لكنها مهملة في السلّة إلى جانب الصبي المحتفي بالممرضة/ البطلة كل الشخصيات الكرتونية الخارقة حضرت في عمل البريطاني بانسكي، لكنها مهملة في السلّة إلى جانب الصبي المحتفي بالممرضة/ البطلة تتالت إلى جانب اللوحات الفنية الجداريات، ونذكر منها الجدارية المُهداة إلى العاملين في المجال الطبي، وتظهر فيها ممرضة تحتضن إيطاليا، وتقرأ “إلى جميعكم.. شكرا لكم!”. ورسمت الجدارية على جدران مستشفى في مدينة ميلانو الإيطالية. وأيضا نذكر جدارية رسمت في بولندا تشيد بتضحية الأطباء والممرضات. وشبيهة جدا من الرسومات التوضيحية قدّم الفنان الإيراني علي رضا باكدل مجموعة رسومات حساسة تسرد فصول مقاومة الأجهزة الطبية، لتكشف عن ظروفهم الإنسانية وتضحياتهم بحياتهم العائلية والخاصة إلى جانب قوتهم وثباتهم على جبهة محاربة فايروس لم يعرف الهدنة لأكثر من خمسة أشهر. حصدت رسوماته هذه التي ينشرها عبر حسابه الشخصي بموقع إنستغرام، ردود أفعال متتابعة ومن جميع بقاع الأرض. وقال الفنان حول ذلك لإحدى المحطات التلفزيونية إن متابعيه طلبوا منه أن يستمر في الرسم وألا يتوقّف عن نشر الأمل في نفوس المصابين والأصحاء والعاملين في مجال الصحة. اليوم، دخل الفايروس إلى عالمنا دون استئذان على رغم أن الكثير من العلماء توقّعوا قدومه بشكل أو بآخر نتيجة أسلوب الحياة التي نعيشها، ليعيدنا في أكثر من ناحية إلى هشاشة طفولتنا وإلى شموعنا المُضاءة في العتمة الصارخة ورغبتنا الدفينة بأن تكون هناك في مكان ما من العالم كائنات خارقة حاضرة لتحمينا من عالم يزداد اليوم كآبة وفسادا. البطل الخارق موجود فعلا، ولكنه مغوار برداء أبيض وبعينين تعبتين ووجه شاحب أو مُتصبب عرقا. إنه بطل من معدن بشري خالص. إنه منبثق من جوف استهتار الإنسان بمخلوقات الأرض من نبات وحيوان. إنه الذي لم يستطع سن النضج أن يلعنه أو يجعل منه مهزلة للتسلية والترفيه. إنه الذي لم يقدر على تشتيت ملامحه الإنسانية وهم الإنسان المعاصر بأنه مُقترب من مُضاهاة الخالق بعظمته مع شرط الحفاظ على خاصية يملكها وحده وهي قابليته أو رغبته بالبطش والتنكيل بما هو أضعف منه، أو أقل منه ثراء أو تطوّرا. “انتهى الأمر.. سأموت” رسالة أطلقها الطبيب الشاب قبيل انتصار الوباء عليه. إنها رسالة إلى كل العالم حثّ فيها الطبيب / الشهيد الآخرين على الاعتراف بضعفهم وجعله قوة لا تحيد عن إنسانيتها. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :