هل كان الكاتب العالمي تالستوي مسلماً؟

  • 7/25/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

نشرت تقارير إعلامية روسية مؤخراً، رواية تقول إن الكاتب الروسي العظيم ليو نيكالايفيتش تالستوي اعتنق الإسلام في آخر حياته. والجدل بهذا الخصوص لا يزال مستمراً، فأين تكمن الأفكار الإنسانية لليف نيكالايفيتش تالستوي؟ وإلى أي مدى تعتبر هذه الأفكار حيوية وفعالة في أيامنا هذه، وكيف يمكنها أن تكون مسموعة بالنسبة لإنسان القرن الواحد والعشرين. ماذا كانت معتقدات تالستوي الدينية؟ وكيف كانت نظرته للإسلام؟ فمعتقدات ليف نيكالايفيتش تالستوي الاجتماعية والفلسفية والأخلاقية والدينية، ونزعته الروحية لا تزال تحظى باهتمام كبير، وتدور حولها نقاشات عاصفة، وضارية أحيانا، ويلاحظ اهتمام كبير بتراث تالستوي الروائي والأدبي خلال السنوات الأخيرة في العالم الإسلامي أيضاً. قيم إنسانية المعروف لدى الباحثين والدارسين للأدب الروسي أن من أسباب انتشار هذا الأدب على النطاق العالمي، والموقع الذي يشغله في التراث الفني العالمي، أن نتاجات الكتاب الروس العظام تنطوي على أفكار أخلاقية وفلسفية عميقة. وينطبق ذلك بالقدر الكامل على نتاج تالستوي الحائز على شهرة عالمية منقطعة النظير. ولد تالستوي عام 1828م في مدينة تولا جنوب موسكو وكان في سن الثالثة والعشرين من عمره عندما جاء الى الشيشان فكتب أول كتاب له عام 1851م وكان حول ذكريات طفولته تحت عنوان الطفولة وانعكس تأثره بطراز وأسلوب حياة الشعب القفقاسي في روايتيه الحاج مراد والكازاك، انغمس على الفور في صميم حياة الشيشانيين وكان لديه أصدقاء بينهم. لقد كتب تالستوي في دفتر مذكراته بعد أسبوعين من وصوله إلى الشيشان هذه العبارات لقد رعتني يد الله عز و جل، وأنا أشكره جدا على ذلك. إنني على يقين جدا، بأنه لن يحدث لي هنا مكروه، وكل شيء لي سيكون بخير، لأن ذلك هو نصيبي وتلك هي إرادة الله. تحليل مذكرات ورسائل تلك الفترة تثبت، بأن تالستوي قد سعى بشكل دائم لفهم البناء الروحي لحياة الشعوب المحلية، وعاداتها وتقاليدها، وتكوين انطباعاته الشخصية عنها. لقد أولى تالستوي خلال خدمته في القفقاز اهتماما كبيرا لجمع الفن الشعبي الشفهي والترويج له ونشر فولكلوره. وكتب في عام 1852 أغنيتين شعبيتين شيشانيتين من كلمات أصدقائه المسلمين الشيشان. واستخدم هذه التسجيلات وغيرها في مؤلفاته. دراسة الأديان ولما شارف تالستوي على الخمسين من عمره حدث تغيّر كبير في حياته، وحدث له انقلاب روحي هائل لم يستطع النقاد تفسيره لأن تلك الفترة من حياته كانت زاخرة بالنجاحات المتلاحقة. ووصل فيها إلى ذروة المكانة الأدبية، وكان رب أسرة تعيش في سعادة وهناء. ورغم هذا حدثت له أزمة نفسية عميقة الجذور، فقد كان يسعى جاهدا للوصول إلى جواب شافٍ لمعاني الحياة ومقاصدها ضمن عقيدة دينية، وقد وصف هذه المعاناة الروحية بقوله: كان يحدث معي شيء ما غريب جدا، فقد أخذت في البداية تنتابني مشاعر الضياع واستغرقتني الكآبة، ثم بعد زوال هذا الشعور كنت أستمر في العيش كما مضى. لكن أوقات الحيرة هذه كانت تتكرر بشكل أكثر وأكثر وبنفس الطريقة، وهذه الحالة كانت تنعكس في نفس الأسئلة: لماذا؟ وكيف بعد ذلك؟. وشملت قراءاته الكثير من العقائد الدينية، وكان على يقين تام بأن أهم أعمال حياته هو محاولة تركيب حكمتي الشرق والغرب في جملة واحدة، وأدّت دراسته الشرقية هذه لاسيما مبادئ الزهد في الإسلام إلى زيادة مقته للمادية القاتلة. فكر شرقي وإذا تتبعنا بداية اتصاله بالفكر الشرقي فسنجد أن اهتمامه بالشرق يعود إلى سنوات شبابه المبكر حين اختار اللغتين العربية والتركية تخصصا للمستقبل ودرسهما لمدة عامين على أيدي أساتذة متخصصين، وحصل على الدرجات النهائية، وسجل طالبا للغتين العربية والتركية. وقد أيقن منذ بداية طريقه الأدبي الأهمية الفريدة التي يحتلها التراث الروحي للشرق. فأقبل في نهم على دراسة فكره وفلسفاته التي كان يبحث فيها بشكل خاص عن مفهوم المفكرين لمغزى الحياة، غير أن اهتمام تالستوي بالشرق يرتبط بالدرجة الأولى بالأديان، فقد آمن بأصالة الفكر الديني النابع من الشرق، وهو الفكر الذي كان يرى فيه حصيلة جامعة للقيم الأخلاقية التي اختبرت لقرون، والتي يجب أن تظل الحقيقة الراسخة الوحيدة في مسيرة الشعوب. تبحر في الدين إن أبرز مسألة في نتاج تالستوي الإبداعي هي مغزى الحياة، ورسالة الإنسان ودور المعايير الخلقية في نشاطه، حيث كانت له مراسلات مع عدد من الشخصيات العربية، مثل الشيخ محمد عبده، كما كانت له مراسلات حميمة بصفة خاصة مع بسطاء الناس من العالم العربي. كان الكاتب يكنُ أعمق مشاعر الاحترام للإسلام ولمفكري المسلمين في عصره. كما تراسل تالستوي شخصيا مع العديد من الشخصيات الإسلامية التاتارستانية في روسيا. الإسلام تبوأ مكانة مرموقة بين العقائد التي أقبل تالستوي على دراستها، وقد أشار بنفسه إلى ذلك: كنت أدرس البوذية، ورسالة محمد من خلال الكتب، أما المسيحية فمن خلال الكتب والناس الأحياء المحيطين بي. وقد احتوت مكتبته الشخصية على العديد من المراجع التي تتناول الإسلام بالشرح والتفسير. واستحوذت معاني القرآن الكريم على اهتمامه، كما استأثرت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بحبه وعنايته، لأنه وجد فيها الكثير من أفكاره التي كان يؤمن بها ويدعو إليها، ومن ثمّ وجد لزاماً عليه التعريف بالإسلام. ويتصدر كتاباته في هذا المجال كتيب بعنوان حكم النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو كتاب جمع فيه أحاديث للرسول انتقاها بنفسه وأشرف على ترجمتها إلى الروسية، ومراجعتها والتقديم لها. ويشير في مقدمة الكتاب إلى عقيدة التوحيد في الإسلام وإلى الثواب والعقاب والدعوة إلى صلة الرحم فيقول: وجوهر هذه الديانة يتلخص في أن لا إله إلا الله وهو واحد أحد، ولا يجوز عبادة أرباب كثيرة، وأن الله رحيم عادل، ومصير الإنسان النهائي يتوقف على الإنسان وحده، فإذا سار على تعاليم الله فسيحصل على الجزاء، أما إذا خالف شريعة الله فسينال العقاب. وقد بلغ إعجابه بخاتم النبيين وبسيرته، ما جعله يفكر في إعداد طبعات شعبية لكتاب يتناول حياة الرسول، كذلك فكر في إعداد كتيب مختصر عن سيرة الرسول الكريم وأعماله للأطفال الروس. إضاءة في العشرين من نوفمبر عام 1910، توفي ليو تالستوي حين هرب من بيته وحياة الترف، حيث أصيب بالالتهاب الرئوي في الطريق، وكان قد بلغ من العمر 82 عاماً ودفن في حديقة ضيعة ياسنايا باليانا بعد ان رفض الكهنة دفنه وفق الطقوس الأرثوذكسية الدينية، وبعض الباحثين الروس يقولون إن هناك احتمالاً قوياً بأنه اعتنق الإسلام، وذلك حسب رأي مترجمة القرآن إلى الروسية الأديبة الروسية فاليريا بروخافا، حيث تقول بروخافا إن تالستوي قد أسلم في أواخر حياته بعد قيامه بدراسة الإسلام، وأوصى أن يدفن كمسلم، وتستدل على ذلك بعدم وجود إشارة الصليب على شاهد قبره. بل تردد بعض الأوساط الأدبية أنه أسلم فعلا، وهذه الحقيقة غير معروفة في العالم العربي والإسلامي، حيث إنه في السنوات الأخيرة من حياته كان دائم التفكير والتأمل في معنى الحياة، يبحث عن الطرق الموصلة إلى الله.

مشاركة :