هل كان إدوارد سعيد مسلماً؟

  • 1/15/2014
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

من المفارقات العجيبة أن يكون أبرز من تصدوا للتصوير المشوه (بفتح الواو وكسرها) للإسلام في الإعلام الغربي إجمالاً، والإعلام الأمريكي على وجه التحديد هو الناقد والمفكر الراحل إدوارد سعيد المسيحي العلماني في كتابه الذي نشره في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين (تغطية الإسلام). لم يأت دفاع إدوارد سعيد عن الإسلام والتصوير الأحادي له كدين يحض على العنف، ويبرر ممارسته بدافع ديني بطبيعة الحال كما هو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، بل بدافع الصدع أو الجهر بالحقيقة في وجه السلطة ومراكز القوى، وهي في هذه الحالة الآلة الإعلامية الغربية المتغولة. تلك كانت مهمة المثقف ودوره كما آمن به سعيد وكما دعا إليه وطبقه في جل كتاباته، وظل متشبثاً به حتى آخر أيام حياته التي لم تطل على هذه الأرض لسوء حظنا. وكانت الهجمة التي شنها الإعلام الغربي على الإسلام والمسلمين آنئذٍ قد جاءت كردة فعل على الثورة الإيرانية وأزمة الرهائن الأمريكيين، كما يعرف من أتيح له الاطلاع على الكتاب أو قراءة بعض المراجعات عنه. ومن سوء حظنا أيضاً أننا ابتلينا كعرب وكمسلمين في العقدين الأخيرين على وجه الخصوص بمجموعات متعصبة و«ميليشيات متأسلمة»، كما يسميها بعض المفكرين ما فتئت تغرز حرابها في خاصرة الإسلام وتشوه صورته كدين سلام وسماحة وتعايش سلمي مع كل الأديان. هؤلاء المتأسلمون نجحوا في إسداء، ليس خدمة واحدة، بل فيض من الخدمات، للإعلام الغربي المتحيز الذي يتربص بالعالم الإسلامي ليظهره في صورة نمطية قبيحة طالما وجدت الأرضية المتأهبة لتلقيها واحتضانها. فلم يعد الإعلام الغربي المتحيز ضد الإسلام بحاجة إلى تعمد تشويهه وافتراء الأكاذيب عنه، لأن هؤلاء الحمقى والجهلة تكفلوا بالمهمة كاملة، فلم يفوّتوا فرصة ولم يدعوا سانحة أو بارحة دون أن يستغلوها لإظهار الدين الذي يدعون ويزعمون أنهم يتكلمون باسمه وينطقون بلسانه وهو منهم بريء، كدين يمثّل العنف جوهراً وأساساً له. لم يكتف هؤلاء بتقسيم العالم إلى «فسطاطين» يشن فيه «المسلمون» الحرب على «الكفار»، بل نقلوا أوار الكراهية وشهوة القتل وسفك الدماء إلى داخل العالم الإسلامي نفسه، فصارت الكلمة العليا للاحتقان الطائفي، وأمست الحروب الطائفية تُشَنُّ في أكثر من مكان ورقعة على اتساع العالم الإسلامي، وصرنا نسمع ونشاهد (إن كانت قلوبنا تتحمل) مشاهد وصوراً تقشعر لها الأبدان يقوم بها أولئك المتأسلمون الذين انحدروا إلى درك أسفل من التوحش. والطامة الكبرى أن جُلَّ إن لم يكن كل تلك الأفعال الشنيعة ترتكب وأصوات التكبير تتعالى من أفواه حفنة من المتعطشين للدماء الذين يحسبون أنهم الممثلون الشرعيون للإسلام، حتى صارت تلك الأفعال مرتبطة بنداء التكبير العظيم الذي حمله المسلمون الأوائل إلى كل رقاع الأرض مقترناً بالنداء للصلاة التي تصل العبد بمعبوده في علاقة روحانية خالصة، فهل هناك تشويه للإسلام أكبر من ذلك؟ سيقول قائل: وماذا عن الجرائم التي يرتكبها وارتكبها غير المتأسلمين في أكثر من بلد عربي وإسلامي؟ ألا تساهم تلك الأفعال أيضاً في إعطاء صورة سلبية عن العالم الإسلامي لدى الآخر؟ والإجابة هي بالإيجاب بالطبع، ولكن هؤلاء على أقل تقدير لا يرتكبون جرائمهم باسم الإسلام، ولا يقترفون البشاعات وهم يهللون ويكبرون، وكأن في ذلك مرضاة لله وتقرباً منه.

مشاركة :