طرابلس - توقعت مصادر سياسية ليبية أن يستمر الصراع على السلطة بين رئيس الحكومة فايز السراج ووزير الداخلية فتحي باشاغا الذي تواترت أنباء خلال الأيام الماضية بشأن سعيه للانقلاب على السراج وسط دعوات دولية للتهدئة. لكن إشارة قادمة من واشنطن قد تطيح بحسابات الطرفين بعد أن أكدت أن لا فرق بين باشاغا والسراج، وهو ما قد يعني بقاء الحال على ما هو عليه في طرابلس. وفي حين كان باشاغا يخطط لاستغلال تدهور الأوضاع المعيشية لتنفيذ الانقلاب متسلحا بغضب الشارع والاحتجاجات التي شهدتها العاصمة الأيام الماضية، أصدر السراج قرارا بإيقاف وزير داخليته عن العمل وإخضاعه للتحقيق بتهمة الاستخدام المفرط للقوة ضد المحتجّين. وقال مرسوم أصدره السراج إن رئاسة حكومة الوفاق ستحقق مع باشاغا خلال 72 ساعة، وإن نائبه خالد أحمد مازن سيقوم بمهامه. وكلّف مرسوم آخر قوة من المناطق العسكرية المقسمة في غرب ليبيا بقيادة أسامة جويلي وهو قائد من الزنتان، وهي مدينة أخرى ذات نفوذ عسكري، بالمساعدة في ضمان الأمن بطرابلس. وقالت مصادر من العاصمة الليبية إن باشاغا وصل مساء السبت إلى العاصمة طرابلس قادما من تركيا، ولا يعرف كيف ستتصرف حكومة الوفاق تجاهه، هل تعتقله أم تحقق معه في حالة سراح. ويأخذ الصراع بين رئيس الحكومة ووزير الداخلية بعدا جهويا حيث وقفت ميليشيات طرابلس مع السراج ضد باشاغا المنحدر من مدينة مصراتة ذات الثقل السياسي والعسكري المهم غرب ليبيا، والتي تهيمن على السلطة منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي مستفيدة من قيادتها لمعركة إسقاطه. ولم تستبعد المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها أن يتطور الصراع خلال الأيام القادمة إلى صراع مسلح بين ميليشيات طرابلس ومعها القوات التابعة لأسامة الجويلي آمر المنطقة العسكرية الغربية من جهة وميليشيات مصراتة من جهة أخرى. اقرأ أيضاً: الشرعية المتآكلة في طرابلس تفضح عجز المجتمع الدولي هل أطاح السراج بمخطط للانقلاب عليه أم استبعد باشاغا أبرز منافسيه وقالت المصادر “إن الطرابلسية رفعوا من وتيرة الإهانات، ومصراتة لن تقف مكتوفة الأيادي”. وستكون ميليشيات مصراتة في هذه الحالة أمام تحدي تأمين ظهرها من جهة سرت لضمان عدم تنفيذ الجيش لهجوم ومواجهة ميليشيات طرابلس. وعين المجلس الرئاسي الليبي العقيد صلاح النمروش وزيرا للدفاع، والفريق أول محمد علي أحمد الحداد رئيسا للأركان في القوات التابعة لحكومة الوفاق، في رسالة واضحة من السراج أنه صاحب القرار الأول في الحكومة، وأن الحديث عن نفوذ خصومه مثل باشاغا والمشري هو مجرد تهويل. كما أن السراج يسعى لإجراء تعديلات تضمن إمساكه بتفاصيل الحكومة وتجعله رقم مهما في أي ترتيبات قادمة سواء في العاصمة طرابلس أو في سياق حل عقدة الملف الليبي ككل. وتقول مصادر في طرابلس إن السراج سيجري المزيد من التعديلات على الحكومة في قادم الأيام. ويتابع المجتمع الدولي بقلق التطورات في العاصمة الليبية حيث أصدرت السفارة الأميركية بيانا دعت من خلاله للتهدئة ما يعكس سعيها للتأكيد على وقوفها على مسافة واحدة من طرفي الصراع (السراج وباشاغا)، كماحمل في طياته نفيا غير مباشر للتحليلات التي تذهب إلى القول إن تحركات باشاغا الانقلابية مدعومة من واشنطن. وقال البيان “تدعم الولايات المتحدة سيادة القانون، وتقدر الشراكات الوثيقة مع رئيس الوزراء السراج ووزير الداخلية باشاغا، كما تحث على التعاون من أجل توفير الحكم الرشيد للشعب الليبي”. ولفتت المصادر إلى أن تركيا هي المستفيد الأول من هذا الصراع حيث يتنافس الطرفان على استرضائها وتقديم الولاء لها، ومن غير المستبعد إمكانية مساندة أنقرة للسراج رغم قربها من باشاغا، في صورة ما حصلت على ما تريده. وأكدت المصادر أن ما يجري حاليا قد يكون عقابا من تركيا للسراج الذي رفض مؤخرا توقيع عقود واتفاقيات لإنشاء قواعد بحرية في موانئ مصراتة وطرابلس وزوارة والخمس، بضغط من فرنسا وإيطاليا. ويقول مراقبون إن الإسلاميين بدأوا منذ فترة خطة تهدف لتأجيج الشارع ضد السراج عندما رفضوا صرف المرتبات رغم توقيع وزير المالية عليها وتأكيده على وجود سيولة في المصرف المركزي لتغطيتها. لكنهم يلفتون إلى أن بقاء السراج سيظل مهما لتركيا والإسلاميين كونه واجهة لـ”الشرعية” التي يعطيها اتفاق الصخيرات للوضع القائم في طرابلس، وأن سقوط السراج سيعني آليا سقوط باشاغا وانتفاء أيّ مبرر لنفوذ الميليشيات ومن ورائها تركيا. وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، السبت، إن ليبيا “بحاجة ملحة للعودة إلى عملية سياسية شاملة ومتكاملة، لتلبية تطلعات الشعب الليبي إلى حكومة تمثّله بشكل ملائم، وإلى الكرامة والسلام”. وأوضحت في بيان لها أن ليبيا تشهد “تحوّلا لافتا في الأحداث، يؤكد الحاجة الملحة للعودة إلى عملية سياسية شاملة ومتكاملة من شأنها أن تلبّي تطلّعات الشعب الليبي إلى حكومة تمثله بشكل ملائم”. وحثت البعثة على الهدوء وتطبيق سيادة القانون والحفاظ على حقوق جميع المواطنين في التعبير السلمي عن آرائهم، في إشارة إلى قمع ميليشيات طرابلس للتظاهرات السلمية التي شارك فيها المواطنون، احتجاجا على سوء الأوضاع المعيشية. من جانبها دعت السفارة الألمانية لدى ليبيا القادة الليبيين إلى التصرف بحذر واحترام الحقوق الأساسية للمواطنين. وقال سفير ألمانيا لدى ليبيا أوليفر أوفتشا إن بلاده تدعو “إلى الاعتدال واحترام الحقوق الأساسية” مضيفا “يجب على القادة الليبيين التصرّف بحذر واغتنام الفرصة التي أتاحتها إعلانات الـ21 من أغسطس لتحقيق تقدم ملموس نحو وقف إطلاق النار واستئناف إنتاج النفط”.
مشاركة :