تهميش الإنسان في صراع الهويات

  • 7/26/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عادة ما أعود إلى سؤال الإنسان وتمحوره حول الإطارات الثقافية ومدى تحقيقه لذاتيته أمام كل ما يحيطه به، فتكون الإشكالية أنه يهمش ذاته في مقابل تمركزه حول أشياء أخرى بعيدا عن تحقيق ذاتيته الفاعلة، وقد يكون من الصعب وصف الإنسان بالهامش لكونه هو محور العلاقات البشرية، وتوازنات صراعات القوى حتى لتلك الهويات أو السياسات التي تفرض القوة في الصراع، لكن المقصود هنا هو حمل قيمة الإنسان مقابل تهميش قيمته في مقابل قيم القوة أيا كانت مصادرها الدينية والسياسية والعسكرية وحتى الثقافية والاقتصادية رغم أنها منه تأتي وإليه عادت، لكن الإشكالية في طريقة الأخذ والعودة، إذ ينسحق الإنسان المعاصر أمام تكتلات كثيرة ليس هنا مجال الحديث عنها؛ فيصبح خطاب الأنسنة منسحقا أمام خطابات القوة، ولذلك جرى وصف الإنسان المعاصر عند الأدبيات الحديثة بكونها هامشا. تأخذ قيمة التسامح مشروعيتها من خلال أنسنة الخطابات الثقافية كونها هي ما يعول عليها التأسيس لقيمة التسامح في ثنايا خطاباتها وتمظهر قيمها على أرض الواقع الثقافي، ولعل هذا من أهم المرتكزات الثقافية للكشف والبحث عن الإنسان في طيات هذا المجتمع، مع طرح كافة إشكالاته الثقافية والاجتماعية التي تقف أمام إنسانية الفرد في واقع لا إنساني. وفي محاولات الإنسان البحث عن ذاته الإنسانية تصبح فردانيته أمام كثير من الخطابات الاستلابية التي تقف حاجزا قيميا عن تحقيق إنسانيته، وهي الخطابات التي قامت على تقويضها أو طرح إشكالاتها الفكرية نظريات ما بعد الحداثة النقدية. وفي إطار بحث الإنسان المعاصر عن ذاتيته تبرز إشكالية هامشيته في واقع يضع الذات الإنسانية في مواجه تمركز الخطابات الثقافية على مختلف توجهاتها الفكرية. الإنسان/ الهامش مقابل الإنسان/ المركز. بمعنى أن الإنسان الهامش يبقى في إطار هامشيته لتحقيق مركزية الإنسان الآخر، وكيف تحقق الخطابات الثقافية هذه المركزية للإنسان الأكثر قيمة من الإنسان الهامش؟ هامشية الإنسان هنا تحاول البحث عن ذاتها الإنسانية في إطار محاولات الخطابات لتحديد نسقية الإنسان المعاصر، مما يعني غياب ذاتيته في مقابل تحقيق نسق واحد يراد للفرد تمثل قيمه الثقافية. هذه النسقية تجعل من سلطة الخطابات فوق سلطة الإنسان وتتمحور إنسانية الفرد من خلال تمثله لقيم الخطابات وأنساقها الفكرية في غياب لتعددية الخطاب بسبب تأطير النسق لتعددية الفكر الإنساني والخطابات الإنسانوية. وبسبب هذا التأطير النسقي فإن الإنسان الهامش دائم الترحال في البحث عن الهوية. إنها إشكالية الذات الوجودية التي لا تستطيع أن تتمفصل إلا ضمن البعد الزمني للوجود البشري، مما يضطر الإنسان الهامش إلى تكوين هويته السردية في ظل غياب هويته الذاتية، وهذه الهوية السردية لا بد لها أن تتماس مع الآخر ووجود الآخر هو وجود لـ"للاختلاف". البحث عن الشخصية الذاتية من خلال تكوين الهوية هو بحث عن "المعنى"؛ إذ إن إحدى إشكالات الإنسان الهامش هو في "غياب المعنى". أي غياب القيمة الإنسانية لتحقيق الذات والبحث عن هذه الذات من خلال الرمزيات الكبرى. هنا تصبح الهوية بديلا وهميا عن الشخصية الذاتية، وهنا يختلط الجنون والعقل، وتتهاوى الفوارق بين الحقيقة والوهم التي تزيد من أزمة الإنسان الهامش في هذا العصر. في ظل حالات التناحر الفكري والأيديولوجي في الأوساط الثقافية والاجتماعية والدينية، فإنه دائما ما يتساءل البعض عما إذا كان التعامل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد سوف يصبح حسب الهوية الأيديولوجية؟ وبرأيي أن هذا التعامل حاصل في الأساس منذ مدة طويلة جدا، وليس كونه "سيصبح". إن كلمة "سيصبح" تعني أنه لم يحصل حتى الآن في حين أن الواقع يؤكد على أن التعامل مع الفكر هو تعامل أيديولوجي في أساسه، والدليل تلك التصنيفات التي غالبا ما تتحرك في خطاباتنا الثقافية ما بين التيارات الفكرية المختلفة؛ إضافة أن لكل تصنيف معسكره الفكري والسياسي الخاص الذي لا يمكن أن يتقاطع مع المعسكر الآخر، إلا في بعض المصالح المشتركة الآنية التي تنتهي مع انتهائها، وإلا فإن لكل معسكر رؤيته الخاصة وأجندته السياسية ومفكريه وكتّابه سواء أكان إسلاميا أم ليبراليا أم قوميا. كذلك فإن في داخل كل تيار تيارات أصغر تنافس على الصعود والتصنيف إلغاء لتكون لها الهيمنة الفكرية دون سواها. إن التعامل مع الهويات هو أمر طبيعي وحاصل ولا يمكن أن يقوم مجتمع من غير تلك الهويات، سواء كانت هويات تاريخية، أو هويات دينية، أو حتى هويات وضعية أسستها قيم الدولة الحديثة. الهويات تتشكل في كل المجتمعات البشرية، ولا إشكال في ذلك، إنما يحصل الإشكال من حالة التنافر الفكري والأيديولوجي القائم على نبذ الآخر المختلف، بمعنى أن تتحول تلك الهويات إلى صراعات مذهبية أو دينية أو أيديولوجية ينفي بعضها البعض الآخر. إن طبيعية المجتمعات أن تختلف، وهذا الاختلاف محل ثراء فكري واجتماعي للمجتمعات مهما توحدت هوياتها، لكن حينما تتحول إلى عمليات تصفية فكرية أو سياسية أو دينية فإن هذه "الهويات" يمكن أن تكون "قاتلة"، كما كان يسميها أمين معلوف، وهي حاصلة في وضعنا العربي الراهن، إذ كان القتل على الهوية أحد أكثر المشاكل السياسية والدينية بعد الثورات العربية.

مشاركة :